منذ مجيئ النظام الحالي وتسلمه مقاليد السلطة على رأس الجمهورية الاسلامية الموريتانية وجد الطيف السياسي امامه منقسم بين موالات ومعارضة للنظام الذي سبقه، ولكن حينها سرعان ما انقسم كلا القسمين إلى موالات للنظام الجديد وإلى معارضة له لنرى مشهدا سياسيا قل نظيره متشكلا
من نخب السياسة و الفكر عندنا وهذه المرة كل واحد ينصاع امام ضميره واستجابة لنداء الوطن ولا ينقصه الدليل و لا أحد يراوده شك في ذلك لوضوح الرؤية وغرابة المشهد.
و مع مرور الوقت و نجاح النظام الاخير في تجاوز الصدمة الاولى دون التزام لأي كان بدت خلافات عميقة تطفو على السطح تطبعها جميعا خيبة الامل والكل يحكي عن خيانته من طرف الاخر ولا شيء يترك للتصالح في ما بعد، لتنهار المنظومة السياسية الوليدة مخلفة كومة من الركام العصي تنظيفه لا هو يصلح حتى لردم المستنقعات في الاحياء السكنية و لا هو تبخر كالمستنقعات نفسها ليفسح المجال لما هو اصلح بل تبخر بدلا منه حلم الوطن و حلم المبادئ والمؤسف أن هذا كله دون خجل.
كلا المشهدين السابقين خلفا حربا باردة بين النظام ــ الذي تمكن من تحقيق انجازات وارية للعيان في ميدان البنية التحتية و انجز الكثير من المشاريع الكبيرة والكثيرة بالإضافة إلى تألقه دبلوماسيا حيث استطاع كتابة أسم موريتانيا على رأس الكثير من المنظمات الدولية الكبيرة و الفاعلة في قيادة العالم ــ وبين المعارضة ــ التي ازدادت تطرفا وتعصبا وتنكرا لكل خطوة يمكنها أن تفضي إلى ما قد يجمعها مع النظام و لا يخفي البعض منها خيبة امله من عدم اشعال ما يسميه ثورة في بلاده كما هو الحال في "بلدان الثورة"(ليبيا ـ اليمن ـ سوريا ...).
وظلت سنواة نظام محمد ولد عبد العزيز الثمانية الماضية مشحونة بتصريحات زعماء المعارضة و بياناتهم والتي لا تنقصها الخشونة ولا تتحرى الموضوعية ولا تهمها المصداقية و عنوانها دائما "الازمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد" وغايتها بيان يكتب عن ما في نفوس المعارضين ثم يأتي حوار يضفي عليه الشرعية لاحقا و إلا فلا ديمقراطية ولا حرية ولا عدالة ولا ولا...
تخللت السنوات تلك حلقات حوارية دعا لها النظام وشاركت فيها بعض الكتل المعارضة وقاطعها البعض الاخر متعللا بعدم الجدوى من محاورة النظام مع التطير المسبق من نتائج أي حوار معه، وحتى لو كانت نتائجه مطالب ذات يوم ، ومن المفارقة هنا ان المعارضة ظلت دائما تتبنى أي طرح يلائم هواها وتدعي انه وليد ضغوطها وتدعي ان النظام لم يفعله إلا مكرها، ثم تتنصل منه لاحقا عندما يأتي دورها في التجاوب معه وأيضا دون خجل.
وفي الحلقة الاخيرة من حلقات الحوار الوطني الشامل بدت المعارضة مرتبكة إلى حد كبير نتيجة لتبني مخرجاته لجميع مطالبها تقريبا و كعادتها عارضته ايضا! واستنجدت بمؤسسات دستورية سبق لها وأن كفرت بها لتصطدم بصفعة من نخبة احرار الجمعية الوطنية فترجع بأحد خفي حنين فيكون غايتها الخف الاخر وهو ما وجدته بالفعل في مجلس الشيوخ وما دام هو الغاية فلا غرابة في فرح الضال إن وجد ضالته.
ولكن من المؤسف حقا ان اسما الشيوخ الاحرار المكتوبة الآن بماء الذهب ستمحى لاحق بشفرة حجارة عند المؤتمر البرلماني القادم أو عند ما يأخذ الرئيس خيارا آخر من خياراته المطروحة وهي كثيرة , وبالطبع ليس من ضمنها خيار الجنرال دكول الذي تنصح به المعارضة اللهم إلا إذا كان ذلك بعد بناء موريتانيا وكتابة تاريخها بماء الذهب من جديد, لتكون اللعبة الديمقراطية قد استوفت شروطها من جديد , عندها يصفر الحكم إيذانا بمواصلتها وفوز النظام بأهداف عدة مقابل هدف سجله قدم صديق زاد اللعبة حماسا والجمهور تصفيقا ليس إلا .