ما إن تشرف جولة من جولات الصراع السياسي القائم بين السلطة والمعارضة الراديكالية على الانتهاء، حتى تطل التي تليها برأسها ليبدأ التجاذب من جديد بوتيرة قد تكون أكبر من سابقتها.
مساء الجمعة الأخير أسدل الستار على أزمة التعديلات الدستورية من خلال مؤتمر برلماني، وذلك حينما وجهت غرفة مجلس الشيوخ الضربة القاضية لهذا المسار بإجهاض مشروع التعديل.
ومنذ ذلك الحين بدأ خيط الصراع التالي يظهر شيئا فشيئا حتى بدا واضحا للعيان.. إنه المادة 38 من الدستور التي تنص على أنه لرئيس الجمهورية الحق في عرض القضايا التي ذات أهمية وطنية على الاستفتاء الشعبي، وهي المادة التي تبرر بها الأغلبية الاستمرار في أجندة التعديلات الدستورية.
لكن المنتدى الوطني للديمقراطية وحزب تكتل القوى الديمقراطية يصران على أن التعديلات الدستورية لا يمكن أن تدخل ضمن هذه المادة بدليل أن التعديلات لديها باب خاص بها، هو الباب ال11 المسمى: باب التعديلات الدستورية، ويضم المواد 99، 100، و101، وأن مشروع التعديل تم إسقاطه نهائيا بنتيجة تصويت غرفة مجلس الشيوخ.
وبحسب التسريبات القادمة من القصر الرئاسي، فإن الاستفتاء على الدستور سيكون بعد ثلاثة أشهر من الآن، وهو ما يعني أن حرارة الصيف هذا العام ستبلغ أعلى درجاتها بسبب تلازم الحرارة الطبيعية وسخونة الأجواء السياسية المصاحبة.
المراقبون يرون أن الأزمة الحالية تعتبر من أخطر الأزمات التي مر بها البلد منذ استقلاله عن الاستعمار الفرنسي منذ ما يناهز ستة عقود.
يذهب البعض إلى أن نتيجة التصويت عبر الاستفتاء الشعبي سيكون لها ما بعدها من الأثر الحاسم على طرفي الصراع.
ففي حال إقرارها بأغلبية الشعب الموريتاني، فإن ذلك يعتبر مؤشرا على تقاعد النخبة السياسية المعارضة، خاصة في المعارضة الراديكالية.. أما إذا تم إبطال التعديلات الدستورية عن طريق الشعب، وتم احتساب الإبطال الأول الذي قامت به غرفة مجلس الشيوخ في البرلمان، فإن كافة المؤشرات تدل على تآكل النظام، الذين سيكون حينها قد دقت ساعة رحيله، حتى قبل أن يكمل رئيس الجمهورية مأموريته الأخيرة.
ومهما يكن من أمر، فإن الأزمة السياسية الخطيرة التي يعيشه البلد يبلغ مرحلة اللا عودة بمجرد إعلان الرئيس عن اللجوء للاستفتاء الشعبي، الذي يراه المنتدى والتكتل خرقا سافرا للدستور، بينما تراه الأغلبية حقا دستورا مصانا للرئيس بموجب المادة 38، التي باتت تشكل عقدة الأزمة المتفاقمة بين الرئيس والمعارضة الراديكالية.