ما هكذا قال الرئيس الجمهورية يامعارضتنا المحترمة
استمعت باهتمام كغيري من الموريتانيين إلي خطاب رئيس الجمهورية الأخير الذي ألقاه بولاية الحوض الشرقي (النعمة) وقد نال الخطاب إعجابي بسبب ما قاله الرئيس وما أتى به من ارقام أماطت اللثام بجلاء عن الكثير من الحقائق التي كان الموريتانيون ينتظرونها .
ولقد كان الخطاب فعلا والحق يقال متميزا ودقيقا، إضافة إلى ما اتسم به فخامة الرئيس من وضوح وشمولية . واستجاب للعديد من أفق انتظارات المواطنين والرأي العام عموما.
ولقد توقعت بالفعل أن تكون هناك بعض من القراءات والتفسيرات وردات الفعل من المعارضة وخصوم العملية الإصلاحية في البلد والرأي العام السياسي عموما. وذلك نظرا لقوة الخطاب وصرامته، لكنني لم أتوقع أبدا أن يذهب مؤولوا الخطاب ومفسروه إلى ما ذهبت إليه المعارضة وقياداتها إلى حدّ اتهام فخامة الرئيس باستهداف شريحة بعينها من المواطنين وتوجيه الكلام لها دون غيرها .
إن هذا التفسير لفحوى الخطاب عار من الصحة تماما وبعيد كل البعد عن الحقيقة، وهو يفضح القائلين به ويكشف نياتهم وإفلاس خطابهم .
إن ما قاله الرئيس حول ظاهرة اجتماعية موجودة بالفعل في مجتمعنا وبشكل مشين للأسف ويدفع ضريبتها مئات الأطفال وعشرات الأسر . لا يختلف عما قاله عن القبلية والجهوية ، وما قام عليه برنامجه من حرب على الفساد ومحاربة للرشوة وهدر للمال العام .
إن الفساد والرشوة وهدر المال وتفشي القبلية والجهوية والتفكك الأسري والتسول والنفاق جميعها ظواهر وأمراض اجتماعية وجدت في المجتمع بسبب فساد الأنظمة السابقة ، ومن قام بنقدها وتسليط الضوء عليها لا يمكن أن يقال عنه بأنه عنصري أو فاشي، بل إن انتقاد هذه الظواهر المرضية يدخل فيما يسميه علماء الإجتماع بالنقد الإجتماعي أو نقد الذات الهدف منه إصلاح المجتمع وتسليط الضوء على ما يعانيه من أوجاع وأمراض بغية إيجاد الحلول المناسبة للتخلص منها. لأن بقائها هذه الظواهر المرضية وعدم التنبه لخطورتها هو فعلا ما يهدد بقاء المجتمع وتماسكه. وهذا العبئ لا يقع على كاهل رئيس الجمهورية وحده، بل إنه يقع على عاتقنا جميعا باعتبارنا مواطنين أولا وباعتبارنا كذلك مثقفين ثانيا.
إن ما قامت به بعض من معارضتنا من تفسير وتأويل لخطاب الرئيس هو غير صائب وقد جانبه التوفيق كثيرا ولن يصدقه أي مواطن يتمتع بفطرة سليمة .
إن التأويل من أجل أن يكتسب معنى ما يجب كما يقول رائد التأويلية جورج كادامير: أن يتسم بالمعقولية والمنطقية ، لأن التأويل أي تأويل هو دائما مسيج بضوابط ومعايير تحدد دلالته الصحيحة أو المقبولة، وإلا كان شططا ونزغا من القول كما ذهبت إلى ذلك معارضتنا المحترمة في قراءتها للخطاب التاريخي للرئيس.