صباح أمس في مقاطعة عرفات ب "حي الفلوجة"، حسب روايات إعلامية متواترة، توفي رب أسرة مسالم، طرق بابه أحد أفراد العصابة متحججًا بطلب المال، فلما أعرب الضحية عن عدم وجود المال، بادر المعتدي للقتل الفوري بسكين، ففارق المعتدى عليه الحياة على الفور.
إنا لله وإنا إليه راجعون، لقد تطور الوضع الأمني في عاصمتنا لمستوى معقد.
قتلة يتجولون هنا وهناك بكل حرية، وبعد التهديد بالسلب أو عند اعتراضهم يقتلون دون رحمة، يهجمون ضمن عصابات منظمة وينفذون مآربهم الوحشية ضد البرءاء.
فهل بعد هذا من تلفت أمني.
إن إحساس الكراهية عند البعض ضد شريحة معينة من المجتمع وتحميلها مسؤولية بعض الظواهر والاختلالات في المجتمع الموريتاني، وتغاضي السلطة عن خطورة مثل هذه الدعوات العنصرية التحريضية الممزقة، ربما من أهم أسباب الحالات الأمنية المتهتكة، المنذرة بتوسع عدم الاستقرار وذهاب الأمان الأهلي بالمطلق، للأسف البالغ.
على ضوء مثل هذه الأحداث لا يمكن التواني عن القول بفشل المقاربة الأمنية للدولة الموريتانية، لأن العاصمة بوجه خاص أصبحت في مرمى العصابات الإجرامية بامتياز.
فاقد الشيء لا يعطيه.
ففي الوقت الذي يدعي فيه النظام نجاح مقاربته الأمنية على حدودنا وفي وجه الإرهاب الإقليمي، يضج داخل العاصمة بالخوف والهلع في بعض المناطق، ويتزايد خطر التشرذم والكراهية والاستهداف ربما بدفعٍ من خطاب شرائحي معروف.
إن هذا الواقع الإجرامي يستدعي التحرك والتخطيط لمواجهة هذا الخطر المتزايد، عسى أن نحد من الانهيار الأمني المروع والمتواصل نحو المجهول.
الدولة قادرة على مطاردة المجرمين، أو هو المفترض على الأقل، فلماذا لا تبذل كل الجهود الجدية في هذا الاتجاه، من أجل كبح جماح الجريمة المتواصلة.
الدولة على مفترق طرق، فإما أن تثبت قدرتها على حماية مواطنيها، وإما أن تتكرس في المقابل حالات التصفية الجسدية المنتشرة أو بعبارة أخرى الحرب الأهلية الخفية السارية في جسم المجتمع، رغم ما هو متداول من شعارات ودعايات متنوعة فارغة.
إن حياة المواطنين على اختلافهم هي أغلى موجود في هذه الأرض، وعندما يقتلون كل حين بدم بارد، فمعنى ذلك أن الأمان في هذه البلاد أصبح في خبر كان.
ومن وجه آخر، أين دور العلماء والدعاة والإعلاميين وأصحاب المنابر عمومًا، لتحذير الناس من القتل ومختلف صنوف الاعتداءات.
فقير يقتل فقيرًا بحجة البحث عن الدراهم، غير مقنع، بل غير مفهوم.
إن هناك شيئًا ما يخلخل نسيج العلاقات بين الناس، وربما لا يريد البعض البوح به.
فهل الأمر الأمر عائد لتنامي الكراهية الشرائحية، من قبل البعض ضد البعض الآخر، كما قلتُ سابقًا، أم الجوع والجهل والانسلاخ الكامل من الأخلاق، هي السبب الرئيس.
واأسفاه، لقد وصل الأمر إلى مستوى مدمر، وما هو أكثر إيلامًا تباطؤ الدولة في وضع الخطة الملائمة للحد على الأقل من هذا الإجرام المتفاقم، المهدد بزوال التماسك الاجتماعي، نحو منزلق حرب أهلية صريحة لا قدر الله.
إن الدعاوي بأن الحياة المدنية تترافق عادة مع هذه الحالات غيرُ مقنع، لارتفاع منسوب الجرائم محل البحث، فالأمر أكثر من حالات هامشية نادرة يفرضها تواجد الناس وزحامهم في حيز محدود.
لقد بات بصراحة مستوى التخطيط والاستهداف، مثيرًا للرعب والتساؤل، ومثارًا لهذا الملف المهمل، فلا بد من مواجهته بما يستحق من كل وجه، وقد يفرض الوضع الراهن، ولو مؤقتًا، ضرورة امتلاك أسلحة فردية مأذونة، حتى لا تكون أرواح الناس سلعة رخيصة للقتلة.
لقد آن للمنابر الحزبية والاجتماعية والحقوقية الخروج من صمتها تجاه عمليات القتل والاعتداء المتصاعد، عسى أن يكون لها دور إيجابي عاجل في وقف هذا النزيف الدموي المؤلم المخيف بحق.
حفظ الله المسلمين ورزقهم مزيدًا من الإيمان والتلاحم.
إن الأمر جلل يستحق النظر والتحرك الجاد من أجل عودة الأمور الأمنية إلى نصابها المتوازن.
ومن الجدير بالذكر أن مثل هذه الاعتداءات والعمليات الإجرامية ستظل بإذن الله شاذة طارئة، لقابلية إيقاظ وتحريك الوازع الديني والقيمي في نفوس الموريتانيين المعروفين بالمسالمة، والذين نراهن على تغلب تراحمهم وتلاحمهم مقابل تأثر أقلية ببعض الخطابات الشاذة.
لكن الواقع الإجرامي الراهن، وما يسجل باستمرار من جرائم واعتداءات يستدعي اليقظة الكاملة والزجر العميق عن هذه المنكرات الشنيعة، لعل غلبة الاستهجان والإجراءات المصاحبة المطلوبة، تقضي على هذه الموجة من "السيبه" النوعية اللافتة.