شاءت الأقدار لهذا الركن القصي من البلاد العربية أن يكون من نصيب مجتمع بدوي يمسي ويصبح على ظهور العيس قاصدا مواطن الكلأ وتساقط السحب’ ولا يدرك معنى النشيد ولا معنى العلم ولا حتى معنى أن يكون له وطن ..........
لكن قدرة الله ـ التي لا تدخل فيها لسياسات البشر
ـ أقتضت أن تكون بلاد السيبة والترحال هذه بحرا وبرا وحتى في جوف الأرض تختزن ثروات هائلة بدأت بالصمغ العربي ولم تنته بعد’ حيث كان آخرها اكتشاف الغاز المشترك مع الجارة السينغال أواخر العام المنصرم’ ولا ندري عما يكشف قادم الأيام في المستقبل ......
ولعل أرض المعادن هذه والسمك والغاز .... والشعب الذي يعيش تحت دوامة الفقر المدقع حسب التقارير العالمية وحسب المشاهدة والتجربة اليومية......
وانطلاقا من هذه المعطيات وغيرها شدت بلاد التناقضات انتباه لمستعمر الفرنسي فقرر ضم القطيع البدوي إلى قائمة المستعمرات..... ومن هنا كانت الحكاية عن ميلاد وطن بدأت معالمه تتشكل لاحقا ولا أعتقد أنه بلغ الحلم بعد..
إلا أن الأمر الذي لاخلاف عليه هو كونه ولد في ستينيات القرن الماضي تحت قيادة العلم والنشيد وأرض غنية لم يتسرب سرطان الفساد في جوفها أنذاك على الأقل ..
وهذا يعني أن النشيد والعلم من ثوابت الوطن’ بل أكثر من ذلك فالدولة الوطنية لحظة استقلالها عبارة نشيد وعلم ولا فتات .
وظلت الأنظمة المتعاقبة منذ الاستقلال ولحد الآن تحافظ على هذين الركنين’ رغم كل مظاهر الفساد والإرتجالية في القرارات والترحال السياسي الذي يبدو أننا ورثناه عن جيل البدوي الرحل’ حيث أصبح جزء من سياسات الدولة الوطنية’ ولاشك أنه مازال يرافقنا ’ والغريب في الأمر أنه على ما يبدو وصل النشيد والعلم.....حسب مقابلة أجرتها قناة أفرانس 24 مع الرئيس محمد ولد عبد العزيز الليلة البارحة فإن تغيير النشيد والعلم المقترح من طرف الأغلبية سيعرض على البرلمان وقد يعرض في شكل استفتاء على الشعب الموريتاني الذي يمثل الرأي العام المنقاد الغير قادر على تفسير الأحداث سواده الأعظم’ وتحتل النخبة التي تقرأ الأحداث حسب هوايات المحيط الإجتماعي وغيره..... النسبة الباقية
والتاريخ خير شاهد على ما أقول.
فهل ينتظر من الشعب الموريتاني أن يعارض مقترح الأغلبية من باب أولى الجمعية الوطنية التي يحضر أغلب النواب فيها لتمرير قرارات الحكومة فقط لا أعتقد ’ لذلك لاداعي يا سيدي الرئيس لتمرير المقترح على البرلمان ولا حتى على خيارات الشعب المغلوب على أمره ’ فالنشيد والعلم بين خيارين أحلاهما مر.
لكن ينتابني فضول أن أسأل عن دواعي تغيير النشيد والعلم فقد بحثت كثير قبل أن أسأل ولم أجد له مبررا... وأرجو أن تكون الإجابة هذه المرة أكاديمية أو على الأقل أرقى من إجابات سمعتها من قبل.