الشيء المؤكد تنمويا وديمقراطيا وسياسيا أن البلد يعيش أزمة ضاغطة ومهددة، وأن رئاسة البلاد كمنظور لحل الأزمة لا تتجه في المستقبل قطعا نحو أي من الرؤساء الثلاثة: أحمد ولد داداه ومسعود ولد بالخير وبيجل ولد حميد، وأن المجالات الثلاثة المتفق على أنها تشكل أسس التنمية المستديمة:
السلام ألأهلي، والديمقراطية، والتدبير الراشد، ومحاربة الفساد وآفة الرشوة، وحسن تدبير الشأن العام، دون تحقيق تلك القضايا من الصعوبات والمعوقات والمسافات تماما بقدر مابين الرؤساء الثلاثة مع رئاسة البلاد، وحل إشكالات الوحدة الوطنية وقضايا الإرث الإنساني، وهي قضايا كبرى في مجملها لن تساهم التعديلات الدستورية في حلها ولا حتى تخفيف ضغوطها وتداعياتها القريبة والبعيدة ؟
سادتي النواب تضليل وغباء والسراب توقع أن إضافة خطين أحمرين للعلم وكلمات حماس وتثوير للنشيد الوطني وحل مؤسسات لا وظيفة ولا دور لها في ظل الحكم الفردي بأخرى أفشل منها وأعجز ستساهم في حل الأزمة السياسية الخانقة، وتخفف من وطأة الأزمة الاقتصادية وضياع التنمية، ومقومات الوحدة الوطنية، والتوافق السياسي ضمان بقاء وجود البلد وكيان الدولة ؟.
والحق الذي لا جدال فيه ولا مراء سادتي النواب أنكم في الأمر كله لا خيار لكم ولا إرادة في التعديل الدستوري تماما كما لا اختيار لكم في وجودكم كنواب في هذه الغرفة، وإنما كل ذلك لصاحبه والفاعل فيه، والذي لا تستطيعون مجرد لقائه وأحرى نقاشه أو رفض ما يقدمه لكم من هدايا وهبات وحتى خيانات، للوطن والمواطن، يقول ابن مالك في ألفيته: وبعد فعلٍ فاعلٌ فإن ظهر ... فهو وإلا فضمير استتر
وعلماء الاقتصاد وخبراء التنمية يقولون: إن من أولويات شروط التنمية: إيجاد الحد الأدنى من التوافق السياسي بين مكونات المجتمع وطبقته السياسية، ووجود بنية تحتية، وتطوير الموارد الإنسانية، والزراعية، والمحافظة على البيئة والعلوم والتكنولوجيا، والإعلام ووسائط الاتصال، والتنويع في مصادر الإنتاج وتصريفه، مع إمكانية ولوج الأسواق الدولية، وإيجاد الموارد الكافية، وتحسين الادخار بما فيه جلب الاستثمارات؟!
لا شك أن كل الحوارات الشكلية والتعديلات الدستورية إنما جاءت في دقائق بدل الوقت الوطني والسياسي الضائع، ولعله هو الزمن الذي قال فيه الزمخشري رحمه الله: زمان كل حب فيه خب ++ وطعم الخل خل لو يذاق .
وما غب في خضم ذلك الجدل الطافح عن تفكير وآليات المفكرين والكتاب من المدافعين عن سياسات النظام والمبررين لتعديلاته الدستورية، والممتنين على الناس بفسحة الحرية التي انتزعوها لنقاشات سياسة الدولة والاعتراض والرفض لقراراتها، أن مستوى الوعي، وواقع الحال، وضغط وعجز الدولة عن أداء واجباتها، وضغوط النظام العالمي، والالتزامات الدولية والإقليمية، كل ذلك يفرض على الدولة التزاما باحترام الحريات- مكره أخاك لا بطل- ويمنعها من تكميم الأفواه ومنع أو غلق مؤسسات المجتمع المدني، والذي يعتبر وجودها من مقومات التنمية وضمان الاستقرار السياسي ؟.
ففي المجتمع الذي تترك فيه الدولة للمجتمع المدني حرية التنظيم والتفكير، فإن مجمل الهيئات والمنابر ومعاهد البحث والتشكيلات الفكرية المستقلة التي تشب وترعرع في إطاره، تكون بمثابة درعه الواقي وملاذه، تمده بدورها بما يحفظ له أمنه واستقراره ويحفظ نسيجه الاجتماعي والسياسي من الأخطار والتوترات، بحيث تغني المجتمع بما تقدمه من آراء وأفكار تخضع لمحك الجدل والبرهان وسلطة العقل والعقلاء؟.
سادتي دكاترة وكتاب النظام العسكري إنما يكفي دليلا على أهمية تلك الأصوات والمنظمات ما يقدمه اليوم الكثير منها من خبرة سياسية وفكرية وإدارية سواء للقطاع الخاص واستشارات للقطاع العام ومؤسسات الدولة، فأهمية الخبرة المقدمة وسعة الاطلاع والتحليل الثاقب والذي لا يخضع في الغالب للأهواء الفردية أو رغبات الحاكمين الأمر الذي أصبح يخولها أهمية كبرى في سوق الجدل السياسي، ويفرض على الساسة والمفكرين والكتاب أن يسندوها ويقفوا في صفها، لا أن يبخسوها ويحرضوا عليها نظاما لما يقتنع بأهميتها ويستمع لمشورتها ؟!
وللأصوات والزعامات المعارضة، يقول الواقع العملي إن الفعل والفاعلية في السياسة لوازم لا عنى عنها، والنضال السياسي الايجابي في التغير يحتاج إلى قيادات وآليات غير التي نرى ونسمع، والمسيرات الكرنفالية من مسجد المغرب وإلى ساحة بن عباس تسوق لديمقراطية العسكر وإن أضيف إليها مسيرة أخرى من ساحة مدريد لتلتقي مع شقيقتها عند الإذاعة ليتوجه جميعا إلى ساحة بن عباس ليتفرق المناضلون بعد رياضة مشي مرهقة وشاقة لهم ومريحة للسلطة مسوقة لديمقراطيتها، ومفسحة المجال لزعماء المعارضة أن يذكروا بأنهم ما زالوا يحفظون تلك الكلمات والخطابات المكررة والأشواق الحالمة، وللسلطة أن تواصل في تنفيذ خططها وتحقيق مشاريعها، ومسيرات المعارضة وانتقاداتها ما هي إلا ترويج غير مدفوع الثمن لفلسفتها وخططها ؟!
وما هو مطلوب ومحتاج إليه من المعارضة وبشكل ملح وعاجل أن تقوم بفعل نضالي على الطريقة الغابية، بحيث تتفق على مرشح واحد ولمدة محدودة سنتان أو ثلاثة، فتلتف حوله، لتفرض التغير والتداول السلمي على السلطة، ثم تقوم بتشكيل سليم للمؤسسات ذات العلاقة بالعملية الديمقراطية، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة في تلك الآماد المتفق عليها، وإلا فليس للجميع إلا أن يظل يردد قول الأديب الحساني: كنت يلعكل مالح ومقر دماك أمالح واليوم أصبحت مالح ومقر دماك أمالح ؟!