أيام الرئيس الأسبق سيدى محمد ولد الشيخ عبدالله قلت فى مقال موجود وموثق، إن البلاد بحاجة لرئيس قوي الشخصية، حاضر غير غائب ولامغيب، بمقدوره ضرب الطاولة أمامنا جميعا حتى ترتعد فرائصنا، ونصغى لصوت جهوري صارم، لرئيس منتخب لجمهورية مؤسسات دستورية قوية الكيان والمهابة والسيادة.
تطبق بنفسها القانون والنظم الخاصة بها، والتى تمليها عليها الاتفاقيات السيادية السياسية مع باقى دول العالم والمنظمات الأممية الجامعة، على مواطنيها المتساوين فى الحقوق والواجبات ،وعلى المقيمين على أراضيها،والذين عليهم بطبيعة الحال احترامها وعدم التدخل فى شؤونها الداخلية،أو المساس بأمنها واستقرارها..
واليوم أرى أنه من واجبى دعوة فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز لضرب الطاولة الآن تحديدا وبقوة،فنحن نواجه جفافا ماحقا، وظروفا اقتصادية بالغة الصعوبة، وتهديدات أمنية خارجية، ومحاولات داخلية لنسف كياننا، ودق إسفين بين سواد عين وطننا وبياضها،ونتأرجح وسط عالم هائج مائج مضطرب.
لاتعنى الدعوة إلى ضرب الطاولة الاستئناس بالأحكام القوية عسكريا ،والتى أثبتت بعض تجارب العالم الثالث- مع الأسف- أنها قادرة (أحيانا أكثر من تلك التى توصف بالمدنية والديمقراطية) على خلق استقرار تنموي وتعايش اجتماعي ولو قسري، بقدر ماتعنى دعوة صريحة وعالية لاستعادة سلطة الدولة وهيبتها، وفرض السكينة العامة، واعطاء الفرصة لمؤسسات الدولة الدستورية والأمنية والإدارية والخدمية لممارسة مهامها بانسيابية تامة، ورفض كل محاولات التصرف والتحرك بدلا من الدولة التى يقوم بها البعض بصفاقة، وكأنه فى غابة بلا أسد لزعزعة الاستقرار، وفرض رؤيته الخاصة للأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الامنية على الآخرين من حوله !!.
هل يعقل أن يتحرك البعض بخشونة متجاوزا الدولة لتطبيق مايراه قانونا معطلا، وكأنه دولة داخل الدولة، أوملك يكتسب قدسيته من إلهة أسطورية؟!...هل من المنطقي أن تصبح قرارات الدولة وخططها وبرامجها محل ازدراء من طرف البعض، وهو ازدراء يدفعه حتى للتدخل فى قرارات سيادية وسياسية، ومحاولة وأدها أوتغيير مسارها محليا (ومن عواصم أجنبية أحيانا) لمجرد أنها لاتصادف هوى فى نفسه؟!.
هل يمكن للمواطن الشعور بالأمان فى بلد تتحرك فيه كل أسرة بمفردها لحماية مصالحها ومطامحها و بالأسلحة البيضاء والسوداء، ولو على حساب الأسر المساكنة لها فى المدينة أو القرية، والمتعايشة معهافى البلد كله منذعشرات القرون؟!.
وماهي أهمية الرئاسة والدستوروالحكومة والبرلمان والأغلبية والمعارضة (والحوار) والمؤسسات وحتى الجيش إذالم يشعر المواطن بأنه محمي الكرامة ومصان الحقوق؟!..بل أي معنى للديمقراطية حين ينعدم الأمن، وتصبح الدولة مجرد قطع شطرنج، ينقل كل مواطن فيها القطعة التى يمكنه خطفها بالطريقة التى يراها مناسبة، وإذاكانت مجرد وسيلة لاستنسار البغاث، وتجنيح النمل، واستنبات الشعارات التمزيقية الزائفة شكلا ومضمونا؟!!.
هل وجدت الدولة أصلا فى تاريخ العالم كله لتطبق القانون على مواطنيها والمقيمين على أراضيها، أم وجدت ليطبقه عليها مواطنوها والمقيمون على أراضيها (بل حتى ليقام عليها الحد)متى ما أقدمت على قرار او خطوة تعتقد بأهميتها ومصيريتها؟!.
هل نحن فى دولة أم فى غابة؟!
هل من حقى مثلا أن أستخدم القوة(أجمع أصدقائي وأقاربي وزملائي وألقى عليهم خطابا عنتريا ملتهبا أحثهم فيه على الموت من أجلى..وأزعم لهم أننى صاحب قضية ورسالة تستحق الموت من أجلها مع أن العلاوة قضية شخصية تخصنى وحدى) لإقناع الدولة باعطائي "علاوة خطر المهنة" التى وجدها البعض من عمال قطاع الصحة، وحرم منها البعض وأنا منهم لأسباب إدارية إجرائية كما تقول الحكومة وغامضة كما يقول العمال؟...هل من حق معلم محول الى الداخل استخدام القوة(يجمع أصدقاءه وأقاربه وزملاءه ويلقى عليهم خطابا عنتريا ملتهبا يحثهم فيه على الموت من أجله..ويزعم لهم أنه صاحب قضية ورسالة تستحق الموت من أجلها مع أن التحويل قضية شخصية تخصه وحده )لإعادته بمذكرة رسمية الى العاصمة...هل من حق قرية تعانى العطش استخدام العنف (تجمع سكانها ويلقى عليهم وجيهها خطابا عنتريا ملتهبا يحثهم فيه على الموت من أجل القرية..ويزعم لهم أنها وحدها صاحبة قضية ورسالة تستحق الموت من أجلها مع أن قرى عديدة فى البلاد تواجه نفس المحنة على طريقة " أشرب أنا وليتهدم البئر") لإرغام الدولة على استجلاب الماء، ولو من كوكب آخرحتى لو اختفت الحياة من القرى الأخرى من حولها بسبب انعدام الماء؟!.
إن علينا كموريتانيين أن نكون صريحين مع أنفسنا، فإما أن نبنى بلدا خاصا بنا (موريتانيا للموريتانيين) قويا متحدا له مهابة وسيادة وكرامة ومؤسسات، الأمورفيه تسوى بالتى هي أحسن حوارا ونقاشا وعودة للعقل والمنطق والقانون وقيم الود والتعايش، وإما أن نعلنها صريحة أننا عاجزون عن بناء بلد بهذه المواصفات، وأنه علينا التصرف كأناس بدائيين نقتتل كقطعان "وحيد القرن"، والغلبة لمن يعبر وحده جسر جماجم أبناء وطنه وبحار دمائهم...أو نتفرق أيدى سبأ..هذا إلى السينغال...وذاك إلى المغرب..وأولئك الى مالى...وهؤلاء إلى الجزائر وهكذا...وعلينا فى حالة اختيار الفوضى والتفرقة أن ندرك أن السفينة ستغرق بنا جميعا فى النهاية، ولن يجد أي منا متسعا من الوقت للبقاء وحيدا على اليابسة، لينتشى مزهوا بأنه أغرق الآخرين، لبناء مجد وهمي على عظامهم وحطام سفينتهم !!.
ما يجرى ليس معقولا ولامقبولا ...لنحارب العبودية، نعم لنحاربها فهي موجودة على شكل جيوب وآثار(العبودية موجودة رغم تناقص الممارسات المرتبطة بها منذ ثمانينيات القرن الماضى ولم يكن ذلك نتيجة لانتشار الوعي بخطورتها وضرورة القضاء عليها ووجود إرادة سياسية أواجتماعية مشتركة لتجاوزها بقدرماكان نتيجة حتمية لهزات عديدة منها ماهو اقتصادي ومنها ماهو أمني ضربت البلاد ومجتمعاتها التقليدية فى الصميم و فرضت على الكثير من الأسياد التخلى طواعية عن عبيدهم السابقين للتركيز على إعالة أسرهم والبحث عن فرص عمل وارتياد آفاق جديدة من الحياة غير التقليدية المحكومة بعلاقات نمطية متجاوزة)..ولكن بقوة القانون المحلي وعلى يد الدولة الموريتانية، لابقوة الأفراد و "الكتائب" و"القنابل الصوتية"..لنحررمن بقي من العبيد(رغم تركيز بعض الحقوقيين لأسباب غامضة على العبودية لدى فئة بعينها من المجتمع الموريتاني فإنه من المعروف أن كل الفئات الموريتانية تمارس العبودية فحتى فى بعض المجتمعات الزنجية على الضفة توجد عبودية بشعة فأحيانا يكون للعبيد مقبرة خاصة بهم فى مكان واطئ بينما يدفن الأسياد فى مراقد وأضرحة رخامية فاخرة ولدى بعض الفئات المحلية لايسمح للعبد بالجلوس مادام سيده واقفا وقد رفض أحد الأساتذة مؤخرا العمل فى إحدى الثانويات لأن مديرها عبد مملوك لأسرته ومن المعروف أن بعض الأرقاء السابقين من العرب والزنوج من بينهم وزراء وبرلمانيون ونافذون ووجهاء لديهم جيوش جرارة من العبيد والخدم والحشم يقومون على خدمتهم فى المنازل والإقطاعيات الخاصة بهم وقيل لى إن أحد نشطاء حقوق الإنسان الذين يحاربون العبودية صوتيا فى الداخل والخارج لديه أمة وزوجها يقومان بخدمته مع زوجته وأبنائه ومن المؤسف حقا أن بعض الناشطين الحقوقيين يؤمن ببعض الحرية ويكفر ببعض ويتحرك ضمن نطاق عنصري ضيق ويجعل ممارسات عديدة تحت طائلة المسكوت عنه) ، ونبحث لهم عن دمج حقيقي فى الحياة النشطة، ونعاقب بقوة القانون الذى تطبقه الدولة وحدها من يتجاوز فى حقهم...لنحارب العبودية هنا فى موريتانيا، وليس فى جنيف أو ألمانيا أو ابروكسيل أو باريس...لنبنى للأرقاء السابقين مدارس ومصحات وحنفيات ومولدات كهربائية ومشاريع مدرة للدخل...هم بحاجة لرغيف الخبز، وليس إلى "القنابل الصوتية و"المفرقعات" الحقوقية الفارغة...وليسوا بحاجة لإذكاء النعرات، ودق طبول الحرب ،وصناعة الإنتقام فالنار عندما تشتعل ستأكل الجميع الأخضر والأحمر واليابس و"المبلول" وحتى المتسببين فى إشعالها ،ولن تفرق ألسنة اللهب بين عبد وسيد، ولابين عربي وزنجي، ولابين شريف ووضيع..تماما كما أن ارتفاع الأسعار والمرض والفقر والجهل والتشرد لاتختار ضحاياها..فتحت حد سكين الليبرالية العمياء مثلا نصبح جميعا (بأبيضنا وأسودنا وملوننا) عبيدا للسماسرة والمرابين والتجار الجشعين (من كل لون وجنس وعرق وفئة) بفعل غياب الدولة والعدالة والمساواة... والمجتمعات بطبيعتها الفطرية تواقة الى السلم والألفة والعيش المشترك، وليس إلى الاقتتال ومحاكمة التاريخ وزراعة الحزازات...ولدى هواة التجارة يقينا طرق أخرى للثراء أكثر نبلا من تجارة الخراب والتنافر والضغينة والحقد وثقافة الثأر!!
لنقم بالإحصاء ولكن على أسس نزيهة وواضحة...من حقنا أن لانسمح للسينغاليين والماليين والنيجريين وغيرهم من الأفارقة بالحصول على أوراق مدنية موريتانية لايستحقونها أصلا ولافرعا...من حقنا أن نرفض تجنيس الصحراويين والمغاربة والجزائريين والطوارق و"بيظان" أزواد والنيجر وليبيا وغيرهم...ومن الاستفزاز حقا أن يطلب منا أحدإحصاءهم و تجنيسهم صراحة (أوعبر الرسائل المشفرة)... نريد إحصاء يخص الموريتانيين السود والبيض عربا وزنوجا وحدهم، ولا يضيف إليهم ولاينقص منهم...لقد دفعنا ثمن تجنيس الأجانب باهظا، ومن المؤسف حقا أن أجانب كثيرين (مجنسين بجرة قلم) أداروا مناصب حساسة ومصيرية، وحملوا حقائب وملفات سيادية (يفترض أنها من شأن الموريتانيين وحدهم) فى الدولة الموريتانية منذ النشأة وحتى اليوم...ذات مرة عندماتحطم قارب قبالة شواطئ تركيا قبل سنوات وغرق كل ركابه، قيل إنه يحمل عشرات المهاجرين غير الشرعيين، وإن جميعهم من الجنسية الموريتانية، ثم أظهرت نتائج التحقيقات فيمابعد أنه ليس من بين الركاب أي مواطن موريتاني، وإنما يتعلق الأمر بمهاجرين أجانب حصلوا على أوراق موريتانية بالتزوير والرشوة والتهريب!!
وعندما قتل شخص فى أمريكا قبل سنوات قيل إنه مواطن موريتاني كان يحاول السطو على أحد المصارف قبل أن تقتله رصاصة لأحد حراس المصرف، ثم ظهرلاحقا أنه مواطن من دولة إفريقية تعرف عليه ذووه ميدانيا قائلين إنه حصل على أوراق ثبوتية موريتانية، لأنها كانت متاحة ومتوفرة بالشراء والتزوير والتهريب أكثر من غيرها...والأمثلة على الحماقات المرتكبة باسمنا من طرف أجانب استباحوا حرمة أوراقنا الثبوتية الوطنية لا يمكن حصرها أبدا!!
لاأعتقد أن موريتانيا حقيقيا (غير مجنس أصلا أوفرعا) يمكن أن يرفض احصاء وطنيا مجمعا عليه (شريطة أن تصان هويته وكرامته، وذلك حق طبيعي لكل الموريتانيين دون استثناء) وحتى بالنسبة للمجنسين والمولدين قديما أوحديثا فإنه بإمكانهم الاستفادة من الميزات التى يتيحها قانون الإقامة والجنسية، الذى لابد من نشره وتعميمه وشرحه وتطبيقه،حتى لاتلمس جنسية أحد(الجنسية مجرد ورقة ثبوتية قابلة للبيع والشراء والتزوير وكل دول العالم تتحقق على مدار الدقيقة من هويات مواطنيها وزوارها لتأمينهم ومنع المتسللين لأهداف أولأخرى من تحقيق أطماعهم التى تناقض أحيانا مصالح الدول والكيانات الوطنية والمواطن الحقيقي لايخيفه التأكد من جنسيته طالما أنه واثق من صحتها وسلامة طريقة حصوله عليها) إلا إذاتعلق الأمرفقط بالتأكد منها، والتدقيق فى مصدرها وطريقة الحصول عليها..
من حق الدولة تنظيم الأحياء، وتخطيط المدن،وعليها وضع قوانين ونظم واضحة لذلك، وعليهافى نفس الوقت معاقبة كل من يتجاوزها أيا كان وأينما كان، وليس من المنطقي أن تفرض أسرة أو جهة أوقبيلة على الدولة أجندة خاصة بها على حساب بقية المواطنين...
إن للدولة مهابة يجب فرضها - ولو بالقوة- على الجميع، وبكل ماهومتاح لديها من وسائل قانونية وتنظيمية وإدارية وأمنية، وإلافستسود الفوضى ويأكل القوي الضعيف، ويقفزالانتهازيون وبغاة التفرقة والفتنة، وتجار الحروب إلى الواجهة للإجهاز على الكيان الموريتاني الهش وإلى الأبد عبر مخططات وضعت هنا وطبخت هناك والعكس..
سيدى الرئيس اضرب الطاولة بقبضة قوية دستوريا وقانونيا وتنظيميا وإداريا وأمنيا، وأنقذنا من هذه الفوضى (غير الخلاقة) وباعتبارك رئيسا لكل الموريتانيين ومطلوب منك - بناء على ذلك - حماية أمنهم وممتلكاتهم، وصيانة بلدهم والدفاع عن سيادته و وحرمة أراضيه ووحدة شعبه...انشرالعدل بيننا...نريد المساواة والحق والعدالة...ونريد رئيسا قويا لبلد قوي يفرض احترام الدولة والنظام فى العاصمة وفى كل نقطة على خريطة البلاد،بنفس الطريقة التى يحارب بها الإرهاب خارج الحدود..
وهل يوجد إرهاب أخطر من الفوضى وترك الحبل على الغارب لكل من يريد تحقيق نزوة، أواستعراض قوة، أوالتدريب الميداني فى الشوارع على تنفيذ شيئ مستقبلي ما ..حلم...طموح..أمل..مشروع هدام...أجندات خاصة؟!!.
سيدى الرئيس ...إذالم نمتلك بلدا قويا، وسلطة صارمة لاتأخذها فى الحق لومة لائم فلامعنى للعدالة والأمن والإستقرار،بل لامعنى لكيان سيادي مستقل..وسيصبح لكل واحد منا طريقته الخاصة فى الدفاع عن مصالحه الذاتية،ومطامحه وأهوائه الضيقة..!!
نريد رئيسا قويا يمنع الفوضى، ويحمى الكيان الموريتاني القوي والموحد والمتعايش بكل مكوناته...
سيدى الرئيس...لقدبلغ السيل الزبى، وسادت الفوضى، فتحرك الآن وليس بعد لحظات ،بكل ماتملك من قوة دستورية وأمنية لإنقاذ وطن موريتاني نراه يترنح.. ونحن الذين سقيناه بدماء الشهداء، وبنيناه بعظامهم، وكتبناه تاريخا لأولنا وآخرنا بدموعنا وجراحاتنا وشقاءاتناوعذاباتنا..ونحن الذين حلمنا به جيلا بعدجيل خيمة دافئة وبقرة حلوب وبلداآمنا وأمينا...وإذالم تتحرك فقل علينا وعلى وطننا السلام...وتذكر أنه من بيننا(وأبدأ بنفسي) من سيموت هنا محترقا أو مختنقا أوضائعا لأنه بلاوطن آخر، فلاملجأ لنا من موريتانيا إلا إليها..
أقول قولى هذا، وأمرى لله الذى له الأمر من قبل ومن بعد...
((فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)).