أفلا تقرئ الأخبار من كل جانب...؟ / المصطفى بن أمون

ما إنْ صوَّت الشيوخ بالرفض ضدَّ التعديلات الدستورية المقدمة إليهم من طرف الحكومة حتى انقسم الكُتاب والمدونون الموريتانيون إلى فسطاطين متشاكسين ومتنافرين بل ومتدابرين ومتنابزين بالألقاب..!!
وطفق الإعلام المستقل وشبه المستقل من مواقع إخبارية وجرائد ورقية وحتى قنوات تلفزية ومحطات إذاعية

 ووسائط اجتماعية...في النفخ في الموضوع وتهويله وتضخيمه إلى أبعد الحدود, وجعل من الحبة قبة,! من خلال العواجل المزلزلة والتحاليل المهولة والعناوين المجلجلة.....!!!
زلزال مدوي بموريتانيا.. تفكك الأغلبية وغضب الرئيس..مأزق سياسي صاعق لا مخرج منه ولا مفر..إسقاط التعديلات الدستورية من طرف الشيوخ الأشاوس..الشيوخ ينتصرون لكرامتهم المهدورة بالضربة القاضية, وو..!!
وعلى نفس الدرب سار الساسة والسياسيون المعارضون من داخل البلاد وخارجها..كلٌ يغني على ليلاه وينفق مما أوتي من فصاحة وبيان... وكل إناء بالذي فيه يرشح,
فهذا يطير به الفرح ويطرحه أيَّ مطرح فتلتبس عليه الوقائع والأماني..فيطالب الرئيس بتقديم استقالته إن كانت لديه بقية كرامة على حدِّ قوله.. ومن الحُبّ ما قتل!! وهذا يدَّعي ويؤكد وإن لمْ يقسمْ هذه المرة وربما اتِّعاظاً بما سبق أنَّ التعديلات الدستورية قد سقطت وأسقطت..وإلى الأبد! وهذا يحاول عبثاً ليَّ عنق القوانين وتكييفها حسب مراميه وهواه..ويفتي بأنه لم يعد أمام رئيس الجمهورية من مخرج سوى الاستقالة والاستقالة فحسب!! وذاك يتأبَّط محبرته ومداده.. ليسطّر بماء الذهب ما عجز عن تسطيره من خلال صناديق الاقتراع,! وهذا يمنح لمجلس الشيوخ شرعية طالما سلبه إيَّاها بلسانه وبنانه..وينظّر للرأي العام الوطني وربما العالمي والدولي.. ولم لا في هستاريا اللاّمنطق واللاَّمعقول...؟! بين الشرعية والمشروعية وكأنها جلباب بيد المعارضة الناطحة تضفيه على من تشاء وتنزعه ممن تشاء!! وهذا وذاك وهذا وذاك....!  
فضاعت الحقيقة بل والموضوعية أيضا.. في معمعان المعركة وأوَّار الوغى!
والذي أودُّ هنا أن أصل إليه من خلال هذه الدردشة القصيرة يتلخَّص أساساً في الملاحظات الثلاث التالية...
الملاحظة الأولي:
هي أنّ تصويت الشيوخ بالرفض لمشروع التعديلات الدستورية المقدمة إليهم من طرف الحكومة ليس نهاية الدنيا بل ولا حتى نهاية المطاف..فالبدائل الدستورية والحمد لله موجودة, والمخارج القانونية متوفرة وغير محدودة,
الملاحظة الثانية:
أمَّا الملاحظة الثانية فهي أنّ الاقتراع أو التصويت السري يتيح بل ويحفظ لكل ذي حق حقه في اختيار ما يريد دون أدنى غضاضة أو إحراج..وإلاّ فما فائدة بل وما أهمية تحضير المعدات المادية واللوجيسية.. للتصويت السري إذا كان لا يحفظ للفرد أن يصوت بما يريد لما يريد دون إكراه أو تمحيص..؟
ثانياً من المعلوم بديهياً أنّ أيَّ تصويت يفضي بالضرورة إمَّا إلى النجاح وإمّا إلى الخسارة وهذان الاحتمالان أمران طبيعيان ومستساغان جدا جدا..ولا منقصة فيهما ولا غضاضة...
