جاء الافتتاح ايحاءًا صريحًا بأن دعامة حكمه الأولى هي الجيش.
فمن غير مناسبة هنأ الجيش وذكّر بما يقومُ به من دور في الخارج.
إذن ربما في نظره الوضع الراهن صعبٌ، وقد يكونُ التحسس من انقلاب حسب سياق هذه الافتتاحية المفاجئة غير مستبعد.
وتخوفٌ من انهيار أغلبيته، فهو لا يُريدُ التصعيد كثيرًا ضد الشيوخ، الذين صوتوا ضد التعديلات، فكانت لهجته في هذا الاتجاه أخف، ومن وجه آخر، قال أنه لا يقبلُ الإيقاع به ،مؤكدًا عدم الاستجابة للاستفزاز، وأن شأن الأغلبية يعنيها ولا يعني الصحافة في نظره.
إذن حرص شديد على تماسُك مؤيديه.
ويتلخصُ المشروع الذي أفصحَ عنه ولد عبد العزيز أنه لا يؤمن إلا بالرأي الأخر.
عسكري صِلف، عازم على إقحام الوطن في أزمة دستورية إلى جانب الأزمة الاقتصادية والسياسية الخانقة.
فرغم رفض الكثير من أساتذة القانون الدستوري لهذا القفز على البرلمان وعرض التعديلات الدستورية من دونه على الشعب، إلا أن عزيز قرر الذهاب إلى الاستفتاء، مهما كلف من تعسُفٍ وعدم استقرار وتبذير للأموال الغالية، صعبة التحصيل.
أما بالنسبة لموضوع السياحة في آدرار، فقد طرح الزميل سيدي محمد ولد بلعمش "مراسلون" سؤالاً حول هذا القطاع، واحتمال رفع اللون الأحمر عن تلك المناطق من قِبل السلطات الفرنسية، ورغم رفض الرئيس الذي عبر عنه، لمختلف الابتزازات والإملاءات الخارجية، إلا أنه لم يتفهم حاجة آدرار الماسة للسياحة، لما جلبت عليها من منافع، ما بين 1997 و 2007، ومنذ عشر سنوات في المقابل، ظلت متوقفة، دون أن تُقدِمَ الدولة بدائل كافية، من مشاريع مُدرة للدخل، لصالح سكان الولاية، الذين بدأوا يعبرون بصراحة عن تضررهم من توقف النشاط السياحي.
كرس المؤتمر الصُحُفي حرص الرئيس على توريط المسرح السياسي الوطني، ولمزيد من الوقت، فى الإشكال الدستوري، عبر هذا التعديل الدستوري المثير الذي يقترح تغيير العلم والنشيد الوطنيين، وهو ما يلقى رفضًا قويًا في جميع الأوساط المدنية والعسكرية، حسب ما رصدنا.
مما يعني رفضًا واسعًا ضمنيًا لهذا النظام، مهما عمل على إخراج نتائج مُبهِرَة لصالح الاستفتاء المُرتَقَب.
إن عدم استقرار الحقبة الراهنة وعدم وجود ضمانات اقتراع حُر وفرز نزيه ومشارفة عُهدة الرئيس الثانية والأخيرة على الانتهاء، كلها مُعطيات لا تُعضدُ التوجه نحو هذا الاستفتاء، لكنها ربما روح التحكم والإصرار المطلق على الرأي الواحد، مما قد يولد حالة غير مسبوقة من الإمتعاظ والرفض، مهما خفي أحيانًا أو استفحل على وجه غير متوقع.
ظهر الرئيس في تعامله مع الصحافة بأسلوب لا يخلو من المُضايقة والسخرية.
فعندما ذكروه بنتائج الأيام التشاورية حول الصحافة لم يُفصح عن جواب إيجابي مُثمِر، وعندما استقلوا مُجددًا ما يحظون به من دعم مالي رمزي، وعد على سبيل السخرية بالدعم عند استخراج الغاز، مما يعني أن الغاز استخراجه لا زال بعيد المنال.
ورغم هذه الملاحظات، فقد يُمثل هذا المؤتمر الصحفي الرئاسي بهذا المستوى من الحشد والحضور المتنوع والمساحة الزمنية المعتبرة دعمًا وتشجيعًا للمهنة الصحفية، وإكبارًا لمكانتها في الدولة، واعترافًا رسميًا بوجود صحافة مستقلة، قادرة على تناول الشأن العام من كل وجه، بمهنية جديرة بالتقدير.
وهو ما يستدعي دعم الإعلام المستقل ودفع ما يُعانيه من حصار مالي معوِّق.
وعلى العموم سيستدعي هذا التوجه السياسي الضاغط لعرض هذا التعديلات الدستورية المزيد من الحذر من انزلاق البلد إلى منعطف حرج غير مُستبعد، خصوصًا أن المعارضة الراديكالية ولها وزنها، لا تقبل إطلاقًا هذا الاستفتاء المرتقب، كما أن الجيش لا يخلو من تململ خفي وعدم انسجام مع التغيير الدستوري الحرج،وبوجه خاص ما يتعلق منه بالعلم الوطني.
ومن خلال الإجابة على أحد الأسئلة فُهِمتْ الإشارة إلى اعترافٍ بتدني مستوى العلاقة مع المغرب، حيث ينتظر كل طرف تعيين سفير ويكتفي في المقابل بالتمثيل الدبلوماسي عبر قائم بالأعمال، مما يشير إلى توتر مزمن صعُبَ التغلب عليه، وظل يُعبر عن نفسه بصور مختلفة حسبَ المتاح والظرف الثنائي والإقليمي.
ولوحظ على مدار المؤتمر الصحفي التحفظ والترقب من مُجمل الأسئلة، وخصوصًا أسئلة الزميل الهيبة ولد سيداتي، ربما لأنه محسوب على التيار الإسلامي ويُدير موقعًا إخباريا يحظى بإقبال واسع، ومن وجه آخر اتهم الرئيس مجددًا الزميل محمد محمود ولد أبي المعالي ضمنيًا بالصلة بالقاعدة، في إشارة منه لاطلاعه على علاقة وكالة انواكشوط للأنباء ببعض السلفيين في المنطقة، وهو ما يُعتبر تكرارُه من قِبل الرئيس غير ملائم، لأن مثل هذه العلاقات من طرف الصحفيين قد لا تتجاوز استسقاء الأخبار والسبق الصحفي.
وهذه الإشارات من طرف ولد عبد العزيز بمضامين وإيماءات مُختلِفة تدل على متابعته للصحافة الخاصة، وأنه يحسب لها حسابًا، ومُجملُ موقفه منها عدم القُدرة على الحد من حريتها إلا عن طريق عدم توسيع الدعم أو التضييق المادي على الأًصح، وهو ما يُعبر عن عدم تماهيه مع مُقترحات الصحافة لحل بعض مشاكل مهنتهم.
وفي المُجمل كان بإمكان عزيز التمهيد لخروج سلس عبر تجنب هذه المطبات الدستورية وعدم الإصرار على التوجه لهذا الاستفتاء المثير، إلا أنه بدا في المؤتمر الصُحفي أشد حرصًا على نظرته الخاصة وتمرير تعديلاته الدستورية المتعثرة، وهو ما يُعبر بوضوح عن انغماسه في التعنت والغرور الكبير وعدم إفساح المجال للرأي الآخر.
شخصٌ واحد يُراهِنُ على فرض إرادته على شعب بأكمله، مهما سبّبَ ذلك من انسدادٍ وتفاعلات مقلقة.
فهل يُكمِلُ مشوار التغلب أم وراء الأكَمَةِ ما وراءها.