ما لم يقله شيوخ الوسطية وفقهاء السلطان للسيد الرئيس / د.محمد المختار دية الشنقيطي

ما لم يقله شيوخ الوسطية وفقهاء السلطان للسيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز في انقلابه على العادلة والحقوق والدستور؟!...
رسالة للرئيس محمد ولد عبد العزيز بين يدي تعديلاته الدستورية؟
سيدي الرئيس، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-:" الدين النصيحة قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله والأئمة المسلمين وعامتهم..."

 صحيح مسلم كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة. وقال:" أنصر أخاك ظالما أو مظلوما، قيل يا رسول الله! أنصره مظلوما، فكيف أنصره ظالما؟! قال:"تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه" أخرجه البخاري في صحيحة وأحمد في مسنده والترمذي في سننه.
سيدي الرئيس إن الظلم ظلمات، يجلب لصاحبه غضب الرب سبحانه وتعالى، وبسبب الظلم يسلط الله على الظالم شتى أنواع الخسارة والخيبة والنكال وصنوف العذاب، والظلم فساد للرعية في سلمها، وبسببه تشتد المئونة على العباد في الأرزاق، والظلم خراب للديار، ومصادر الأرزاق، وبسببه تنتشر الضغائن بين الأفراد، والحروب بين الفئات، وتنهار الدول، وبسبب الظالم يُحْرَمُ الله العبد من شفاعة رسوله- صلى الله عليه - بجميع أنواعها، والظلم دليل على ظلمة القلب وقسوته، والظلم يؤدي إلى صَغَار الظالم عند الله وذلته في الدنيا، فينقلب عليه، أنصاره في الدنيا، ويلعنونه في الآخرة، فيستوجب بسبب المظلومين الشقاء والعذاب.
والظلم يا سيادة الرئيس هو مجاوزة الحد ووضع الشيء في غير موضعه الشرعي، سواء كان ذلك تدبيرا سياسيا، أو تقنينا لقانون، أو تعين مسئول، أو إعطاء امتياز، أو جمعا لمال، أو إنزال العقاب بمجرم، أو تأديب خصم سياسي ؟..
وهو أيضًا عبارة عن التعدي عن الحق إلى الباطل وذلك هو عين الجور؛ والجور والظلم هو الانحراف عن العدل يمينا أو يسارا. وهو محرم في الشريعة نصوصا وعدلا ووسطية، قال تعالى، كما في الحديث القدسي، فيما يروى النبي- صلى الله عليه وسلم- عن ربه:" يا عباد إني حرمة الظلم على نفسه وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا"أخرجه مسلم في صحيحه.
فالله تعالى، حرم الظلم على نفسه وعلى عباده، وتوعد عز وجل الظالمين بعذاب أليم في الدارين، وذلك لما له من عواقب وخيمة على حياة الأفراد وعلى المجتمعات وبقاء الدول.
فالظالم ممقوت شرعا، ومبغوض فطرة إنسانية، و منبوذ عقلاً، والظالم مقصي عن النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، وعاقبته في الدنيا سريعة ماحقة، وهو صفة نقص وضعف وهزيمة للظالمين، قال الإمام الذهبي صاحب سير أعلام النبلاء:"الظلم يكون بأكل أموال الناس وأخذها ظلمـًا، وظلم الناس بالضرب والشتم والتعدي والاستطالة على الضعفاء".
والأجل ذلك تكاثرت النصوص الشرعية في ذمه والتحذير منه ومن عاقبته، فعن أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم:"إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته"، ثم قرأ:{ وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} الحديث متفق عليه، والآية 102 من سورة هود.
روى الإمام أحمد في المسند بإسناد حسن عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:”دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا (أي فاسقا) ففجوره على نفسه".
وفي الأثر:"خمسة غضب الله عليهم إن شاء أمضى غضبه عليهم في الدنيا وإلا أمر بهم في الآخرة إلى النار: أمير قوم يأخذ حقه من رعيته ولا ينصفهم من نفسه ولا يدفع الظلم عنهم، وزعيم قوم يطيعونه ولا يساوي بين القوي والضعيف ويتكلم بالهوى، ورجل لا يأمر أهله وولده بطاعة الله ولا يعلمهم أمر دينهم، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه العمل ولم يوفه أجرته، ورجل ظلم امرأة صداقها".
وجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"من ضرب سوطا ظلما اقتص منه يوم القيامة". وقال علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-:“يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم". وقال أبو الدرداء - رضي الله عنه- :“إياك ودمعة اليتيم، ودعوة المظلوم، فإنها تسري بالليل والناس نيام".