الملاحظة الثالثة:
وتتمثل في أنه رب ضارة نافعة, وكل محنة في طيها منحة..كما يقال, 
لقد أظهرت حادثة الجمعة الماضية للرأي العام الوطني بل وللرأي العام الدولي والأممي.. بما لا يدع أدنى مجال للتقليل أو التشكيك.. في مدى نزاهة وشفافية الديمقراطية الموريتانية فلكل أحد حتى ولو كان من أغلبية الأغلبية أن يصوت بما شاء لما شاء..دونما ترغيب أو ترهيب..فلا إكراه ولا إغراء ولا ولا..ولا هم يحزنون!! فلو كان للمعارضة الناطحة في موريتانيا مثقال ذرة أو حبة خردل من حياءٍ أوْ إنصاف.. لتوافدت زرافات ووحدانا.. صوب القصر الرئاسي مهنِّئين ومثمنين ومباركين... لرئيس الجمهورية ما وصلت له الديمقراطية الموريتانية من شفافية وتألق...وقديما قيل الإنصاف من شأن الأشراف, هل كان أكثرهم تفاؤلا يمكنه أن يتخيل أو يتوهم.. أحرى أن يطمع أن يصوت لصالحه شيخاً من الأغلبية أو نائباً أوْ حتى مستشارا بلدياً في
أقاصي البلاد وفي الهزع الأخير من الليل ومن وراء حجاب... ضدَّ التعليمات النيرة لصاحب الفخامة في العصور الفارطة, التي باتوا يتباكون على عهودها الغابرة, ويتبنوْن ما بقيَّ من وجوهها السافرة...!! أمْ أنَّ السعي معهم من دار الشباب الجديدة وحتى ساحة ابن عباس تكفر كل ما مضى إنّ لله في خلقه شئون؟! وكأنها لم تقم بحل أحزابهم, ولم تضيق على حرياتهم, أو لم تقم بسجنهم ونفيهم بعيداً عن الأهل والأحباب...!!
وكأنَّ رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز لم يبيِّض منهم السجون ولم يفتح لهم الحريات المطلقة في الأقوال والأفعال...!ألم يفتح لهم الإعلام على مصراعيه دون رقيب أو حسيب..؟ ألم يرخص لهم المظاهرات والوقفات والمسيرات...أنَّى شاءوا ومتى شاءوا وكيفما شاءوا..؟ ألم يدعهم للحوار الشامل مرارا وتكرارا في كل صغيرة وكبيرة ودون سقف أو حدود..؟
ألم ألم...؟! والله ما حال المعارضة الناطحة وحال الرئيس محمد بن عبد العزيز إلاَّ كما قال الشاعر القديم قعنب ابن أمّ صاحب في خصومه:
إنْ يسمعوا سبة طاروا بها فرحاً***عني وما سمعوا من صالح دفنوا
صمٌ إذا سمعوا خيرا ذكرتُ به***وإنْ ذكرت بشر عندهم أذنُ
        ختاما إن الوطن وطننا جميعا موالاة ومعارضة بيضاً وسودا وحمراً وسمرا.. ولا يمكن أن نجد وطنا سواه نسكنه إذا ما فرطنا فيه لا قدر الله كما لا يمكن لأحدنا أن ينفي منه الآخر أو يقصيه...,
إذاً فعلينا ترشيد خطاباتنا وانفعالاتنا وسياساتنا ومواهبنا...بل وأكثر من ذلك علينا في هذا الوقت وأكثر من أيِّ وقت مضى أن ننميَّ القواسم المشتركة بيننا وأنْ نعلم أننا مسئولون أمام الله وأمام الشعب وأمام أنفسنا على أن نحافظ على أمن هذا الوطن واستقراره ورفاهيته وازدهاره..سواء كنا معارضة أو موالاة أو لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء, أو أو..فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.  
ولله الأمر من قبل ومن بعد, عليه توكلت وإليه أنيب.

21. مارس 2017 - 22:25

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا