شيوخنا الأجلاء ثورتكم لم تكن خيانة / بون ولد باهي

لا شيء أكثر تقلبا من مفهوم الثورة المسكين، فهو أكثر المفاهيم استغلالا عبر التاريخ.
يستغله أعداء الثورة ليطلقوه على مرة على انقلابٍ عسكريٍّ مقيت مثل ما حصل 2008 في موريتانا، ومرة ضد إرادة الشعب المحصنة بالدستور عندما يصبح هذا الأخير مباحا مثل ما هو الحال الآن 2017، أما انصار التغيير والإصلاح والبناء فهؤلاء استغلالهم يسمى خيانة.

ونحن في "المنكب البرزخي" نتذكر كثيرا البيانات رقم 1، وحركات التصحيح الانقلابية وكم وصفت هذه "البيانات" و"الحركات" من أناسٍ ونعتتهم بأبشع نعوت الخيانة. مفهوم الخيانة يا جماعة مثل مفهوم الثورة سهل الاستخدام رغم الفارق الكبير بين الاثنين وهذا أمر لا خلاف عليه. ولكن نذكر فقهاء القانون الدستوري وعلماء السياسية، بمبدأ مهم جدا وهو "مبدأ فصل السلط"، الذي من المفترض أن يمنح الشيوخ والنواب نوعا من الاستقلالية يميزهم عن الموظفين التابعين للحزب الحاكم أو لوزارتنا الداخلية.
من أهم منظري الثورة والمؤرخين لها لمن يريد قراءة في بعض الأدبيات المعاصرة حول الثورة وليس كل شيء وربما أهمها على الاطلاق: ألكسيس دوتوكفل : النظام القديم والثورة الفرنسية، إيتيان جولابوسي : العبودية الطوعية، إريك هوبز باوم : عصر الثورة أوروربا 1789 ـ 1848، بارينجتون مور : الأصول الاجتماعية للديكتاتورية والديمقراطية، حنة أرندت : في الثورة، غوستاف لوبون : روح الثورة والثورة الفرنسية، كرين برينتن : تشريح الثورة .. إلخ. هؤلاء يجمعون على مسألة الخيانة هذه.
ويجمعون على حقيقة بسيطة جدا وهي أن كل الثورات كانت تبدأ بأحداث هزيلة، يطالب الناس بلقمة العيش، أو بإعفائهم من الظلم، بالكرامة، فتكون ردة فعل النظام التخوين: هؤلاء خونة، يجب أن تضع الدولة حدا لخيانتهم. حدث ذلك في الحرب الأهلية البريطانية التي أدت إلى الثورة المجيدة (1688 ـ 1649) وإعدام الملك. حدث ذلك مرة ثانية في الحرب الأهلية الأمريكية بسبب الضرائب وكانت النتيجة الثورة الأمريكية 1766. تكرر مرة أخرى مع الثورة الفرنسية التي شهدت 80 سنة من الاضطراب وانتهت مرة ثانية بإعدام الملك الويس السادس عشر فوق المقصلة التي أعدها للخونة ولم يشفع له هروبه المشين.
في كل الأحداث الجسام التي شهدها التاريخ كما تقر بذلك حنة أرندت كانت بسبب الخيانة، التخوين. لم تكن الثورة في بادئ الأمر كما تقول هذه الباحة الجديرة بالقراءة، بالمعنى الذي نقصده الآن، بل كانت ترادف في المفاهيم المتداولة حاليا معنى مفهوم الثورة المضادة، كانت مجرد دعوة إلى إصلاح النظام القديم. وهذا ما حصل بالضبط في العالم العربي نهاية العام 2010 وبداية العام 2011 في القصة التي باتت أشهر من أي قصة مضت عبر التاريخ، قصة محمد البوعزيزي التونسي والذي ثار ضد الظلم وأحرق في سبيل ذلك جسده الشريف، وثارت معه الجموع التي وصفت في ذلك الوقت بالخونة، قبل أن يتضح للعام من الخائن الذي لم يسمح له شرفه في البقاء في وطنه فرحل غير مأسوف عليه.
هذه الدعوة إلى اصلاح النظام القديم تماما في موريتانيا هي التي لم يستوعبها النظام ونخبه المتخلفة، وفي الحقيقة لا نلومهم فهناك موجة عارمة لنسيان الربيع العربي، وطبعا الانظمة العسكرية والديكتاتورية ضعيفة الذاكرة.
أيها الشيوخ الأجلاء ثورتكم لم تكن خيانة، الخيانة هي وصفكم بالخيانة، لاختلاف في الرأي، أو خلاف في النضال، كان يمكن أن لا يخرج عن قيم الخلاف السمحة، الخيانة هي وصفكم ممن يفترض أنهم أصدقاء ورفاق درب، تلك هي الخيانة، ولكن يؤتمن خائن.

20. مارس 2017 - 19:01

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا