استنطاق الصامت جدا في لقاء الرئيس مع الصحافة / باب ولد سيد أحمد لعلي

إذن رسميا موريتانيا على وشك استفتاء شعبي من شأنه تغيير شعارات الدولة وثوابتها تبعا لأغراض يعلم الله الهدف منها ، ورسميا انتهى عهد الحوارات السياسية أو المسرحيات على حسب ما تحبذ المعارضة وصف ذلك بالخصوص إذا ما ارتبط الأمر بالنظام ورموزه ، في الوقت الذي أعلن رسميا فيه 

حسب ما بدا من تعابير وجه وأفعال رئيس الجمهورية الصدمة والهزيمة التي عقبت تصويت شيوخ الأغلبية أو أغلبهم ب"لا" على التعديلات الدستورية التي كانت تدعمها وبشكل قوى على حسب ما يبدو الأغلبية كلها ...
حاول الرئيس الحفاظ على شكل الخارطة السياسية الحالي والتحفظ على أي شيء قد يبدو من خلالها أثر مشكل حقيقي بين الأغلبية ونفسها ، مع أن الصامت قد يكون أعظم وأدهى ، فلا حوار جديد سيفتح ولا تراجع عن التعديلات التي أسقطت الغرفة العليا من البرلمان والأمر سيسير والأغلبية كلها بمختلف تشكيلاتها ستدعم ذلك وستعارضه في المقابل المعارضة وتدعو ضده من أجل إسقاطه ، هذا ما يمكن أن يستخلص بشكل عام من لقاء الرئيس الموريتاني بالصحافة ، وإذا ما حاولنا الدخول في التفاصيل فيمكن جرد مجموعة من الملاحظات بغض النظر على طبيعتها سلبا أو إيجابا أو عن موقفي الشخصي منها ، فسأحاول عرضها في عجالة ومناقشتها تبعا لذلك علي أستخرج منها ما يفيد ويساعد في تفسير ملامح الآتي ، هذه النقاط سأدخل فيها النفسي والسياسي طبعا واستعرض جدل العلاقة بين المتغيرين وانعكاساتها على موريتانيا ومستقبلها القريب أو البعيد ...
أولا البعد النفسي : بشكل عام كانت ذاتية الرئيس حاضرة في كل كلامه الأول والأخير مع محاولة اعترافه بالنسبية وبعدم الكمال المطلق ، فلذلك استحضر أول تصريح له بعد انقلاب 2005 وما قال بشأن الفترة التي سيحكم الجيش أو سيقضي في الحكم واستحضر تبعا لذلك ماضيه نافيا من خلال ذلك أن تكون عنده مشكلة مع القانون وقال أنه تولى كذا في الجيش وكون كذا ...إلخ كما حاول استحضار الحريات والديمقراطية في البلد على شكل منة في الوقت الذي انتقد فيه تذمر أهل النعمة من العطش معتبرا أن هذا التذمر لم يكن موجدا إلى مع اصلاحاته هو حسب تعبيره ، ويمكن أن نستخرج من ذلك عقدة الماضي التي يبدو أنها تلاحقه عندما اعتبر أن من يطالب بحل مشاكل العطش أشخاص كانوا مسؤولين في الماضي ، ومن جهة أخرى يدعي الرجل المعرفة الكلية بأهل موريتانيا وبشعبها ، وكأنه الوحيد الذي لا يمكن أن يحدث الإصلاح بدونه ، كما أنه بدا في تصرفاته وكلامه استياء من أي سؤال لا يوافق هواه أو عنده تحفظ عليه ، مثل سؤال تفتيش الرئاسة وقضية المنطق الذي ستقنع به الأغلبية الشعب في الوقت الذي لم تستطع أن تقنع به 33 شيخا ...
ثانيا متناقضات يمكن رصدها : وأنا أتابع كلام الرجل ورده على أسئلة الصحافة المحاورة له لاحظتُ متناقضات سأحاول حصر بعض منها ، من هذه المتناقضات ، اعتباره أن البلد ديمقراطي في الوقت الذي يقول أن بضعا وثلاثين فرد لا يمكن أن تعرقل مسار أمة على العلم أن الكمية هي الأغلبية التي صوتت بلا واسقطت التعديلات الدستورية ، فلو كان البلد ديمقراطي لتراجع النظام على التعديلات التي أسقطت الغرفة العليا من البرلمان بدليل أنه في نفس الوقت أجاب حين سؤل عن مشاريع قوانين سحبت من البرلمان وقال أن البلد ديمقراطي وأن البرلمان أسقطها ك"قضية التدخين" فكيف نرفض وحدة من هذه ونقبل أخرى ...!
يضاف إلى ذلك أن الرجل الذي يقول أن ما قال في أول تصريح له بعد انقلاب 2005 أن الجيش سيسلم السلطة  للمدنيين هو من انقلب بالجيش على المدنيين وأزاحهم بعدما دعم تمرد برلماني وراء الكواليس ضدهم ، فكيف يقول أن الجيش هو من حُكم به وهو بقيّ لمدة ثلاث سنوات في الجيش يعد انقلابه 2005 يتلاعبُ بالرجال ويدير الدولة على رؤوسهم ..!
ثالثا الأزمة السياسية : أنا اعتبر أنه هناك شرارة خافة داخل الأغلبية وصراع قوي سيتجلى ويخرج للعلن في وقت قريب ، وقال الرئيس أن مشاكل الأغلبية ستسويها الأغلبية مع نفسها وفي هذا القول من الأخذ والرد الكثير فقد يفهم من خلاله مرسوم رئاسي يزيح أقواما ويثبتُ آخرين مكانهم ، لكني أرى تبعا لذلك أن هناك أيادي خفية تدير اللعبة في الخفاء وتسير الرجل إلى حيث لا يبصر من أجل الاستحكام بعده ، وهذه أمور تبقى سيناريوهات مالم تتجسد على الواقع عينا ، ويبقى السؤال أو الإشكالات المطروحة هل سيغير أو يعدل الرئيس في المشروع الدستوري الساقط المرفوع ؟ أم أنه سيقدمه إلى الشعب بما هو ليرده الشعب أو يجيزه؟ وأي دور ينتظر من المعارضة حيال كل ذلك في مختلف حالاته كان؟
على كل حال فإن الإجابة عن السؤالين الأول والثاني ليست واردة الآن بشكل شافي ، وإنما المتوفر الآن مجرد توقعات ، وأرجح أن تتم تعديلات ولو جزئية في المشروع الدستوري قبل إحالته في استفاء إلى الشعب ، وهو أمر يدعمه تفاجئ الرئيس من المحكمة السامية التي قال أنه لم يعرف أمرها إلا قبل أيام وأنه يمكن أن يتركها في حالها ، وأشار تبعا لذلك إلى أن الأمر في يد اللجنة العليا للحوار التي على ما يبدو سيوكل إليها ما إذا كانت هناك تعديلات في المشروع الدستوري أم لا...
أما عن موقف المعارضة حيال ذلك كله ، فاعتقد أن الرجل لا يزال في على موقفه الأولي السلبي منها والذي يقرر من خلاله قطع كافة الطرق أمامها ، لكن أرى أنه يجب أن تساير المعارضة الأمر بعقلانية من أجل أن تزيد من حدة التأثير في الرجل ونظامه ، ويجب أن تدعوا الشعب تبعا لذلك إلى التسجيل في اللوائح الانتخابية بكثر إذا ما أصرّ هو على استفتاء لإن اضراب الناس عن التسجيل الذي يمنعهم من التصويت أمر قد يخدم النظام ، لأنه قد لا يسجل على اللوائح إلا الذين يدعمون تعديلات النظام الدستورية وبالتالي يسهل ذلك نجاح المشروع ، أما عندما تدعوا المعارضة للتسجيل فإن ذلك من الأمور التي تساعد على إسقاط المشروع مرة أخرى واعتقد أن الصدمة التي ستتخلل إسقاط الشعب للمشروع ستكون أعظم بكثير من صدمة إسقاط الشيوخ له.
وعلى العموم فإن تجربة الرجل علينا من خلال معظم السنوات التي حكم تقول أن هذا الإصرار على تمرير المشروع الدستوري شعبيا قد يصاحبه خفوت ينهي الموضوع حتى إعادة صياغته بطريقة ما ، كما أن عزمه على تجاوز الحوارات قد يكون في حد ذاته دعوة من نوع ما لحوار جديد ، وقد تثبتُ له الشواهد والمعطيات الشعبية ضرورة ذلك ، يشار على أن قضية أفق ما بعد 2019 حاضرة وتربك سير العلاقات الطيبة والطبيعية بين الأغلبية وبينها ، وكل تلك مؤشرات على عدم وضوح المرحلة القادمة ، وربما لم يستعمد الرجل إخفاء كل ذلك لجهله به نتيجة لمؤامرة من نوع ما تحيط به.

23. مارس 2017 - 11:00

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا