التعديل بين التطبيل و التضليل / خونه ولد اسلمو

أسال التعديل الدستوري المرتقب حبرا كثيرا و حاز نصيب الأسد من انشغالات الناس  و جدالاتهم  في بلد المليون سياسي حيث أدمن الكل تعاطي الشأن السياسي تارة كمخدر و تارة منشط , غير أن الغائب الأبرز عن تلك النقاشات التي يجوز لنا أن نطلق على اغلبها وصف العقيم , سؤال جوهري 

هام هو المدخل الذي سيضمن لكل الآراء و التحليلات أن تتسم بأدنى مستوى من الموضوعية و حظا و لو قليلا من المنطقية و الانحياز للحقيقة إن لم يكن للحق
السؤال المفتاح هو : هل التعديل الدستوري ضروري في هذه المرحلة ؟
يكاد يجمع فقهاء القانون الدستوري على أن التعديل الدوري  هو ضرورة لمواكبة تطور الممارسة الديمقراطية لكنهم جميعا مجمعون على أن التعديل كي يكون ضرورة لا بد أن يكون إصلاحا دستوريا و ليس تعديلا لتحقيق رغبة فرد أو مجموعة أما الإصلاح الدستوري فيشترط فيه من بين أمور عدة ما يلي : تحسين آليات فصل السلطات , و تبسيط مهام المؤسسات لمزيد من فك الالتباس الذي ينتج عن  تداخل الصلاحيات , و أن يعطي للمؤسسات المنبثقة عنه جرعة تجعلها قادرة على المزيد من الفعل سوء كان تشريعيا أو خدميا
فهل استجاب هذا التعديل الذي نحن بصدده لجملة هذه الشروط ؟ الجواب سيكون نعم استجاب لمعظمها حيث أن اقتراح تشكيل المجالس الجهوية هو البداية الصحيحة نحو لامركزية تحقق تمثيل المواطن و تنمية الجهة غير أن المعضلة التي قد تحول إن لم نقل تقضي على هذا الطموح و التوجه هي سطوة الإدارة الإقليمية و هيمنتها على جميع الصلاحيات التي قد تمنح مقيدة لهذه المجالس فتتحول مع مرور الوقت إلى مجرد زائدة دودية سيستلزم بترها عملية جراحية غير مبرمجة للدستور
أما عملية دمج المجلس الأعلى للفتوى و المظالم مع المجلس الإسلامي الأعلى و وسيط الجمهورية فإنها ستجمع شتات مؤسسات بعضها غير دستوري و عديمة النفع على المواطن لان تحكم السلطة التنفيذية في إرادة وجودها كمؤسسات و اقتصار التعيين فيها على سلطة الرئيس التقديرية في حين تسيير من خلال مراسيم قوانين لم تخضع لفحص و تنقيح السلطة التشريعية . هو أمر ايجابي إذا ما تم اخذ المأخذ السابقة بعين الاعتبار
أما النشيد و العلم فقد وجب التنويه فالعلم متعلق بالدستور أما النشيد فلا سابق علاقة بينه مع الدستور الذي تجنب الخوض فيه ربما لان نية تبديله أو تعديله كانت مبيتة منذ دستور 20 يوليو 1990
لقد سعى أصحاب الاقتراح الذي جاء به الحوار الشامل حول النشيد و العلم إلى تصحيح من وجهة نظرهم ما فات سهوا جيل الاستقلال الذي أنسته نشوة الحرية أن يضمن علم الاستقلال الرمز الدلالي لدماء الشهداء الذين سقطوا لأجل الدين قبل الوطن و من اجل العرض قبل الأرض
أما بخصوص النشيد فكان اختياره موفقا تماما لا جدال في  الأمر, دليل ذلك أن مشاعر جياشة عارمة تجتاح النفس غبطة بأبياته   مع ملاحظة لا تحتاج فطنة و لا تسر أمة هي انه يفتقد الروح الوطنية و قيمها في مضامينه و معانيه , بتالي ما المانع في أن نحافظ على تميز نشيدنا الوطني  كونه النشيد الوحيد الذي أوله دعاء إلى الله و نضفي عليه حماسا و تكبيرا و تهليلا و نداء لكل أبناء الوطن بواجب الدفاع عنه و الذود عن شرفه و ترسيخ الإخاء بين أبناءه و بسط العدل على أديمه فتتحقق ثنائية الحق و الواجب و تتحد مع ثنائية الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر  فتتجسد الجمهورية الإسلامية الموريتانية في نشيدها .
إن النشيد و العلم اللذين تتباين حولهما وجهات نظرنا من المفترض أن يكونا مبدئيا الأكثر توحيدا لمشاعرنا , فمن يريد علما اخضر تتوسطه نجمة و هلال أصفرين لن ينمحيان من ذاكرته بل سيبقيان يرفرفان في سماءه , مع أني لم أرى إلا نادرا علمنا الوطني  يرفرف فوق أو داخل منزل أي منا و هذه فرصة لنجدد الحب المستحق علينا للعلم
كما أن من آلف ترديد أبيات الشيخ الجليل باب ولد الشيخ سيديا و لو مرة في العام سيكون عليه أن يرددها يوميا لتعلق بذاكرته أبيات جديدة في نقس البحر و الوزن طبعا , و على السلم الإيقاعي ذاته للنوتات الموسيقية التي عزفتها لأول مرة على الضفة الأخرى للنهر أوتار تيدينيت الفنان الكبير سيداتي ولد أبه القادم حينها توا من أعماق تكانت أطال الله عمره و متعه بالصحة و العافية
إنني من وراء كل هذا أريد القول بان كل هذه الجعجعة مفتعلة من قبل أشخاص حكم عليهم القدر أن يتخلفوا عن الركب , تقاعدوا وظيفيا أما سياسيا فيمانعون و يكابرون .
 

6. مارس 2017 - 9:48

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا