ربما لم يخطر على بال أي منا أن تعمد مجموعة برلمانية منضوية تحت لواء "الأغلبية" إلى السباحة عكس تيار هذه الأغلبية ومحاولة إجهاض مشروع تعديل دستوري مثل إجماع الأحزاب المحاورة بما فيها تلك المعارضة..
واقعة تحدث لأول مرة في المنطقة وهي وإن كانت تعكس مظهرا من الحالة الديمقراطية المتقدمة
بسنوات ضوئية على البلدان العربية والإفريقية إلا أنها في جانبها الآخر، تنذر بعودة قوية لأحفاد مؤيد الدين العلقمي، الذين يتناسلون بكثرة هذه الأيام، مستفيدين من أجواء الحرية والتسامح غير المسبوقة على هذه الأرض..
والعلقمي لمن لا يعرفه هو من فتح اسوار بغداد أمام المغول في القرن الثالث عشر الميلادي، على أمل أن يعطيه هولاكو إمارة المدينة، لكن نهايته كانت مأساوية على يد المغول أنفسهم..
مات العلقمي وترك لنا إرثا من الخيانة يتناقله أحفاده جيلا بعد جيل، وعلى يد هؤلاء سقطت بغداد مرات ومرات، وسقطت دمشق وطرابلس وصنعاء والقاهرة...إلخ
وباختلاف الأزمنة والأمكنة تختلف وسائل أحفاد العلقمي وإن ظلت الأهداف هي نفسها: "التمكين للآخر في الأرض، وطعن الأمة من الخلف، والإجهاز على الوطن عند أول سانحة.."
ولأن موريتانيا جزء من هذا الوطن الممتد من المحيط إلى بغداد، فقد ظلت عبر تاريخها محل أطماع أجنبية وحلبة صراع قوى إقليمية ودولية، صراع يلعب فيه أحفاد العلقمي دور الطابور الخامس، تارة بوجوه مكشوفة، وأخرى من وراء حجاب.. ويكفي هنا المرور بعجالة على مذكرات قادة الحملة الفرنسية على موريتانيا للوقوف على جزء من تاريخ الخيانة في هذا المنكب البرزخي..
لا نريد القول هنا إن بعض الشيوخ سعى لنفض الغبار عن تاريخ الخيانة، حين أرادت موريتانيا إعادة كتابة صفحات مشرقة من تاريخها الحديث، إحياء لإرث طويل من العمالة بدأ مع العلقمي في بغداد وانتهي بغدر الأميرين سيدي أحمد ولد أحمد عيده وبكار ولد اسويد أحمد..
صحيح أن العلقمي نجح في فتح أسوار بغداد أمام هولاكو، لكن هولاكو نفسه فشل في طمس نور الإشعاع الحضاري الذي كان ينير من بغداد أرجاء الكون كافة، وصحيح أيضا أنه بعد قرابة 800 سنة أجهض أحفاد العلقمي في موريتانيا، مشروع تعديل دستوري ينتصر لمن قاوموا هولاكو وتصدوا لزحف جيشه الجرار، لكنهم لن يفلحوا في وقف قطار التغيير الذي لم تصمم عرباته للسير إلى الخلف..