التصويت ضد التعديلات خيانة سياسية كبرى / ذ.محمد فاضل ولد الهادي

لم يكن من المفاجئ لأي سياسي متمرس تصويت الشيوخ ضد التعديلات الدستورية، ولا أعتقد أن رئيس الجمهورية تفاجأ بهذه السقطة السياسية الشنيعة حيث أنه سيادته كان يشعر منذ انتخابات 2013 أن الشيوخ يقفون ضد خياراته و يعملون على اسقاط من يزكيهم من المرشحين.

واتت الفرصة الشيوخ مرات عدة كي يظهروا ولاءهم لكنهم كانوا كل مرة يظهرونه أكثر فأكثر ثم يعودون في الخفاء ليضمروا ما يرونه مناف لمصالح النظام و سياسته العامة.
حتى جاء قرار المجلس الدستور القاضي بعدم دستورية ثلاث فئات من المجلس و رغم ذلك أثبت لهم رئيس الجمهورية حسن النية و لم يرغمهم على الاستقالة من خلال حل البرلمان، و أراد أن يعطيهم الفرصة ليثبتوا ولاءهم، لكنهم هذه المرة زادوا قليلا حين أعلنوا بشكل صريح معارضتهم قرار رئيس الجمهورية اقتراح الغاء مجلس الشيوخ و اقتراح مجالس جهوية بدلا عنه تكون أقرب للمواطن و أكثر نجاعة من مجلس يكلف الدولة الكثير و لا يقوم سوى بتمرير قوانين عكفت عليها غرفة أكثر مصداقية من مجلس الشيوخ لأنها تم انتخابها بشكل مباشر من قبل المواطنين، بيد ان مجلس الشيوخ تم انتخابه بطريقة غير مباشرة.
لقد وقف الشيوخ في وجه التعديلات منذ اليوم الأول و أظهروا امتعاضهم بشكل علني في مقابلات تلفزيونية و لكي أعطيكم الدليل على أن رفضهم لم يكن سوى لمصالحهم الخاصة، أحيلكم لمقابلة تلفزيونية لأحد أعضاء المجلس المغاضبين من تصريحات أعضاء الحكومة الذين كانوا بصدد شرح مضامين خطاب رئيس الجمهورية التاريخي في النعمة، حين قال المتحدث باسم الشيوخ : أنهم ينددون بتصريحات الوزراء و يؤكدون على دعمهم و مساندتهم لفخامة رئيس الجمهورية. و هذا دليل قاطع على أن التصويت ضد التعديلات الدستورية كان مبرمجا منسقا ضد فخامة رئيس الجمهورية و ضد مصلحة الشعب، لأنه ببساطة ليس من المنطقي و لا من المقبول أن يرفض شيوخ مقترحا قدمه رئيس الجمهورية نفسه بصورة مباشرة و استبق بتقديمه كل تأويل يمكن أن يذهب بالمقترح إلى جهة أخرى.
إن الشيوخ معارضين بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، و لم يخفى ذلك على الرئيس و قد عمل على اظهار معارضتهم من خلال تبنيه المقترح الخاص بإلغاء مجلس الشيوخ و استبداله بالمجالس الجهوية.
إن الشيوخ حريصون على مصالحهم الضيقة و يخشون أن يتم المساس بها رغم أن رئيس الجمهورية لم يبيت لهم يوما نية سيئة و لم يعقد العزم على الغاء مجلس الشيوخ ليستهدفهم كأفراد بل قدمه كمقترح و جاء ببديل عنه أكثر نجاعة و أكثر قيمة على المواطنين.
لقد سقط الشيوخ في الفخ حين قاموا باسقاط التعديلات الدستورية لأنه ببساطة تناسوا أن دستور 91 يعطي صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية بحكم أن النظام نظام جمهوري و بحكم أن أعلى سلطة في البلد هي سلطة مؤسسة الرئاسة، لذا لم يغفل المشرع على أن يجعلها أكثر السلط استقرار و أكثرها قوة لضمان السير المضطرد للمؤسسات.
لقد تناسى الشيوخ أن الرئيس ما زال بإمكانه اللجوء للمؤتمر البرلماني لأن الشيوخ ليسوا مخولين لوحدهم تعطيل مقترح الرئيس، و ليس لهم لا دستوريا و لا قانونيا بحكم مبادئ نظام الجمهورية الوقوف عقبة في وجه الرئيس الذي انتخب بشكل مباشر و له حق الرجوع للشعب و حق استدعاء البرلمان في مؤتمر طارئ للتصويت على التعديلات، و بالحساب البسيط يمكن القول أن هذا الخيار كفيل بإلغاء مجلس الشيوخ و كفيل أيضا بكبح جماح الاطماع الشخصية، و ذلك لو أضفنا 20 شيخا صوتوا بنعم إلى 121 نائبا برلمانيا الذين صوتوا بنعم، نجد 143 صوتا مقابل 52 صوتا، ما يعني أن 71 في المئة سيصوتون بنعم، أي أزيد من ثلثي أعضاء الغرفتين.
ليس هذا فحسب بل إنه من جهة صلاحيات رئيس الجمهورية و ما يخوله له الدستور يمكنه الذهاب للاستفتاء و لولا وطنيته و ترشيده للمال العام، لذهب اليه مباشرة، لكن المال لا قيمة له في وجه مصلحة الشعب، لذا ان لزم الأمر سوف يعلن رئيس الجمهورية تاريخ الاستفتاء الشعبي و لربما تكون المفاجئة اكبر حيث لا محالة ستفشل حملات المعارضة الراديكالية و من على شاكلتها من الشيوخ، لأنه ببساطة الحكم للأغلبية و الأغلبية مع الرئيس شيبا و شبابا.
في الأخير، من شبه المؤكد أن التعديلات الدستورية ستمرر عبر المؤتمر البرلماني و سوف يتم الغاء مجلس الشيوخ كمؤسسة، و سوف يكون لزاما على من وجب عليهم التقاعد أن يتقاعدوا.
دامت موريتانيا مستقلة مزدهرة، بشبابها و شيبها المخلص.
 

18. مارس 2017 - 11:12

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا