قراءة في المسؤولية السياسية لرئيس الجمهورية في الدستور الموريتاني لسنة 1991
تنص المادة 24 من دستور 1991 على ما يلي : (( رئيس الجمهورية هو حامي الدستور و هو الذي يجسد الدولة و يضمن بوصفه حكما السير المضطر و المنتظم للسلطات العمومية
و هو الضامن للاستقلال الوطني و لحوزة الارضي ))
إن رئيس الجمهورية منتخب مباشرة من الشعب ويمثل في نفس الوقت ركيزة النظام باعتباره حامي الدستور فإنه لا يكون مسؤولا عن الأقوال والأفعال التي تصدر منه وهو يمارس وظيفته بل يكاد ينعدم إثبات تحقق الضرر للغير الناجم عن أقواله وأفعاله مما يستبعد مسؤوليته مدنيا ، فهل يمكن مسائلة رئيس الجمهورية سياسيا كأن تسحب منه الثقة مثلا ؟ هذا ما سوف نحاول الإجابة عليه من خلال دراسة قصيرة في المسؤولية السياسية لرئيس الجمهورية في الدستور الموريتاني لسنة 1991
أولا : المسؤولية السياسية لرئيس الجمهورية بين التواجد والانعدام
فمبدأ تلازم السلطة والمسؤولية يقرر بالضرورة أنه حيث توجد السلطة توجد مسؤولية سياسية للقائم عليها، فهل لهذا المبدئ صدى عند ممارسة رئيس الجمهورية لسلطاته .
و سنحاول الاجابة على هذا السؤال من خلال البحث في موقف الفقه و المشرع الدستوري من المسؤولية السياسية لرئيس الجمهورية :
1 موقف الفقه
يمارس رئيس الجمهورية طبقا لدستور 1991 سلطات واسعة في الظروف العادية و تزيد هذه السلطات اتساعا في الظروف الاستثنائية ، و هذه السلطات الواسعة لرئيس الجمهورية يقابلها عدم وجود مسؤولية سياسية واضحة له في الدستور و هو ما يتنافى مع أهم مبدئ وهو تلازم السلطة مع المسؤولية حيث نجد تعددا في السلطات من جهة وعدم المسؤولية من جهة أخرى.
و قد أسفرت معظم البحوث إن لم أقل جميعها في هذا الموضوع إلى هذا الطرح حيث نجد على سبيل المثال :
الأستاذ عبد الغني بسيوني: الذي يرى بأن رئيس الجمهورية في مصر يتمتع بسلطات واسعة ومتنوعة فإن انعدام مسؤوليته السياسية على هذا النحو يحدث خللا خطيرا في التوازن بين سلطته ومسؤوليته .
وفي التقرير الختامي للملتقى الفكري التاسع الذي نظمته المنظمة المصرية لحقوق الإنسان تحت عنوان "الاصطلاح الدستوري بين التعجيل والتأجيل" (( 17 فبراير 2005)) فقد أكد المشاركون في هذا المؤتمر على أنه برغم السلطات الواسعة والمتشعبة لرئيس الجمهورية بمقتضى الدستور إلا أنه غير مسؤول سياسيا أمام أية جهة في حين أنه من المتعارف عليه أنه لا سلطة دون مسؤولية .
ويرى الدكتور نور فرحات الخبير القانوني إن المشكلة ليست هي مجرد تقليص مهام وسلطات الرئيس و إنما في الربط الوثيق بين المسؤولية والقابلية للمحاسبة، أي أن يكون الشخص متمتعا بالسلطة و قابلا للمسائلة وهذا لا يتوافر في حق رئيس الجمهورية فهو غير مسؤول سياسيا وفي نفس الوقت يتمتع بسلطات متعددة .
ورغم تأييدنا لموقف الفقه بضرورة قيام المسؤولية السياسية لرئيس الجمهورية إلا أنه لا يمكن العمل به لأن هذه المسؤولية لا تقرر إلا بنص .
2 موقف المشرع الدستوري
تنص المادة 93 من دستور 1991 على ما يلي : (( لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولا عن افعاله أثناء ممارسة سلطاته إلا في حالة الخيانة العظمى ))
و كما هو وضح من نص هذه المادة فإن رئيس الجمهورية لا يتحمل أي مسئولية سياسية عن جميع تصرفاته و ليس هناك أي نص دستوري يلزمه بالاستقالة كنتيجة لتحمل المسؤولية السياسية في قضية ما ، و هو نفس الاسلوب الذي اعتمدته الدساتير السابقة ( دستور 1959 و دستور1961 )
و عليه فإن كافة الدساتير التي عرفتها موريتانيا لا تتضمن أي نص بخصوص المسؤولية السياسية لرئيس الجمهورية و بهذا يكون الدستور قد عبر عن مبدئ متأصل في النظام السياسي الموريتاني ، وهو استبعاد رئيس الجمهورية عن نطاق المسؤولية لا غير .
هذا نظريا أما عمليا فالوضع يختلف حيث يمكن أن نجد عوامل قد تفضي إلى قيام مسؤولية رئيس الجمهورية، وهو ما سوف نتحدث عنه في النقاط التالية :
ــ إقامة مسؤولية رئيس الجمهورية أمام الأمة
تنص المادة 2 من دستور 1991 على ما يلي : (( الشعب مصدر كل سلطة ، السيادة الوطنية ملك للشعب الذي يمارسها عن طريق ممثليه المنتخبين و بواسطة الاستفتاء و لا يحق لبعض الشعب و لا لفرد من أفراده أن يستأثر بممارستها ))
و كما هو واضح من نص هذه المادة فإن السيادة ملك للشعب وهو صاحبها الأصلي وعلى هذا الأساس فالشعب مصدر كل سلطة حيث تمارس السلطة من قبل أعضاء المجتمع على قدم التساوي خدمة للصالح العام المشترك وذلك عن طريق الانتخابات العامة والاستفتاء .
ــ الاستفتاء الشعبي في أمر هام
تنص المادة 38 من دستور 1991 على ما يلي : (( لرئيس لجمهورية أن يستشر الشعب عن طريق الاستفتاء في كل قضية ذات أهمية وطنية ))
و كما هو واضح من نص هذه المادة فإن رئيس الجمهورية يتمتع بسلطة تقديرية في استفتاء الشعب في القضايا ذات الاهمية الوطنية و إن كانت مسألة تعديل الدستور لا تدخل في هذه ((القضايا ذات الاهمية الوطنية )) لأن مسطرة تعديل الدستور محددة في نصوص أخرى و لا مجال لتأويل هذه المادة مع وجود نصوص صريحة تبين المسطرة التي يجب اتباعها في تعديل الدستور و هي الواردة في المواد ((99 و100 و101 )).
و أيا يكن الامر فإن قيام رئيس الجمهورية باستفتاء الشعب مباشرة في تعديل الدستور أو في أي مسألة أخرى و جاءت نتيجة الاستفتاء ضد مبتغى الرئيس، رغم أن الدستور لم يذكر نتيجة تترتب على القبول أو الرفض من قبل الشعب بل ترك المشرع الدستوري لرئيس الجمهورية السلطة التقديرية في تقرير مصيره، و هذا الجنوح إلى السكوت ليس له مبرر، ذلك أن من واجب رئيس الجمهورية الخضوع إلى رغبة الشعب من حيث التنحي عن قيادة الدولة إثر التصويت السلبي ، الذي له معنى واحد وهو رفض سياسته، خاصة إذا كان الرئيس قد لفت نظر الهيئة الناخبة، وهذا ما قام به الرئيس الفرنسي ديغول على إثر استفتاء الثقة عام 1969 الذي أدت به إلى تقديم استقالته .
ـــ تجديد المدة الرئاسية
تنص المادة 28 من دستور 1991 على ما يلي : (( يمكن إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمرة واحدة )) والشعب باعتباره صاحب السيادة والسلطة و صاحب الكلمة في تجديد عهدة الرئيس الممارس للسلطة إذ بانقضاء العهدة يتوجب تلقائيا استدعاء هيئة الناخبين ويجري الاقتراع العام المباشر، و بهذا يتمكن الشعب من مراقبة رئيس الجمهورية من كل خمس سنوات عن طريق الانتخاب ، فإذا عادت الانتخابات نفس الرئيس المنتهية ولايته فمعناه أن الشعب ما زال يمنح ثقته للرئيس أما إذا صوت الشعب لمرشح ءاخر فهذا يعني أن الشعب حجب الثقة عن الرئيس الممارس للسلطة و ذلك بمنحها لغيره .
ولكن هذا الأمر يبقى مرهون بحيدة ونزاهة الانتخابات ليصبح الشعب سيد قراره وهذا هو الاعتبار الجوهري والأساسي، و إلا انعدمت أهمية و جدوى تجديد المأمورية لرئيس الجمهورية و إن كان تجديد الثقة بالرئيس لا يكون إلا مرة واحدة .
ـــ الحل الرئاسي للبرلمان
تنص المادة 31 على ما يلي : (( لرئيس الجمهورية بعد استشارة الوزير الأول و رؤساء الغرفتين أن يحل الجمعية الوطنية ))
حل البرلمان هو إنهاء مدته قبل نهايتها التي حددها الدستور و ينصب الحل على الجمعية الوطنية دون مجلس الشيوخ و ذلك لأنه حق موازن و مقابل لحق الجمعية الوطنية في سحب الثقة من الحكومة .
و يعتبر الحل طريقة لدفاع رئيس الجمهورية عن حقوقه وآرائه التي يعتقد أن الشعب يؤيده فيها وفي مقام بحثنا هذا، تأتي المسؤولية السياسية لرئيس الجمهورية في حالة ما إذا جاءت نتائج الانتخابات خلافا لرغبة الرئيس وذلك بإعادة ذات الأغلبية البرلمانية التي حلت وهذا بطبيعة الحال له تأثير على الإرادة الرئاسية و يمكن أن يصل إلى درجة تنحي الرئيس عن الحكم، لأن هذا التصرف يعد اعتراضا شعبيا على سياسته لكن لا يعتبر ذلك إجراء فاسخا للعهدة الرئاسية
وخلاصة القول فإن المسؤولية السياسية لرئيس الجمهورية التي تجعله مرغما على الاستقالة لا تكون إلا أمام الشعب عن طريق الانتخاب أو عن طريق الاستفتاء إذا جاءت نتائج الانتخاب أو الاستفتاء في غير صالحه .
و السر في ذلك يعود لطريقة انتخاب رئيس الجمهورية فهو منتخب انتخابا مباشرا من طرف الشعب و يستمد مشروعيته منه و حجب الثقة عنه لا يكون إلا من طرف الشعب كذلك .