تمر موريتانيا هذه الأيام بمرحلة فارقة من تاريخها السياسي ،مرحلة قد تكون الأهم منذ استقلال البلاد، لمايترتب عليها من استحقاقات سياسية غاية فى الدقة والأهمية هي التى ستحدد مصير البلاد ومصير مجتمع وجيل بأكمله يتطلع الى مستقبل أفضل.
لكن قبل الإسترسال فى هذا الموضوع لابد من طرح بعض الأسئلة التمهيدية .
هل سينجح النظام فى تمرير مشروعه السياسي الحالى؟؟
أم أن المعارضة قادرة على فرض خيار التبادل السلمى على السلطة؟؟
وهل سيمثل عام2019 نهاية دكاتاتور أم بداية آخر.؟؟
ان المشهد الوطنى بكل أبعاده السياسية والإقتصادية والإجتماعية يعبر عن حالة استثنائية غاية فى الصعوبة ، فالأزمةالسياسية مستفحلة فى البلاد منذ سيطرة الجنرال على الحكم وإزاحته لأول نظام سياسي مدنى منذ 1978
البلاد تمر بأزمة ثقة تكبر وتتسع شيئا فشيئا بين النظام ومعارضته ، لا المعارضة تثق فى نظام لا تعتبره محل ثقة يتنكر لكل مواثيقه وعهوده حتى مع أقرب مقربيه، "وليس اتفاق دكار منا ببعيد"
ولا النظام معترف بالمعارضة ككيان سياسي و شرط أساسي فى اللعبة السياسية والدموقراطية .
على المستوى الإقتصادى فثمة ارتفاع مذهل للأسعار وانحدار قياسي فى مستويات المعيشة والخدمات الأساسية وتدنى مخيف للمؤشرات الاقتصادية الكلية ، وفساد مستشري بين ثلة قليلة فى المحيط الضيق للرئيس ورجال أعمال اصبحوا بين عشية وضحاها يمتلكون أموالا طائلة.
أما على المستوى الإجتماعى فقد انتشر خطاب الفئوية الشرائحية بمباركة مباشرة ورعاية رسمية من النظام عبر توزيع الخطاب العنصرى المقيت وإشاعته فى مشهد ظن أنه تجاوزه وقضا عليه فضاعت الوحدة الوطنية والنسيج الإجتماعى وضاعت الهوية الجامعة،
وبدل المساهمة فى تغيير هذا الوضع المزرى والبائس عمد النظام الى خطوة أخرى كانت موفقة فى توقيتها ودلالتها الرمزية فأعلن عدم الترشح لمأمورية ثالثة يبدو أن الرئيس أجبر على تركها ، أصبح المواطن البسيط ينتظر بشغف مابعد نهاية مأموريتين من حكم الرئيس ، ويبدو أن ثمة سناريوهين أساسيين:
الأول : أن ينجح النظام فى تمرير وشرعنة تعديلاته الدستورية وهو امر وارد أكثر بحكم توفره على أغلبية مريحة فى البرلمان فيؤسس بذلك جمهورية ثالثة على مقاسه ويترك بصمته الخاصة فى الحياة السياسية الوطنية، وسينجح مستفيدا فى ذلك من عوامل عديدة أهمها :
-ضعف المعارضة وانقسامها وعدم وجود رؤية واضحة وأدواتها تغييرية واحتجاجية ناجعة الإ من مسيرات ومهرجانات وبيانات صحفية بين الفينة والأخرى.
-غياب العامل الخارجى كعامل مؤثر يحسب له الرئيس ألف حساب وصعود ترمب للرئاسة والخطاب الشعبوى فى الولايات المتحدة الامريكية الذي لا يهمه إلا مصالح دولته الأمنية والإقتصادية ،
- اطمئنان النظام الى المؤسسة العسكرية وجنرالاتها الذين منح لهم امتيازات كثيرة وأعطاهم المال الوفير والتى هي من سيحدد الرئيس مابعد 2019 ،
ولأن أي تغيير لا يتأتى من المؤسسة العسكرية محكوم عليه بالفشل هكذا اثبتت التجارب فى دول العالم الثالث. سيظل الرئيس يراهن على هذه المؤسسة ورجالاتها تارة بالترغيب واخرى بالإبعاد.
ثانيا : نجاح المعارضة فى توحيد صفوفها وتجديد أدواتها وأسالبيها الإحتجاجية عبر الإعتصامات والعصيان المدنى حتى تفرض على النظام التغيير وتجهض كل مشاريعه السياسية التى يحاول أن يجر البلد بأكمله بثوابته الوطنية ، بدموقراطيته ، بمجتمعه المدنى الى المجهول ..
وبالعودة الى العنوان يظهر أن البلد فى مفترق طرق إما أنه سيسلك طريق الدموقراطية والتناوب السلمى للسلطة ويبنى دولة عدل ومساواة تجمع ولا تفرق ،
أو أننا سنظل نراوح مكاننا فى نفس الدائرة انقلاب فدكتاتور ودكتاتورية ، فأزمة ثم انتخابات مزورة ، وفساد وزبونية وتشرذم اجتماعى وفقر وبؤس وحرمان، شعب فقير وثلة قليلة غنية ومترفة ،..........