اقض ما أنت قاض ..!! / حبيب الله ولد أحمد

عبارة ربما هي اليوم لسان حال شيوخ الأغلبية الخارجين من عباءة "السخرة"، والذين رفضوا التعديلات الدستورية الخرقاء، التي أريد لها أن تكون "ممحاة" تمرر على ذاكرة موريتانية جمعية، تحتفظ لجيل التأسيس الخالد ـ  بعلمه ونشيده وكفاحه ـ   بصورة صقيلة، لا تغيرها كل العواصف والهزات، ولا يؤثر عليها غبار الوهم الذي يحاول البعض اليوم أن يصنع منه "موريتانيا" بملامح أخرى مشوهة، وعاقة لتراثها الجميل، متنكرة لتاريخها المشرق.

أنا ـ  وربما آلاف الموريتانيين معي ـ لا يهمنى هل انتصر الشيوخ لبطونهم أو لوطنهم، فما يهمنى و يسعدنى  أنهم وقفوا سدا منيعا في وجه تشويه الوجه الجميل لموريتانيا، بعلمها الخالد، ونشيدها الأكثر خلودا.
أعرف أن الشيوخ تلقوا أذى لا يمكن الصبر عليه من شخص له نفس أبية كريمة، فمنذ سنتين والرئيس وحكومته وأنصاره يهاجمونهم بأقسى العبارات، فمجلسهم غير شرعي، وهو عبئ على الميزانية، و ينبغي حله، وهم لم يقدموا شيئا للديمقراطية..!!
وبنفس الأفواه والأظافر الحمراء من لحوم الشيوخ يطلب منهم  ـ بوقاحة  ـ أن يتحولوا إلى "حمر خشبية" تركب لتمرير التعديلات الدستورية المخزية جملة وتفصيلا.
وبلغت ذروة احتقار الأغلبية حتى لشيوخها، التلاعب بهم عبر حفلات العشاء، والإغراءات المادية، والترغيب والترهيب، فما تكاد وليمة تقام لهم عند الرئيس إلا دعوا لوليمة عند محسن ولد الحاج، أو ولد محم وهكذا، وبعد الأكل توصية صغيرة لكل واحد على حدة "التعديلات الدستورية يجب أن تمرر وليكن ذلك أمرا أو طلبا سيان" ..!!
وحتى لو صح أن محسن ولد الحاج ـ بالتشاور مع قريبه الرئيس ـ  أوعزا لبعض شيوخ الأغلبية بالتصويت ضد التعديلات، خوفا من شارع محتقن ضجت به العاصمة في مسيرة السبت الحاشدة، ورفض معظم النخب للتعديلات، والتهديد الذي يشكله تمريرها لنظام الرئيس، وسمعته ومصداقيته، فان المهم بالنسبة لنا هو أن التعديلات رفضت، وذلك ما كنا نبغي وطبيعي أن ينقذ محسن قريبه وصديق طفولته وماله وأعماله وأسراره من الغرق، وطبيعي أن يفهم الرئيس أن الموريتانيين ضد التعديلات ، وليس بحاجة لتقارير أمنية فالحقيقة ناصعة كالشمس رأد الضحى، وان عنتريات النواب وكتاب الأغلبية، ومنهم لصوص معروفون لا يستحقون إلا السجن والتعزير، ليست كافية لتثبيت شراع سفينته التي تواجه عواصف لانهاية لها.
يقول "البيظان" إن "المهم أن يأتي المطر وليس من المهم تتبع الجهة التي جاء منها" والحق أن إبطال التعديلات "القاراقوشية" الحاقدة على تاريخ جيل التأسيس، هو "مطر مبارك" لن نتتبع الجهة التي جاء منها، بل حسبنا أن نقول "أمطرنا والحمد لله"
كانت "فرملة" التعديلات حلما وطموحا شعبيا مشروعا يستحق عليه الشيوخ الشكر والتقدير، بغض النظر عن معنى خطوتهم، وهل أنها انتصار لمجلسهم المهدد بالحل، وبالتالي لبطونهم ومصالحهم الشخصية، أم أنها انسجام مع صدى هز البلاد كلها، لدعوات وطنية صادقة مشفقة على مستقبل البلاد والعباد بان تحترم للموريتانيين خياراتهم ومكاسبهم التاريخية، ومنها كيانهم الوطني الموحد تحت علمهم ونشيدهم الخالدين.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال استبعاد وجود شعور وطني صادق ولو لدى خمسة أو عشرة أو خمسة عشر شيخا وشيخة من الذين رفضوا التعديلات الدستورية، على أنه من حق الشيوخ مواجهة النظام الذي احتقرهم واستهزأ بهم وبمكانتهم الدستورية وقيمتهم في المشهد الديمقراطي كله، فهل يعقل أن يوافقوا على تعديلات دستورية كتبت بنفس الحبر الذي كان سيحل به مجلسهم، ولا غضاضة في أن تنتصر لنفسك انتصارا يجر رداءه على كل أبناء شعبك الرافضين للظلم والتهميش، واستخدم النواب والشيوخ لجعلهم مجرد "ممحاة" في "دبر" قلم "رصاص" النظام، وقمة القداسة أن تلتقي مصالحك الشخصية ـ ولو للحظة عابرة ـ مع المصالح العليا لوطنك وشعبك وتاريخهما ورموزهما النبيلة.
ومن يريد أن يرى حجم الفجيعة والصدمة والهزيمة التي حاقت بالنظام، فليقرا "اقياءات" لبعض صغارو"معمرى" "كتبة" القصرو"حواشيه"، وبعض قدماء الحاقدين على النشيد والعلم لأسباب غامضة  أحيانا، وشاخصة أحيانا أخرى، تتقمص عقدة شعور دوني لا فكاك منه تاريخيا،وبعض الذين تركوا مؤسسات عمومية قاعا صفصفا تلصصا وفسادا، وبعض الذين يضعون رؤوسهم دوما في حبال المشترين حتى لو لم تكن على مقاساتهم، والفرق بينهم وبين الكباش أن الكباش لا تفرق بين الحبال والأثمان والمشترين،  بينما يمكن لهم التعرف على الحبال والأثمان والمشترين للضمائر وحتى الأجساد، كيف لا وهم صنيعة مدرسة "الكومسة" حتى من "العقيقة" و"قطع السرة"...!!
ومن المفارقة أن هناك من يتهم الشيوخ بالخيانة، وهو غارق فيها أصلا وفرعا ، ويتهمهم بانعدام الوطنية، وهو الذي استبدل نهارا جهارا "باء" البطن ب"واو" الوطن، وخرج من جلده ألف مرة ووالى أنظمة ودولا، وممالك سحر و "أخبية" و"مواخير" كثيرة، ويتهمهم بتضييع الأمانة، وهو الذي حدث فكذب، و خاصم ففجر و ائتمن فخان..!!
إن خطوة الشيوخ انتصار الهي لشعب لا حول له ولا قوة، يآتمر به "تسعة رهط" ليشوهوا تاريخه وحضارته، وليمارسوا العقوق في حق آبائه المؤسسين.
لقد ضرب الله بعض الأغلبية ببعض،فضرب جناح ولد حد امين بجناح ولد محمد الاغظف، وجناح ولد محم بجناح "المجلس السفلي للشباب"، وجناح "الإذاعة" بجناح"التلفزة" ،وجناح شباب "الإتحاد " بجناح "بعوضة" ،وضرب الرئيس بالشيوخ، وضرب بعض الشيوخ ببعض، وضرب على نواب الأغلبية "الذلة والمسكنة" ، لحكمة بالغة ناصعة جلية، مفادها انه لا إطفاء لنور الله ،وأنه ليس للكلاب النابحة القدرة على توقيف قافلة حب وفاء وولاء وتضحية من أجل الكيان الوطني الموريتاني سارت على أشلاء المجاهدين والأئمة والفقهاء من العام 1900 لتتوج العام 1960 بإعلان الرئيس الرمز المؤسس الخالد المختار ولد داداه رحمه الله ، وجيله الذهبي من الموريتانيين الوطنيين ذوى الطهارة التاريخية، ميلاد موريتانيا الحرة القوية الموحدة، والتي لا رجعة في سيادتها، تحارب من حاربها، وتسالم من سالمها.
انه انتصار الهي لدماء الشهداء الأخيار، شهداء المقاومة، وشهداء معارك التوحيد والسيادة، وشهداء حماية الحدود الموريتانية، حتى لا تختصر ملاحم بطولاتهم في خطين قبيحين يشوهان الوجه الناصع لأخضر النماء، وذهبي النجمة والهلال.
مفهوم أن يخرج "كتبة" الأغلبية مع "كتائبها" الإعلامية لممارسة "المكاء" و"التصدية"، فالضربة قوية جدا، والقصف هذه المرة تم بنجاح صاعق عاصف، لافت ومفاجئ، فالنظام لم يكن أبدا يتوقع أن يسمع "لا" من أي شخص، أحرى من اقرب المقربين إليه، ولقد كانت صدمة أخرجت مستشارين وملحقين ومصفقين بالرئاسة وحولها من وقارهم "لبلاستيكي" ليوزعوا الشتائم والبذاءات ومحارم اللسان، فطفقوا يشتمون الشيوخ وكانوا بالأمس يعولون عليهم في تمرير التعديلات الدستورية الرعناء، ولن ينسى أحد أن نائبا في البرلمان قال قبل ليلتين من تصويت الشيوخ إنه سينام (يبدل "باءه" "ميما" كما يفعل دائما تحت قبة البرلمان) مطمئنا لأن النواب اقروا التعديلات وما هي إلا ساعات حتى يقرها الشيوخ، ولا أحد سأل ذلك النائب كم  "قدحا" قسمت له فيه تنبؤاته التي لم تكن أول نبؤاته الكاذبة.
إن من يدافعون عن ولي نعمتهم، يستشعرون أنه لم يعد يملك أغلبية "مريحة" ولا حتى "متعبة"، وان أمامه خيارات أحلاها مر بالنسبة له ولهم، وطبيعي أن يصابوا بالهستيريا، فالرجل أنقذهم من الفقر والنسيان، لم تكن تهمه وطنيتهم المجمدة، ولا كفاءاتهم المنعدمة، ولا وفاؤهم الوهمي، فكم مرة خانوا أرباب و"ربات" نعم قبله، وهو خير من يعرف ذلك عنهم ومنهم وبهم وفيهم، ووجوده مبرر وجودهم، وماله " العام" مبرر غناهم، وإعلامه مبرر ذكرهم غير السائر، ويعلم الله أنهم لن يدافعوا عنه ولن يلتفوا من حوله، ولو سمعوا فرقعة عجلة سيارة قربه لولوا الأدبار "مضيا ولا يرجعون"
ويقول لك أحدهم "سيادة الرئيس لا تعاقب الشيوخ"
قمة الجهل ..!! هل يمكن للرئيس أن يعاقب شيوخا رفضوا حماقات خططها منافقون في قصر "مؤامرات" يغرق في الظلام ؟!!
الشيوخ لا يخشون عقابا ولا بخسا ولا رهقا
نهبتم فنهب بعضهم معكم، أفسدتم فافسد بعضهم معكم، نافقتم فنافق بعضهم معكم، ولكن عندما استبيحت كرامتهم الجماعية قالوا "لا"، وليس بمقدور الرئيس أن يفعل شيئا لمعاقبتهم، فقد كنز بعضهم المال  مثله ،وقد "كومس" بعضهم مثله ،وقد احتاط بعضهم لنفسه، ولولا "حك نحاسهم " لأجازوا التعديلات إلا من يكتم منهم إيمانه بالوطن الموريتاني، وكفره بالنظام، خوفا على عنقه ورزقه ..!!
ليس بمقدور الرئيس أكثر من حل البرلمان نكاية في الشيوخ، وشماتة وانتقاما منهم، وحتى لو فعلها فالشيوخ لن يخسروا شيئا أي شيء، وما أخالهم إلا يرددون الآن ـ بثقة  ـ بعد قرارهم التاريخي والشجاع، بغض النظر عن ملابساته وأبعاده وخفاياه ، ومن يقف وراءه أو أمامه، مخاطبين الرئيس على طريقة "سحرة فرعون" بعد أن عرفوا الحق وأنه أحق أن يتبع " اقض ما أنت قاض" ..!!

19. مارس 2017 - 23:03

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا