موريتانيا: المال والقبيلة أدوات حسم الصراع الانتخابي / محمد الحافظ ولد الغابد

محمد الحافظ ولد الغابدأثبت الأسبوع الأول من تنافس الانتخابات الرئاسية الجارية في موريتانيا حالياً أن الأزمة السياسية الموريتانية ما هي إلا تجلٍّ لصراع النفوذ بين مجموعات قبلية ومالية استطاعت أن تهيمن على الحراك السياسي والاقتصادي خلال العقود الماضية، وحلفائها السياسيين في طرف، ومجموعة قوية نافستها في السنوات 

الأخيرة وبرزت كقوة مالية وسلطوية مهيمنة، واتضح بشكل لافت أن الديمقراطية والحريات ودولة القانون والعدالة ليست إلا قميص عثمان يتشبث به القتلة لاكتساب الشرعية والاستيلاء على الغنائم التي يوفرها امتلاك وسائل السلطة والدولة.

ديمقراطية الانقلابات.. وتداخل المال والقبيلة

هيمن رجال أعمال الشمال المنحدرين من قبيلة الرئيس السابق معاوية ولد سيد أحمد ولد الطائع على الحياة الاقتصادية في موريتانيا لعدة عقود وعندما أطيح بولد الطائع أطاح به ضباط من إحدى أهم القبائل الموريتانية المنحدرة من الشمال والتي عرفت بولائها للعرش العلوي في المغرب ولم يكن لها وجود قوي في الجيش الموريتاني بالمقارنة مع العديد من القبائل الأخرى خصوصا في المناطق الشرقية، وهذا ما جعل الرئيس ولد الطائع يعتمد على ضابطين قويين، هما رئيس المجلس العسكري السابق علي ولد محمد فال الذي تولى إدارة الأمن لأكثر من عشرين سنة وظل يحظى بثقة كبيرة لدى العقيد ولد الطائع الذي قضى أطول فترة في حكم موريتانيا، والآخر هو الجنرال محمد ولد عبدالعزيز رئيس المجلس العسكري الذي قاد انقلاب السادس من أغسطس 2008 ضد الرئيس المنتخب ثم استقال من رئاسة المجلس وترشح للرئاسة، وكلا الرجلين من قبيلة واحدة، بل من أسرة واحدة، ولكن ظروف الحكم الاستثنائي للدكتاتور المستبد وآليات الحكم الفردي التسلطي التي اخترعها جعلته يفرغ مؤسسات الدولة خصوصا الجيش من محتواها مما يسهل على أي فرد مهما كانت قدراته القيادية متواضعة جدا أن يخضع البلاد لنزواته. وبالطبع لم يكن ولد الطائع يعتمد على القدرات والكفاءة بقدر ما كان يعتمد على معيار الولاء الأعمى ويقرب من يتوسم فيهم البلادة وانعدام الطموح حتى يحافظ على سلطته من اختطاف انقلابيين على ظهر دبابة، وهو ما طمح إليه عشرات الضباط في الجيش ممن أجهض سعيهم في أطواره الجنينية ومنهم من أفشل سعيه بعدما تقدم خطوات واسعة إلى الأمام. جمع هؤلاء الضباط ثروات طائلة من إتاوات كان يفرضها جهاز الشرطة حيناً ومن تمويلات ومساعدات منحتها الدول الأوروبية للجيش والأمن لمكافحة الإرهاب والهجرة السرية. وتصدر رجل الأعمال المنحدر من نفس القبيلة الوسطَ الماليّ بعد شراكة مالية قوية مع شقيق ولد الطائع، وبرز على غير عادة رجال الأعمال الموريتانيين من بوابة العمل الخيري بإنشاء مستشفى متخصص في علاج العيون ظل ينقص البنية الصحية في البلاد منذ الاستقلال، وتلقى تسهيلات من سلطات ولد الطائع والمرحلة الانتقالية 2005- 2007. وقد برزت قبيلة الضابطين الانقلابيين كمنافس مالي قوي لقبيلة الرئيس ولد الطائع، ولكنها منافسة تترست بدعم الرئيس في الانتخابات حيناً والشراكة المالية والتجارية مع محيطه الأسري حيناً آخر، وهو ما منحها قبولاً لدى الرئيس ولد الطائع رغم تحذيرات مقربيه من طموحات القبيلة المرتبطة بالعرش العلوي في المغرب والتي نزحت إلى موريتانيا قبل أقل من قرن واحد على الأكثر. في الصراع الانتخابي الحالي يجري التنافس على أشده بين أربع مجموعات قبلية قوية كلها ذاقت طعم السلطة من قبل، وهي الآن تقدم مرشحاً قوياً مستقلةً بإرادة ترشيحه أو أعلنت دعمها له، فقد وقفت قبيلة الجنرال ولد عبدالعزيز إلى صفه رغم وجود علي ولد محمد فال منافساً له على شعبية العشيرة، ونظراً لكون ولد عبدالعزيز حافظ خلال الأشهر الماضية على تماسك الأغلبية الرئاسية فإنه لا يزال يملك الإيحاء بكونه المرشح الذي يمسك بمقاليد الأمور ويحظى بدعم الجيش والأمن إضافة إلى استخدامه وسائل الدولة حسبما يقول منافسوه. وفي مقابل هذا المعسكر تخندقت قبيلة الرئيس السابق ولد الطائع إلى جانب المعارض العتيد أحمد ولد داداه، وتنادت هي وحلفاؤها لدعمه سياسيا وماليا في هذه الانتخابات التي عرفت توزع النافذين الماليين على عدة مرشحين لأول في مرة في موريتانيا، حيث ظل المال وشيوخ القبائل الظهير القوي لحكم الجيش ومن هم في السلطة، لا يتخلف منهم أحد عن دعم مرشحها، ولكن يبدو أن من فوائد الربيع الديمقراطي الذي هب نسيمه على البلاد من الثالث من أغسطس 2005 أن رأس المال بدأ يتخفف من جبنه ويتجه للمغامرة وتجريب حظه في اللعبة السياسية. أما المرشح الثالث الذي نال حظا قويا من دعم رجال المال والأعمال وشيوخ العشائر فهو زعيم الأرقاء السابقين ورئيس الجمعية الوطنية مسعود ولد بالخير الذي دعمته إحدى أهم القبائل التي تملك تأثيرا واسعا من خلال رجال الإدارة والأطر المنحدرين منها وعشرات رجال الأعمال من الطبقة المتوسطة الذين يهيمنون على الوسط التجاري المؤسسي.

قلق على مستقبل الاستقرار والشرعية

وبالجملة، فقد توزع أهل المال والنفوذ القبلي في هذه الانتخابات على العديد من المرشحين الرئيسيين، وهو ما يعد سابقة في تاريخ الانتخابات الموريتانية التي تكررت في مواسم متتالية خلال العشرية الأخيرة. وما يثير مزيداً من القلق السياسي أن هذه الانتخابات لن تغلق باب الصراع على السلطة ونهب الثروات والفساد السياسي، وإنما ستفرز حتما طورا جديدا من الصراع القبلي الذي لن يقود إلا إلى مزيد من الانقلابات والأزمات ومحاولة من سيفوز بالرئاسة السيطرةَ والتحكمَ في الحراك السياسي بما يخدم بقاءه في السلطة والسعي لرد الجميل لداعميه وحلفائه في الانتخابات، بينما ستتجه الأطراف الخاسرة في المعركة الانتخابية على الأرجح إلى مزيد من الدفع بالأمور للتأزيم والمنازعة في الشرعية السياسية وهو يناقض جوهر الديمقراطية والشرعية الانتخابية. 

18. يوليو 2009 - 0:00

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا