من المؤسف حقا، أن الفقهاء القانونيين الذين قاموا بصياغة الدستور الموريتاني لسنة 1991، كانوا لدرجة من الولاء للسلطة التنفيذية، أو لدرجة من عدم اليقظة، جعلتهم يقصرون عن وضع جواب قانوني للحالة التي توقف فيها السلطة التشريعية مقترحات مراجعة الدستور المقدمة من السلطة التنفيذية،
مما جعلهم يقعون في أخطاء ، جعلت بعض مواد الدستور غامضة، ولا تفي بالمطلوب..
ولا أعلم حقيقتا، كيف لخبير دستوري بحجم أستاذنا محمد الامين داهي ، وزملائه في صياغة الدستور، أن يعجزوا عن صياغة المادة 99 من الدستور الموريتاني على نحو يجعلها واضحة وجامدة، وتجيب على السؤال المعلق، ما هو الحل إذا رفض البرلمان مقترح التعديل الدستوري؟ .ولماذا وضع الخبراء المؤسسين للدستور، حلا في حالة قبول البرلمان بمقترحات تعديل الدستور، ولم يتطرقوا للحالة التي يرفض فيها البرلمان، مع تجاهلهم لإمكانية تقديم مشروع التعديلات من جديد، والمدة الزمنية التي يمكن فيها إعادة اقتراح التعديل لقراءة جديدة ؟. وهل يقبل منطقيا و قانونيا ، أن مشاريع القوانين العادية تجوز إعادتها للبرلمان في حالة رفضه لها، ولا تجوز إعادة مشاريع تعديل الدستور؟.
شخصيا أتفق مع القائلين بأن كل مراجعة للدستور لا تحترم أحكام الباب الحادي عشر من الدستور الموريتاني هي مراجعة غير دستورية، و لا أرى أن المادة 38 التي تتحدث عن إمكانية استشارة رئيس الجمهورية للشعب في القضايا الوطنية، المقصود منها حقه في عرض مراجعة الدستور على استفتاء شعبي بدون موافقة البرلمان، وذلك لسبب بسيط هو أن هذه القضية خاصة، و محددة بشكل صريح، وبمسطرة واضحة تحدثت عنها المواد 99، 100، 101، ومن المسلم به في فقه القانون أن القاعدة الخاصة تقيد القاعدة العامة ، وأنه لا اجتهاد مع وجود نص.
إن القول بعدم إمكانية مراجعة الدستور الموريتاني، بعد رفض مجلس الشيوخ لمشروع المراجعة، قول يخالف مبادئ العدالة ودولة القانون، كما أن القول بإمكانية تعديله بالمادة 38من الدستور فيه نوع من الخروج الواضح على النص الدستوري.
وأعتقد أن الحل السليم في مثل هذه الظروف، والذي لا يخالف القانون، هو الرجوع لأحدى الخيارات التالية، مع أنني أفضل الخيار الأخير.
أولا: إجراء حوار وطني، يشارك فيه كل الفرقاء السياسيين، يفضي إلى تنظيم انتخابات سابقة لأوانها، يترتب عنها تجديد للمجالس البلدية والبرلمان بغرفتيه، وبعدها يتم تقديم مشروع التعديلات المتفق عليها، حسب المسطرة العادية للتعديلات الدستورية، التي يوضحها الفصل الحادي عشر من الدستور ، على أن يكون من ضمن هذه التعديلات مراجعة لطرق مراجعة الدستور، تؤمن في المستقبل مسطرة قانونية غير متنازع بشأنها.
ثانيا: الرجوع إلى ما تقرره الدساتير المقارنة في مثل هذه الحالة، والتي تعطي الخيار للسلطة التنفيذية، في أن تعيد مشروع التعديلات إلى البرلمان في قراءة ثانية، على أن يكون ذلك بعد مدة محددة. مع ضرورة أن يتم ذلك هنا، بعد تطبيق قرار مجلس الشيوخ رقم 001/2016 القاضي بتجديد مجلس الشيوخ.
وقد نص الدستور المصري لسنة1971على مثل هذه الحالة المبينة أعلاه، في مادته رقم 189 التي تقول" أن لرئيس الجمهورية ومجلس الشعب طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، ويجب أن يذكر في طلب التعديل المواد المطلوب تعديلها والأسباب الداعية إلى هذا التعديل...وفى جميع الأحوال يناقش المجلس مبدأ التعديل ويصدر قراره في شأنه بأغلبية أعضائه، فإذا رفض الطلب لا يجوز إعادة طلب تعديل المواد ذاتها قبل مضى سنة على هذا الرفض.
ثالثا: التراجع عن التعديلات الدستورية، و صرف الميزانية المخصصة لها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مع التركيز على تنفيذ ما تبقى من البرنامج الانتخابي لفخامة الرئيس السيد محمد ولد عبد العزيز، والبحث عن مسار يؤمن مستقبل هذا الوطن، ويجعل أهله في مأمن عن ويلات الصراع، ومآسي الفوضى.. والخروج عن القانون.