-1- عوامل عديدة يمكن أن نعتبرها وراء تسارع وتيرة التعديلات الدستورية التي عرفها ويعرفها دستور ال20 من يوليو1991، لعل من أهمها الحاجة المتجددة للتكيف مع الظروف والأحوال السياسية غير المستقرة في هذا البلد، وتضخم الطموح السياسي للنخبة الوطنية المتجلي بوضوح
في العمل على خلق الكثير من كيانات وتشكيلات المزايدة السياسية، فضلا عن مقتضيات تحقيق المصالح المتغيرة المستعصية فيما يبدو على الاستشراف، مما يتطلب محاولة استدراكها عبر مختلف التعديلات الدستورية السابقة والمنتظرة.
-2-
غير أن العبرة في تقديري ليست بالبحث في العوامل والأسباب التي تقف وراء هذه التعديلات الدستورية مهما تعددت، وإنما في مدى أهميتها لتطوير الواقع السياسي والديمقراطي في بلادنا. يمكن القول انطلاقا من نظرة عابرة في مختلف المضامين الاصلاحية للتعديلات الدستورية السابقة أن هذه التعديلات ظلت تضيف جديدا لتعميق التجربة الديمقراطية في البلاد.
ففي تعديل 2006 وهو الأبرز بالنظر إلى حجم الاجماع الوطني حول مضامينه تم تكريس واحدا من أهم المبادئ الحاكمة في النظام الديمقراطي أي مبدأ تداول السلطة، بينما أضاف تعديل 2012 رغم غياب الاجماع حوله ، لبنة جديدة في تأكيد مبدأ سلمية انتقال السلطة، حين جرم الاستيلاء غير السلمي عليها، واضعا بذلك حدا لشبح الانقلابات العسكرية، الذي أرق باستمرار واقع الحياة السياسية للبلد ، ودفع به في الكثير من المرات إلى المجهول .
-3-
بينما ينتظر من التعديل القادم أن يحقق المزيد من الاصلاحات المهمة للبلد ، وذلك في مجالات عديدة من أهمها:
- توسيع مجال اللامركزية الادارية من خلال خلق مجالس جهوية ، ينتظر أن تلعب دورا كبيرا في الرفع من مستوى التنمية المحلية بمختلف أبعادها .
- الحد من الاعباء الكبيرة وغير الضرورية التي كانت تمثلها السلطة التشريعية بغرفتيها الحاليتين على الميزانية العامة للدولة ، ووضع حد لتأثير الفاعلين الاجتماعيين وأصحاب رؤوس الأموال السياسية في إحدى هذه الغرف ، ما جعلها على مدار عقدين ونيف من عمر تجربة الانتقال الديمقراطي الوطني موضع انتقاد من حيث أساليب التأثير على اختيار اعضائها وتكريسها لهيمنة الفاعل الاجتماعي القبلي المحلي، على حساب المنافسة الديمقراطية بين جميع المواطنين. بصرف النظر عن مراكزهم الاجتماعية.
- تغييره لعلم حيادي يصلح لنا ولغيرنا بعلم نقرأه بمنطقنا ونحمله من الرمزية الوطنية ما نشاء. وطبعا لسنا بدعا في ذلك من الأمم الأخرى التي رسمت بحسها الوطني الوان علمها .
كما أنه سيتم في سياقه أي هذا التعديل أيضا العمل على تغيير القطعة الشعرية الوعظية ذات الاهمية الكبرى في سياقها التاريخي، التي ظلت ترددها الاجيال بصفتها نشيدا وطنيا رغم منافاتها الواضحة لما درجت عليه مضامين الاناشيد الوطنية لمختلف بلدان العالم من حث على قيم الوطنية والتضحية في سبيل الأوطان، بعبارات سهلة وميسورة، يستطيع النشأ فهمها وترديدها في كل حين ودون تكلف، بعيدا عن لغة القواميس .