وعن أبي أمامة قال:” يجيء الظالم يوم القيامة حتى إذا كان على جسر جهنم لقيه المظلوم وعرفه ما ظلمه به، فما يبرح الذين ظُلموا بالذين ظَلموا حتى ينزعوا ما بأيديهم من الحسنات، فإن لم يجدوا لهم حسنات حملوا عليهم من سيئاتهم مثل ما ظلموهم حتى يردوا إلى الدرك الأسفل من النار".
وقال أبو العيناء:“كان لي خصوم ظلمة، فشكوتهم إلى أحمد بن أبي داود، وقلت: قد تضافروا عليَّ وصاروا يدًا واحدة، فقال: {يد الله فوق أيديهم}، فقلت له: إن لهم مكرًا، فقال:{ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله}، قلت: هم من فئة كثيرة، فقال:{كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله}.
ونادي رجل من عامة الناس أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك ـ وهو على المنبر ـ : يا سليمان اذكر يوم الأذان، فنزل سليمان من على المنبر، ودعا بالرجل، فقال له: ما يوم الأذان؟ فقال: قال الله تعالى:{ فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين}، واللعنة هي: الطرد من رحمة الله.
وحكمة التاريخ وعير السلطان والملك في الزمان، تقول: من طال عدوانه زال سلطانه، ومن حيث كان يتوقع أمانه؟ .
والله جل وعلا ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة، ومنشأ الظلم ودوافعه عبر التاريخ يا سيادة الرئيس:
1- الجهل: والإنسان بطبعه عدو لما جهل، والقصد هنا: الجهل بمصير الظالمين، وهذا من ما يدل عليه قول الله تعالى:{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ }سورة الحديد الآية: 16.، فهم يستحلون الظلم ويجدون فيه مبتغاهم، وقد{ طبع الله على قلوبهم}.
2- الحرص على المصالح والامتيازات المكتسبة من غير وجه حق شرعي سمات نظامكم: إن الثراء العريض، والغنى الفاحش الذي يعتبر سببا مباشرا من أسباب الاستكبار والاستعلاء بغير حق، وممارسة الظلم على الضعيف والمسكين والمعارض وكل من يحمل شعار التغيير لبرنامجكم  وسياسة حكومتكم، ويطالب بالإنصاف الاجتماعي، وببسط العدل السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الدولة، لهو من أعظم أنواع الظلم وشنع صنوف البغي، الذي يعجل الله لصاحبه العقاب والهلاك والعذاب.
وإن الحرص الدائم عند الظالمين على تلك الامتيازات والمصالح وحمايتها قد ظهر منذ الأزل، وهو عين الصراع الحاصل في التاريخ، والحاصل اليوم عندنا في ظل نظامك بين الحق والباطل، بين المستضعف والمستكبر، بين البائس والمحروم من رعيتك، وبين المتخوض في المال الغلول الذي جمعه سحتا وغشا وسرقة، تحت راية موالاتك ونصرة مشروعك؟!
سيادة الرئيس إن قصص الأقوام السابقة وأنظمتها المعتزة بقبيلها وأمنها وجيشها وبغناها مبسوطة لتحذير والتذكير في كتاب الله تعالى لمن كان له قلب أو ألق السمع وهو شهيد، وما سيد وولي نعمة الأقلام البائسة المنافقة الملتفة من حولك المدعية الدفاع عن سياستك أمعمر ألقذافي عنك ببعيدة، وعين المصير ونفس العقوبة يقول الله عنها:{ وما هي من الظالمين ببعيد}..سورة هود، الآية: 83.
سيدي الرئيس: إن الظلم يجلب غضب الرب سبحانه وتعالى، والظلم يتسلط على الظالم بشتى أنواع العذاب، من ثورة المغبونين والمضطهدين والمسحوقين والمظلومين، وفساد الأنصار وخيانة الموالاة،{ وما يعلم جنود ربك إلا هو}سورة المدثر، الآية : 31..
فالظلم من المعاصي التي تعجل عقوبتها في الدنيا، وكيف تقوم للظالم قائمة إذا ارتفعت أكف الضراعة من المظلوم، وربه يناديه:"وعزَّتي وجلالي لأنصُرنَّكِ ولو بعد حين"رواه الطبراني وصححه الألباني.
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا *** فالظلم ترجع عقباه إلى الندم
تنام عينك والمظلوم منتبهة *** يدعوا عليك وعين الله لن تنم
والرسول القائد القدوة - صلى الله عليه وسلم- يقول:" ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم"،هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود كتاب الأدب باب في النهي عن البغي، وابن ماجه، وابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد.
وجاء في شعب الإيمان للبيهقي:"أن مسلما بن يسار سمع رجلا يدعو على رجل ظلمه، فقال له مسلم: اترك الظالم إلى ظلمه فإنه أسرع إليه من دعائك عليه، إلا أن يتداركه بعمل وقَمِن أن لا يفعل".
وتحكي كتب التاريخ أنه عندما ذبح الطاغية الحجاج ولي الله سعيد بن جبير، أرسل الله عليه واعظا من داخله يعذب نفسه وبقطع رجاؤه في الحياة، فصار يتأسف ويتحسر ولا تحين مناص ويردد: مالي ولسعيد، ولبث بعد هذه الفعلة الشنيعة خمسة عشر يوما ثم توفي.
إن من سنن الله تعالى المطردة أن الظالم تصيبه دعوة المظلوم: قال النبي - صلى الله عليه وسلم:" اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرا، فإنه ليس دونها حجاب"أخرجه مالك في الموطأ عن أنس بن مالك، والألباني في السلسلة الصحيحة، برقم : 767..
فكيف يا سيادة الرئيس بالمظلوم إن كان مسلماً، وكيف بالمظلوم إن كان  من رعيتك وممن ابتليت بالمسؤولية عنه ولو كان معارضا لسياستك وبرامج حكومتك وذلك له حق مشروع ؟!!.
سيد الرئيس يقول الله عز وجل على لسان نبيه نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام:{ رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا}، سورة نوح الآية: 28..
فالظالم لا يُفلح ولا ينجح في السياسة والتدبير أبدا: ومن سلك أعوانه وأنصاره طريق الظلم في الرعية، فإن بابه في النهاية مسدود، وسياسته إلى الخراب والبوار، والخير منه ومن تدبيره موؤود، وإن زين له شيطان التضليل وإن صفق له الجاهل المغرور أو الكاتب المأجور، أو الفقيه البائس المفتون، والله يقول:{ قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون} سورة الأنعام الآية: 135.. ويقول جل في علاه:{إن الله لا يهدي القوم الظالمين} سورة آل عمران الآية: 86. وقال:{ ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين} سورة يوسف، الآية : 51.
والظلم هو السبب المباشر لكل المصائب التي تصيب الإنسان في الدنيا من الأوجاع والأسقام والفقر وذهاب الأولاد والأموال والقتل والتعذيب، وما تعانيه الأمة الإسلام اليوم من ذلة وهوان، والأمة الموريتانية على وجه الخصوص في ظل حكمكم حتى أصبح أئمة مساجدها في الجمهورية الإسلامية الموريتانية يتلقون الدروس في الإسلام والشروح لمفاهيمه وقيمه من وسطية واعتدال من سفير أجنبي وغير مسلم وأنت الذي تقول أنك لا تقبل الإملاء ولا التدخل، أليس هذا يا سيادة الرئيس من أشنع وأبشع أنواع الإملاء والتدخل والظلم للدين وللأمة نعم أنه والله لبما كسبت أيدي الناس. والله  يقول وقوله الحق:{ وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون}سورة الطور، الآية : 47. دون ذلك: أي قبل موتهم. وقال:{ فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون} سورة  الذاريات ، الآية : 59.
ومن سنن الله الماضية في الظالمين أن الله عز وجل يحرمهم من التمتع بزينة الدنيا وزخارفها وإن تظاهروا للناس بعكس ذلك، قال الله تعالى في سورة النساء:{ فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم، وبصدهم عن سبيل الله كثيرا وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل واعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما}، سورة النساء، الآية : 160.
وما ضاعت نعمة صاحب الجنتين إلا بظلمه، قال تعالى:{ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منهما منقلبا}، سورة الكهف، الآية 35.
والظلم هو السبب لإهلاك الأمم، والحكام والأنظمة، فقد أهلك الله أقواما وقرونا من الناس قبلنا، وأنظمة وحكام لنا معاصرين، وما زال يهلك حكاما وشعوب لوجود الظلم في الأرض، فصار هذا الأمر سنة كونية، كلما كثر الظلم والفساد في الأرض نزل الهلاك والعقاب الأليم، ولذا فإن الله تعالى يهلك الأمة والدولة بظلمها حسب أحوالها ومواقيتها بظلم الأفراد لأنفسهم أو بظلم الحكام لهم وهذه سنة الله في استئصال الظلم والظالمين قال تعالى:{ وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين}، سورة الأنبياء، الآية : 11.. وقال تعالى:{ وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا}، سورة الكهف، الآية : 59.
وقال تعالى:{ وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا} سورة الإسراء، الآية 16.، والله تعالى لم يظلم هذه القرى وهذه الأمم بل هي ظلمت نفسها وظلمت غيرها فحق عليها عقاب ربها، قال تعالى:{ ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم}، سورة هود، الآية : 100 وقال تعالى:{ وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد}، سورة هود، الآية : 102
وقال تعالى عن فرعون:{ فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين}، سورة القصص، الآية : 40. وقال عن قوم لوط:{ فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد}، سورة هود، الآية : 82.
وأهلك سبحانه قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الأيكة، وقال:{ فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}، سورة العنكبوت، الآية: 40. وإن الله لينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة المسلمة إذا كانت ظالمة. والدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام، وصاحب كتاب العبر ابن خلدون يقول: الظلم مؤذن بالخراب.
والجزاء من جنس العمل: وقد يولي الله عز وجل على الظالم ظالماً مثله يسلطه عليه عقاباً على ظلمه. قال تعالى:{وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون} سورة الأنعام، الآية : 129 . قال القرطبي في المراد من الآية، سلط بعض الظلمة على بعض فيهلكه ويذله وهذا تهديد للظالم إن لم يمتنع عن ظلمه سلط الله عليه ظالماً آخر.
وتروي كتب التاريخ أن حاكما من الحكام الظلمة اسمه ” خالد بن برمك” ظلم العباد وأفسد في البلاد، فكانت عاقبة السجن، ولما حبس هو وولده قال الابن مستغربا: يا أبت بعد العز صرنا في القيد والحبس!!! فقال: يا بني، دعوة المظلوم سرت بليل غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها.
أتهزأ بالدعاء وتزدريــه *** وما يدريك ما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطيء ولكن *** لها أمد وللأمد انقضاء
أن الظالم تنزل عليه اللعنة يوم القيامة، وهو الطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى، يقول عز وجل:{ يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار}، سورة الأنعام، الآية : 129، ويقول تعالى:{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ۚ أُولَٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين} سورة هود، الآية : 18، فلا يكون لهذا الظالم يوم القيامة نصير ولا شفيع ولا حميم.
وقد صدق الشاعر أبو العتاهية في قوله:
أمــا والله إن الظلـم لـؤم *** ومازال المسيء هو الظلوم
إلى ديـان يـوم الدين نمضي *** وعند الله تجتمع الخصـوم
ستعلم في الحساب إذا التقينا *** غـداً عند الإله من الملـوم
أن الظلمة يحرمون من شفاعة إمام المرسلين وشفاعة من يأذن الله لهم في الشفاعة لعباده، كما قال تعالى:{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ ۚ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ}، سورة غافر، الآية : 18، ويقول عز وجل:{ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}، سورة ، الآية : 192 .
ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم:"صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي: إمام ظلوم غشوم، وكل غالٍ مارق"الطبراني في الكبير، ج 20 الحدبث رقم: 496.
أن الظالمين يصيبهم الندم والحسرة يوم القيامة: فكل ظالم سيندم هناك، ولات ساعة مندم، قال تعالى:{ ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون}، سورة يونس، الآية : 54 .
وقال تعالى:{ ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً، يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا}ً، سورة الفرقان ، الآية : 27.
أن الظالمين مصيرهم العذاب الأليم في نار جهنم، وتكون هي نهايتهم فبئست النهاية، وساءت الخاتمة، قال تعالى:{ ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون}، سورة سبأ، الآية : 42.
فعاقبة الظالمين جهنم لا يموتون فيها ولا يحيون. قال صلى الله عليه وسلم:"من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة، فقال رجل: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله، فقال: وإن كان قضيباً من أراك" صحيح مسلم كتاب الإيمان، الحديث رقم: 137.
كما أن الظالم سيطوق يوم القيامة بسبب ظلمه: قال النبي صلى الله عليه وسلم:" من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين" البخاري الحديث رقم : 2286.
هذا الذي ظلم قيد شبر من الأرض، تكون هذه عقوبته يوم القيامة، فكيف بالذي يظلم بما زاد عن ذلك؟!
أن الظالم يخسر حسناته، بل تضاف سيئات من ظلمه على سيئاته بسبب ظلمه: قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء منه فليتحلله منه اليوم، من قبل أن لا يكون دينارا ولا درهما، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه، فحمل عليه"، صحيح البخاري، كتاب المظالم، باب من كانت له مظلمة الحديث رقم : 2317.

25. مارس 2017 - 7:29

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا