لا تَقولَنَّ إِذا ما لَم تُرِد*** أَن تُتِمَّ الوَعدَ في شَيءٍ نَعَم
حَسَنٌ قَولُ نَعَم مِن بَعدِ لا*** وَقَبيحٌ قَولُ لا بَعدَ نَعَم
إِنَّ لا بَعدَ نَعَم فاحِشَةٌ*** فَبِلا فَاِبدَأ إِذا خِفتَ النَدَم
فَإِذا قُلتَ نَعَم فَاِصبِر لَها*** بِنَجاحِ الوَعدِ إِنَّ الخُلفَ ذَم
تذكرت يوم أمس هذه الأبيات للشاعر: العائذ بن محصن بن ثعلبة، من بني عبد القيس، من ربيعة. شاعر جاهلي، من أهل البحرين، عاش مابين (71- 36 ق.هـ) المعروف بالمثقب العبدي الذي كان شعره يوصف بأن فيه حكمة ورقة...
لقد أعادت لي شاشة ذاكرتي الأدبية بوضوح الحكمة البالغة في هذه الأبيات والعلاقة بين قول لا أو نعم حسب التزام القائل بأي منهما ، كان ذلك أثناء متابعتي كغيري من الموريتانيين لنتائج تصويت السادة الشيوخ على تعديل بعض مواد دستور 91 ، ذلك التغيير المهم ماديا ومعنويا لنا كشعب يسعى للتغيير البناء على المستوى الاقتصادي والتنموي وبحاجة لتخليد مجد تليد شيده الأجداد على أديم هذه الأرض، ولقد كان الشيوخ قالو نعم للسيد الرئيس عندما طلب منهم التصويت بها لتغيير تلك المواد ، هنا حسب حكمة الشاعر المثقب العبدي فإن الإشكال في توقيت الالتزام لفظيا وعمليا بالنسبة لنازلة الشيوخ هذه ، فعندما قابل السيد رئيس الجمهورية كل شيوخ الأغلبية الذين ترشحوا أصلا باسم حزبه الذي أسسه وقاموا بحملة انتخابية بمشروعه السياسي الذي تبناه أغلبية الشعب الموريتاني من نخبة وقاعدة من سكان المدن والأرياف ومن كل الطيف الوطني. فإن التوقيت الخطأ للتعبير بلا بعد نعم كان من منظور العبدي ليس جميلا ولا حسنا بل الأحسن أن يصبر صاحب نعم عليها أو يقل لا بداية إذا خاف الندم...
وبهذه النازلة فإنني استغرب تبني المعارضة لـ لا بعض شيوخ المولاة اللهم إلا إذا كان التبني من باب البحث عن شقوق داخل مجلس الشيوخ الذين آثروا قول لا بعد نعم فلن تكون فعلة شيوخ الأغلبية انتصارا للمعارضة الباحثة عن مساحيق لتجميل تجاعيد خطابها ، وقد سبق لبعض مدوني المعارضة وصفهم لمجلس الشيوخ بالرجعية والتبعية لكن ذلك كان قبل قولهم لا بعد نعم، وبهذا يكون احتفاء المعارضة بلا بعض شيوخ الأغلبية أقرب منطقيا للتشفي في هؤلاء الشيوخ من الاحتفال بنصر وهمي...
وانطلاقا من هذا فقد أصبح بإمكاننا أن نستنتج من تصويت شيوخ الأغلبية بلا بعد نعم عدة نقاط نجملها فيما يلي:
1- نجاح وشفافية العملية الديمقراطية في بلدنا حيث لم تستطع لا أن تبدل مكانها نحو بطاقة نعم ، فكانت لا ونعم أكثر رزانة من حرف الباء يوم آثر التحول من مكانه، هذه المرة ظلت البطاقات تراوح منازلها حتى عبثت بها الأيادي التي قال أصحابها نعم ورموا لا .
2- موضوعية الاستغناء عن الغرفة الثانية واستبدالها بمجالس جهوية تلامس معاناة المواطن وتعكس رؤيته لتنمية البلد.
3- ضرورة النظر في التزام السياسي الذي يميز المجتمعات عن غيرها فكل ما كان الشعب ملتزما صادقا في مواقفه غيورا على انتمائه ستكون العملية السياسية سلسة وناجعة.
4- ضرورة إعادة ترتيب طيف الأغلبية وتفعيل العلاقة بين الحزب الحاكم والأغلبية المنتمية لمشروع مؤسس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي اقترح تعديل بعض مواد الدستور من أجل موريتانيا حرة وذات سيادة سائرة على درب النماء ، والذي كان صادقا في قوله إنه لن يغير الدستور من أجل الاشخاص .