الوحدة المغاربية.. خلافات وعوائق مؤثرة / محمد الحافظ ولد الغابد

محمد الحافظ ولد الغابديربط العديد من وسائل الإعلام حاليا بين أزمة الاتحاد المغاربي المستمرة وقضية النزاع على الصحراء الغربية ربطا مصيريا جوهريا، والحقيقة التي لبس فيها أن تلك مغالطة كبيرة جدا، حيث عرفت العلاقات المغربية الجزائرية أزمات عميقة خلال فترة الخمسينيات والستينيات، بينما ولدت قضية الصحراء الغربية

من رحم صراعات شعوب ودول الإقليم مع محتليهم من جهة، وكذا صراع الأنظمة التحررية الناشئة خلال عقد السبعينيات من جهة أخرى.
والحقيقة التاريخية تؤكد أن الخلاف السياسي بين البلدين الأهم في المغرب العربي سابق على وجود قضية الصحراء بنحو عشرين سنة، مما يتطلب منا إعادة قراءة تاريخ العلاقة الجزائرية المغربية لمعرفة جذور الخلاف العميقة وتداعياتها الراهنة على الاتحاد المغاربي.

اختلاف المزاج والثقافة
ترجع عوامل الخلاف السياسي المغربي الجزائري إلى اختلاف مكين جدا في ثقافة البيروقراطية الحاكمة في كلا البلدين الأهم في المغرب العربي، ففي الوقت الذي تربت فيه أجيال من الجزائريين على مدارس المد الثوري المصبوغ بظلال فريضة الجهاد وتجربة الثورة الجزائرية في مقاومتها للاحتلال الفرنسي، فإن المغاربة أصحاب ثقافة مناقضة تماما للثورة التي تعتبر في الذهنية المخزنية المغربية عملا فوضويا لا واعيا لا يمكن أن يقود لعمل إيجابي. ويتجه الوعي السياسي المغربي للتسليم بواقعية سقفها الأعلى العرش العلوي بظلاله التاريخية الحاضرة في الذاكرة المغاربية المثقلة بتاريخ طويل من القمع الداخلي والخضوع المستمر لإرادة وأطماع الدول الكبرى.
ورسخ من استمرار هذه الذاكرة المثقلة كون كل واحد من البلدين تصور ذاته وقدم نفسه حامل لواء كتلة دولية في سياق الحرب الباردة؛ فقد عقد القادة الجزائريون العزم على أنهم حملة لواء التقدمية الثورية في إفريقيا والعالم العربي ضد الأنظمة الرجعية التي تكبل وتعوق عملية التطور وتخدم المشاريع الإمبريالية في الإقليم.
وقدم المغرب وعرشه العلوي نفسه باعتباره حامي النموذج المحافظ ضد الغزو الثوري الشيوعي الغازي بنماذجه وطروحاته لاستقرار المنطقة ذات الخصائص الدينية والحضارية الرافضة لقيم الإلحاد الثوري المتنامي.
اختلاف الثقافة السياسية للنخب المهيمنة على السلطة في البلدين إذاً هي أهم مغذٍّ لهذا الصراع المُمْتَدةِ مرَارَاتُه لدى أجيال من القادة منذ الخمسينيات، فقد وصل الأمر لدرجة أن الشارعين راح كل منهما يطلق أوصاف الهمز واللمز في الآخر، ففي الفترة الاستعمارية كان المغاربة يطلقون على الجزائريين الذين عملوا مع الجيش الفرنسي في المغرب (دوزييم فرنسيس) في إشارة إلى أنهم فرنسيون من درجة ثانية، بينما أطلق الجزائريون على المغاربة «شعب سيدي» في إشارة لنفسية الخضوع الشعبي الذليلة للعرش الملكي.

جذور الخلاف
إضافة إلى اختلاف المزاج والروافد الثقافية يُرجِع بَعْضُ الباحثين الخلاف العميق بين القيادات في البلدين لعاملين جوهريين في تاريخ العلاقة، أحدهما الشعور المتبادل بـ «الخيانة»! أما العامل الثاني فهو حرب الرمال التي اندلعت أكتوبر 1963 إثر الخلاف على ترسيم الحدود بين البلدين، وهذه الجذور العميقة للخلاف سنلخصها على النحو التالي:
1 - أوهام تبادل الطعنات «الخيانية»: في الحقيقة لا يمكننا إلا أن نقدر الموقف المغربي إبان حرب التحرير، والذي ظل متضامنا بصورة كبيرة وقدم أنواعا مختلفة من الدعم للشعب الجزائري، سُلَطِه وأحزابه وحركاته طيلة فترة ملحمة المقاومة الجزائرية الفريدة والمشرفة للتاريخ العربي المعاصر.
غير أن أول ما شَوَّشَ على هذا الموقف المغربي المشرف كان هو حادث اختطاف طائرة قادة الثورة (22 أكتوبر 1956) من طرف فرنسا، إثر اجتماع للقادة الجزائريين بالملك محمد الخامس رحمه الله في الرباط، وأقلعت طائرة القادة الجزائريين باتجاه تونس، غير أن الفرنسيين تمكنوا من إرغامها على النزول واعتقال القيادات الهامة التي كانت فيها، وقد ظلت القيادات الجزائرية تعتبر أن شخصية محورية ما داخل القصر الملكي كان لها دور بارز في عملية اعتبرت تواطؤا مشينا مع الفرنسيين، وأشار أكثر من مصدر إلى أن الزعيم الوطني الجزائري أحمد بن بلا كان يرجح اتهام الحسن الثاني ولي العهد ساعتها بلعب هذا الدور، بدليل أن بن بلا لم يُرَ ضاحكا أبداً خلال لقائه بالحسن الثاني أثناء زيارته للجزائر بعد ذلك بأكثر من سبع سنوات، شعورا بمرارة هذا الحادث.
أما الشعور المغربي بالمرارة فقد تأسس على ما يعتبره المغاربة حقيقة تاريخية، وهي أنهم قدموا كل الدعم للثورة، ورفض محمد الخامس تسوية الخلاف الحدودي مع فرنسا حتى لا يشكل ذلك طعنة للمقاومة الجزائرية، ووقع الحسن الثاني مع المناضل فرحات عباس اتفاقا (1961) يلزم المناضلين الجزائريين بتسوية المشكل الحدودي فور استقلال الجزائر، غير أن القادة الجزائريين رأوا ترك الحدود الموروثة عن الاستعمار على ما هي عليه.
2 - حرب الرمال: تعتبر حرب الرمال أكتوبر 1963 الجرح الغائر الثخين في الذهنية السياسية للقادة في البلدين، خصوصا أن الملك الحسن الثاني جاء بتاريخ 13 مارس 1963 قبل اندلاع الحرب بعدة أشهر حاملا معه أسلحة وهدايا ثمينة، غير أن عبدالهادي أبو طالب وصف تلك الزيارة وصفا دقيقا قائلا: «بدا لي طيلة الزيارة أن الملك الحسن الثاني كان -وهو يحاور بن بلا- كمن يُجهِد نفسَه لفتح قُفْل مغلق ضاع مفتاحه.. فالرئيس الجزائري كان يبدو صعب المراس، لم يضحك قط ولا ابتسم».
وسنحاول في وقت لاحق أن نتتبع سياق الخلفيات، ليتضح بشكل أكبر أن قضية الصحراء إنما تجسدت فيها رمزيات الصراع بعد عقود من الخلافات المستحكمة.

 

17. ديسمبر 2010 - 0:00

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا