أيهم الأولى: تغير اسم الدولة ولغتها وعلمها ونشيدها الوطني والمؤتمر البرلماني؟...
لن ينال الباحثون عن المال والسلطة رضي النظام العسكري حتى يفسدوا ما يحب في هذا الوطن العزيز وليس تغير العلم والنشيد الوطني بمنطق دولة العسكر بأحق في التغير من اسم الدولة ولغتها وحتى وحدتها الترابية ؟!...
في إحدى جولات الحروب الصليبية قال قائل الغرب : لو لم يهزم العرب في بواتييه، لرأيتم القرآن يُتلى ويُفسر في كامبريدج وأكسفورد ؟
ولربما قصد بوالو بهذه المقولة السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز: يمكن للمرء أيكون يطلا دون أن يدمر الأرض؟ ولربما قصد أفلاطون، معارضة المناصب والوظائف بقوله: إن الميت يشهد نهاية الحرب ؟! ولربما قيل للمعارضة : إن أسير الحرب هو رجل يحاول قتلك ولا يستطيع ومن ثم يسألك ألا تقتله؟ ولنا أن نقول للبرلمان: لا يمكن تحقيق أي شيء عظيم دون عظماء، ولا يكون العظماء عظماء إلا إذا كانوا عاقدي العزم على أن يكونوا كذلك؟!
مسرحية تعديل الدستور ورفض تعديل الدستور مسرحية رديئة النص ركيكة الإخراج بينت لنا أن السياسي والمثقف الموريتاني لا تنقصه خفة الدم السياسي ولا سذاجة نكتة المواقف الفكرية التائهة ولا خبث جهل الطمع في المنافع العاجلة والمكاسب السياسية غير المستحقة ؟
فقد أثبتت الوقائع وسير الأحداث الكثيرة وعلى مدى الشهور الماضية التي أعقبت خوار- وأقصد بالخاء لا بالحاء- التعديلات الدستورية وحتى الآن أننا مولعون معارضة وموالاة، مولعون بالألغاز السياسية، والأحاجي ألا محاججة الداحضة، ولغة الشفرات السياسية المغازلة، وأننا شغوفون بتخوين بعضنا البعض، وبالصراع ألاواعي والصوت العالي والضجيج والجعجعة بلا طحين، وأننا مدمنون على تحويل الفرحة إلى أحزان والمكاسب إلى أو هام، وقلب لحظات البهجة والسعادة إلى دهور من الهم والغم والنكد، والأدهى من ذلك أننا نعشق إهدار جهودنا وتضيع منجزات أسلافنا ومكاسب وطننا، وتبديد طاقاتنا، وتعطيل كل المراكب السائرة، وتصعيب الأمور السهلة وتعقيدها، وتضيع الفرص من بين أيدينا، ثم نجلس يلعن بعضنا بعضا، ونوزع الاتهامات، ويتشفى كل منا في الآخر، ونتحسر وندم على ما فات ولا تحين مدم، فقد ضاعت من المعارضة أهداف النضال وفاعليته بسبب الاختلاف في الوسائل والتباين في الأطماع والتنوع في الحظوظ الشخصية، وواصلت السلطة الحاكمة تحقيق مآربها وغاياتها، لا في التعديلات الدستورية فحسب وإنما في إرباك المعارضة وإلهائها في نفسها بما هو من خاصية وجودها وطبيعة تكوينها والحظوظ الشخصية لزعمائها، ولكل تشكيل من تشكيلاتها؟!
وقد أثبتت الأحداث المصاحبة لتلك التعديلات سواء في صفوف الأغلبية أو المعارضة أن تلك الرذائل السياسية قاسم مشترك بين الجميع في الأغلبية والمعارضة، وأنه لا فرق في ذلك بين النخبة والعامة، ولا الإسلاميين ولا البر الين أو القبليين انتماء وأدوات والشيوعيين فكرا والرأس ماليين وسائل، ولا بين الشيوخ والشبان، ولا الرجال والنساء، والدليل على صحة ذلك ما وصل إليه الجميع في أيام نقاش التعديلات ألا دستورية؟!
وأزعم أنه لا مجال للتساؤل: عن ما الذي أوصلنا إلى ذلك المستوى من الفشل والإحباط ؟ فإن أوضاعنا الحالية ما هي إلا حصاد طبيعي جدا لما غرسناه جميعا طوال السنوات والشهور السابقة من بذور الخلاف والشقاق والنزاع، بل وإنني لأدَّعي أن النتيجة النهائية(لتحقيق المدفيدية البوتنية)ـ إن لم نسارع إلى تدارك الأمور قبل فوات الأوان ستكون حاسمةـ ومؤشرات نجاحها شبه مؤكدة التحقيق، وهي الوجه الآخر للتعديلات ألا دستورية ؟..
وأزعم أنه يمكننا القول من الآن إن خيبتنا جميعا ستصبح حتمية، وفضيحتنا المدوية ستكون فاعلة ومؤثرة إن ظلت إدارتنا لمواقفنا السياسية بهذا القدر الهائل من الحيرة والإحباط والطمع والتخوين والتشكيك في النوايا والتشظي والتشرذم والانقسام والتكالب على الغنيمة المفقودة، ومزاحمة كل منا للآخرين ووضع العراقيل في طريقهم، حتى ولو كانوا من نفس التيار الفكري والسياسي!!
والحقيقة المغيبة في التعديلات ألا دستورية أن النظام العسك ديكتاتوري الحاكم لاعلاقة لتعديلاته والاغرضه ولا هم له في تثمين المقاومة للمستعمر الفرنسي سابقا بجيشه والحالي بلغته، ولا بتفعيل روح الوطنية بجعل النشيد الوطني محفزا لها، إنما هدفه هو تكسير وتغير كل الأنماط المجتمعية ذات العلاقة بالرمزية لتوجيه المجتمع وقيادته سواء كانت دينية أو قبلية أو حتى ثقافية اجتماعية وبما فيها رموز الدولة، فالعسكر الحاكم وعقوله المتحالفة معه المخططة له لها في الغالب ثأر تاريخي مع كل ما هو مقدس أو قيادي تاريخي في هذا المجتمع، وهم منه يقتصون ويثارون، ثأر من يخاف الفوت، نهبا للثروات وتضيعا لموارده وعبثا بكل رموز هويته وثقافته، وهذا ما عبر عنه بصريح القول الريس محمد ولد عبد العزيز بصريح العبارة حين قال إنه يريد إعادة تشكيل موريتا نيا وكتابة تاريخها، وذلك القول منه مع تعديل العلم والنشيد هو ما أعطى نوعا من الوجاهة الشكلية للرئيس صار بالمطالبة في جلسات البرلمان لنقاش التعديلات لا دستورية بتغير اسم الجمهورية(موريتانيا) ولرئس كان نوعا كذلك من التبرير الشكلي بالمطالبة بتغير اللغة الرسمية للجمهورية(اللغة) إلى اللغة الفرنسية، ولأفلام بالمطالبة بتعديل الوحدة الترابية؟!
وبالمقابل فإن أغلب زعماء المعارضة لا شأن لهم بالتغير ولا بالديمقراطية، ولا برموز الوطنية، وإنما الغاية والهدف هو أن تكون الديمقراطية والتغير والتداول على السلطة مفض إلى أن يصبحوا هم الرؤساء المجسدون للديمقراطية والتغير والتداول على السلطة، وإلا فليذهب الجميع إلى سواء الضياع والنسيان، وهذا هو ما يفسر ذلك الأنا السياسي والنزغ السياسي المتشبع به أغلب قادة أحزاب المعارضة، والمانع من توحيد جبهة المعارضة والاتفاق على شخص واحد من أجل الديمقراطية والتغير والتداول السلمي على السلطة؟!