للإصلاح كلمة تعزى فيها الشعب الموريتاني بعد تصويت النواب على تعـديل الدستور / محمدو بن البار

كلمة الإصلاح هذه المرة ترجو من الشعب الموريتاني أن لا يقف عند عنوانها هذا حتى يعرف السبب المباشر لهذه التعزية بعد ذلك الحدث القاتـل المثبط لآماله .
ففي ذلك اليوم الذي صوت فيه"ولي العهد" الموريتاني(الأغلبية) ظهر أن أكبر كارثة طرأت على موريتانيا هو ما أصبح يسمى الديمقراطية وفروعها 

وآثارها وكلما اشتملت عليه من التنكر لما يمليه الضمير الذي كان يعيش حرا طليقا على طبيعته النقية في عمل الخير،وكانت طريق الشر واضحة له وضوح الشمس الخارجة من الغمام ، ولكن عندما جاءت هذه الديمقراطية المادية الحاملة معها للعمل المأجور عليه تلقائيا فأسبغت أغلب الضمائر بلون واحد يقال له في النظام العسكري نفذ ثم أسأل ، ويقال له في النظام المادي كـلْ وصوتْ ولا تسألْ .
وهذه التعزية لم تصدر من معارض لأجل المعارضة بمعنى أنه لا ضمير له يزن به أعمال"ولي العهد" الأغلبية إن كان خيرا ولا مناصرا ينـتصر بمجرد الانتماء الحزبي الديمقراطي البليد دون الرجوع إلى ميزان ضميره في الحياة الاجتماعية ذي المعنويات المرتفعة ذي الطابع الإسلامي ، بل هي تعزية صادرة من مصور اجتماعي ينـقـل الصورة كما قدرها الله أن تكون نقية الضمير أو مسودته ـ وبذلك تكون هذه التعزية نقلا فقط للصورة السوداء الكالحة التي نقلتها إلى ضمائر المسلمين هذه الديمقراطية التي سميت بجدارة باللعبة ولكن اللعبة تارة تكون مسلية وتارة تكون لعبة قذرة وذلك عندما تعمل بقسمها الخبيث وهو التصويت الإجباري الناتج عن البيع المسبق للضمير أثناء الانتخابات .
فمن المعلوم أن الانتخابات في هذه الديمقراطية أصبحت لا تقع إلا عن طريق الأحزاب وهذه الأحزاب هي التي:أولا تـقـترح المنتخب باسم المفعول وثانيا هي التي تمول نجاحه وبما أن من مساوئ هذه الديمقراطية هو أنها جعلت رئيس الدولة كما يقال بالمثـل الحساني ( أسبع وامدفع )) فإن الديمقراطية جعلت تحت يده ما يقطع أعناق الرجال ألا وهو الخوف والطمع .
وهاتان المسألتان تـتـساقط الرجال أمام صاحبهما وهما جعلتا في يد الرئيس  :
1 ـ هو الذي يعين في المناصب العليا .
2 ـ هو الآمر الأول ، بالصرف في الدولة .
وهاتان الخصلتان الماديتان وجودهما في يد الرئيس فضح كثير من الموريتانيـين من يوم ظهرت الديمقراطية والتعدد الحزبي إلى يومنا هذا .
فقد كشفت الديمقراطية سوآت من لم يظن أن سوآته ستـنكشف يوما ما في حياته وهو صحيح قادر على التحرك يمينا وشمالا لسترها .
فقبل تعيـين المنـتخب باسم المفعول يكثر من التـزلف  واستعمال كلما يأباه الضمير المسلم من التواضع لأهل الدنيا ولعق أقدامهم طلبا للتعيـين وتبقي قضية تمويل الانتخابات التي يتولاها الحزب عن طريق أوامر رئيس الدولة.
فتأتي أولا تبرعات من رجال الأعمال الملفوفة في ثياب الرشوة المعنونة بالمساعدة في الانتخابات المطلوب من ورائها غض البصر عن جمركة الإيرادات التجارية الكبرى أو غض الطرف عن ديون للدولة لها سنوات لم تسدد أو فساد يفضل صاحبه أن يدفن معه  قبل أن يأتي التـفـتيش الدنيوي لسلب ما تراكم من أموال ذلك الفساد أو نجاح صفقة تدر عليه  ما فقده في الانتخابات .
وعندما يتم ذلك الانتخاب يتكون منه ولي عهد للرئيس غصونه ألسنة متـفرقة موزعة على التـزلف والمدح  وذكر المحاسن وغض الطرف عن المفاسد ، وأي واحد حاز السبق في هذه الأوصاف فهو الذي يجد المأوى الداخلي الدافئ عند الرئاسة وهو الذي يقال له إنك إذا لمن المقربين .
أما جذع جميع أغصان هذه الغابة كلها فهو صوت واحد يسمى في موريتانيا بالأغلبية بمعنى " ولي العهد " أو "ولي النعمة" لتـنـفيذ كل أمر به سواء كان فكرة أو حدثا ظاهرا خارجا عن صلاحية السلطة التـنفيذية أو القضائية فإن ولي العهد كفيل بتـنـفيذه  بمجرد صدوره من الرئيس لطرحه أمام النقاش  .
وهذه الصورة القاتمة المجانفة للتعاليم الإسلامية التي وإن كان مردها الطاعة للحاكم الواجبة في الإسلام  إلا أنها ليست طاعة عمياء مبنية رأسا على التمويل في الانتخابات بل الإسلام يقول لكل إنسان(( يوم ينظر المرأ ما قدمت يداه))  ويقول (( اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم )) .
وأود أن أقول هنا أنني لا أعني بهذه الصورة ما هو واقع منها الآن فقط بل هذا الوصف النكد الذي يبـيع فيه المرأ ضميره للانتخابات ويصبح بين عشية وضحاها مسلوب الإرادة راميا بالكرامة وعزة النفس والإباء وراء قبة البرلمان : فهذا بدأ من اليوم الأول لدخول الديمقراطية الأجواء الموريتانية  سنة 92 .
فمن ذلك الوقت كما نعلم جميعا خلقت هذه الديمقراطية المادية فولي العهد الأكبر كان هو الحزب الجمهوري ودخلت الناس فيه أفواجا وبدأ هنا البـيع بالمزاد العلني للضمير ، وبما أن الدولة لا تدفع من جيب الرئيس بل  الرئيس هو الآمر بالصرف إما يدا بـيد من أموال الدولة وإما بالتعـيـين على خزائنها بدون أن يكون المعين (( حفيظ عليم )) لأنه غير مطلوب منه ذلك بل مطلوب منه معنى آية أخرى وهي (( ما اريكم إلا ما أرى وما اهديكم إلا سبـيل الرشاد )) .
والمصيبة الكبرى أن ما يسمى بالديمقراطية المكني عنه بالسياسة بما أنها لم تأت ممن يزن فكره وأقواله وأفعاله بميزان الإسلام فإن جميع المنـتـسبـين لحبائلها أيا كانو إلا من شكر الله على ما أعطاه عن طريقها وقـليل ما هم ، لم يتـذكروا أنهم مسلمون ، وأن الطريق المستـقيم التي يطلبون الهداية إليها كل وقت يمكن أن تـنال عن طريق أي فكر أو قول أو فعل دنيوي أريد به وجه الله وسلك به صاحبه الطريق المستقيم كما أمره الله فقوله تعالى (( وابتـغ فيما آتيك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك )) الخ الآية معنى هذا الخطاب وهذا الارشاد لا يقــتصر على قارون وحده وإن كانت حالته الراهنة هي سبـب النزول .
فالله جل جلاله أخذ الميثاق على كل نفس أن تؤمن بما أنزل على أنبيائه ولا يـنبذونه وراء ظهورهم ولا يشـترون به ثمنا قـليلا .
ومن هنا يمكن لقـائل أن يقول هذا الاستدلال بعيد من الواقع فالسياسة والديمقراطية في واد ومخاطبة القرآن للإنسان ومعاملته معه في الآخرة في واد آخر .
وهذه الفكرة هي قاصمة الظهر للإنسان المسلم لأن كل خطاب في القرآن عام لم يختص به النبي صلى الله عليه وسلم في خطاب الله له مباشرة مثـل: (( يأيها النبـيئ إنا أحللنا لك أزواجك )) ومثل ذلك من الخطابات التي تـنزل في حق شخص أو أشخاص أو جماعة بعينها في التاريخ فهي موجهة للإنسان كل الإنسان سواء كان في الأغـلبـية أو الأحزاب الأخرى وسواء تسمي باسم إسلامي أو قومي أو غيره فالكل مخاطب يقول تعالى : (( خذوا ما آتيـناكم بقوة واذكروا ما فيه لعـلكم تـتـقون )) وهذا المعنى يستوي فيه أيام الصحابة إلى يومنا هذا وما بعد اليوم استواء الجميع في ضرورة الأكل والشرب  .
وليس ما في الديمقراطية بديل عن ما في القرآن ، من السياسة إلا إذا أخذ بزمام الديمقراطية والسياسة وأطرت على الطريق المستـقيم  الإسلامي اطرا فالتـقاليد السياسية ومسمياتها وقوانينها المصادق عليها من البشر لا تغـنى شيئا عن الإنسان عندما يؤخذ بالنواصي والأقدام ، فالله يقول هنا (( ولن يـنـفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشـتـركون )) .
والدليل الواضح على كل ما جاء في كلمة الإصلاح هذه من الانحراف الذي جاءتنا به السياسة والديمقراطية عن الأوصاف الحميدة التي كنا نتحلى بها نحن الموريتانيـين من الإباء ورفع الرأس والعفاف أمام المغريات تـلك الأوصاف الحميدة التي أرضعناها من تعاليم دينـنا الإسلامي إلا أن السياسة ومصطلحاتها اكتسحت ما بـين أيدينا وما خـلفنا من مكارم الأخلاق ومع ذلك يحسب الجميع أنه يحسن صنعا .
فبالرجوع إلى ما عاشه الشعب الموريتاني من أول هذه الديمقراطية التي ولد بسبـبها الحزب الجمهوري والذي نعرف جميعا أن أعضاءه وكل من سار في فـلكه امتلآ شحما ولحما وسمعنا في زمنه من التزلف والتبعية من لم يكن من خلقه ذلك بل بعـيدا منه ثم جاء بعده النظام الرئاسي المدني ولم يعمر طويلا هو ولا حزبه عادل الذي انـتـهى على عجل وتسابقت إليه الرجال والنساء ظـنا منهما أنه سيكون وريث الحزب الجمهوري إلا أن صاحبه ظهر أن ولادته قيصرية وقابـلته أو قوابـله عند ما فهموا أنه لم يجعل الأمر وديعة عنده بل أراد أن يكون الرؤيا مشاهدة  عين فلم ينزعوا عنه مشيمة الولادة ليستــنشق منها هواء السلطة كما ينبغي وعندئذ اخـتـنـق قـبـل أن يصل إلى الوقوف على القـدم .
وبعد ذلك جاءت الديمقراطية بحزب اتحاد من  أجل الجمهورية الذي يمكن ترجمته حرفيا الاتحاد من أجل تمرير كل فكر أو قول ليس من اختصاص السلطة التـنفيذية أو القضائية .
والملاحظة هنا أو العيـب كما يقال ليس في خلق الرجال للأفكار والتعبـير عنها بالأقوال وتـنـفيذها بالأفعال من طرف الرجال فهي إن لم تـكن من رجولتهم فلا يمكن أن تـعـد من استبدادهم المطـلق .
ولكن الملاحظ والعـيـب الواضح هو قـلة الالتـفات من الرجال المنفذين  إلى ما تعظم به النفس عند الناس ألا وهو تـلك الطاعة العمياء لتـلك الفكرة والدفاع عنها باستماتة دون أن يشارك في إبرازها إلى الوجود أي واحد منهم .
والمؤسف أن هذه الفكرة التي لم تـأت أصلا من هؤلاء الرجال والنساء تـتـابعت على الإشادة بها والتصويت عليها 121 شخصية طوعت لها نفسها ألا تستـبـقي شيئا من نفسها يمكن وصفها به بأنها تـتـبنى الأمر بقـناعة وعن دراسة اجتماعية في الموضوع .
والآن سنـقوم بتـشريح هذه الفكرة ليعلم الجميع أن الشعب الخارج عن البرلمان والذي ليس له من الأمر شيء في التصويت أدرك جيدا أن عندنا مملكة لها " ولي عهد" لم يـبلغ سن الرشد والتفكير اسمه الأغلبية لما يأتي :
أولا : فكرة جميع التعديلات جاءت معلبة إلى طاولة الحوار لم تنقص ولم تزد فهم لم يأتهم أمر بأن ينظروا في مواد الدستور ماذا يحتاج منها للتـعـديـل ويكون الحوار هو الذي أخرج هذه المواد .
ثانيا : لم يسمع في العالم ولو كان متعدد العرقيات والأديان أنه  رفع أمامه علما وهو لا يرضى عنه كله وهذا العلم المقـترح سيرفع وبعض المواطنين يلعـنه ولو في قـلبه لأنه لم يوافق عليه ولم يقـتـنع بمبررات تغـيـيره وكذلك النشيد ، أما أسباب ذلك فقد كتب فيها كثيرا ولكن " ولي العهد " لا يمكنه قراءة إلا ما عهد إليه به .
ثالثا : محكمة العدل أنشئت لشيء لم يقع وإذا وقع  ـ لا قدر الله ـ لا بد أن تـنشأ له من جديد فهل وجود مادتها كان عـبئا على أوراق الدستور .
رابعا : هناك كثير من المواد كانت أولى بالتـفعيل من التعـديل والتفعيل أهون من التعـديل لعدم احتياجه إلا إلى مرسوم يحدد العقوبة لكل من لم يطبق تـلك المادة ، وأولى مادة بالتفعـيل في الدستور هي مادة اللغة العربية الفاضح أمرها  للشعب كله وكذلك النص الدستوري الذي ينص على حرمة أي نطق بالعنصرية من أي كان .
وأرجو أن تسمحوا لي هنا أن نقول للسادة النواب أن التخليد للمجاهدين بالخطوط الحمراء كان أولى منه ذكرهم على مسميات المنشآت في العاصمة فكل منشأة يكتب عليها اسم الأمير أو الشخص المجاهد رحمه الله فيكون دائما يذكر بالترحم عليه وهو أحوج إليه : بدل من تسمية المنشآت باسم موري سانتر .
أو سيت ادوان ـ أو تاتـا ـ أو بيك ماركت الخ ذلك من مسميات المسخ الذي ابتـلينا به من طرف بنك الاستعمار والعاملين فيه .
وأخيرا فإني أظن أن بعد قراءة هذه التعزية سيدرك الشعب الموريتاني أنها مستحقة له وبعد ما ذكر أعلاه فإن كان خطا فمني وإن كان حقا  فمن الله وإن اهتديت فبما يوحى إلي ربي إنه سميع قـريب .            

16. مارس 2017 - 14:53

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا