تعرف السيدة وزيرة الزراعة، كما يعرف الوزير الذي كان قبلها على رأس الوزارة، ويعرف ما يقارب الثلاثين وزيرا تعاقبوا على تسيير القطاع عندما كان يسمى وزارة التنمية الريفية أنها لن تستقبل في مكتبها أيا من سكان الريف، أو تقوم بجولة في مناطق الإنتاج وتجتمع بمزارعين أو وجهاء أو تعاونيات
زراعية نسوية، إلا وكان الطلب الأول الذي تتوقع من هؤلاء تقديمه هو طلب الحصول على السياج لحماية مزروعاتهم.
ولعلها تدرك أيضا أنه حتى ولو توفرت الموارد المالية للاستجابة لتلك الطلبات، وتم تسييج جميع المساحات الزراعية، فستصبح كل هذه المناطق مناطق مغلقة، وسيخلق ذلك من المشكلات أكثر مما سيحققه من منافع، علاوة على أن السياج أصبح اليوم هو الآخر وسيلة للاستغلال في غير ما خصص له، وقد رأينا من يسيجون به مساحات كبيرة لا من أجل استغلالها زراعيا وإنما من أجل حيازتها فحسب، بل ورأينا من يسيج به أرضا وبعد فترة يفككه ويبيعه أو يستخدمه في تسييج بيته أو حظيرة حيواناته! ولا حاجة لتذكير السيدة الوزيرة بما قد تكون أدرى به في هذا المجال، خصوصا في ظل الصعوبات الفنية والمادية والاجتماعية التي لا زالت تعيق تطبيق مدونة المراعي وما تشتمل عليه من قوانين تنظيم العلاقة بين المنمي والمزارع دون الحاجة لاستخدام السياج في حماية المزروعات..
هناك وسائل لحماية المزروعات خطرت ببالي وقابلة للتجريب، وهي اللجوء للسياج الأخضر عن طريق استخدام الأشجار الشوكية المحلية والمتأقلمة كأشجار القتاد ( إيروار ) وأشجار السدر والطلح و الهجليج ( تيشط )، وذلك بزراعتها في خطوط حول المزروعات، على أن تتم زراعتها بشكل متقارب وتربيتها وهي لا زالت شجيرات صغيرة، بحيث تكون جذوعها متشابكة وأغصانها ملامسة للأرض لتمنع الحيوانات من اختراقها، وفي نفس الوقت تنموا على ارتفاع كاف لمنع الحيوانات من القفز من فوقها.
سيحقق هذا النوع من التسييج أكثر من غرض في وقت واحد:
1 ـ سيكون بمثابة إعادة تشجير لزيادة الغطاء النباتي ومكافحة التصحر وحماية التربة من الانجراف.
2 ـ ستكون هذه الأشجار بمثابة مصدات رياح (brise ـvent ) وهي التقنية الضرورية لحماية المزروعات من قوة الرياح والحرارة المرتفعة.
3 ـ لهذه الأشجار ثمارها واستخداماتها المعروفة تقليديا في الغذاء والدواء، فلأشجار القتاد ( إيروار ) إنتاجها من الصمغ العربي ذي الأهمية الاقتصادية الكبيرة، ولأشجار السدر ثمارها ( النبق ) المعروفة بقيمتها الغذائية والصحية الكبيرة ولها أيضا أوراقها المستخدمة في العلاجات التقليدية، أما أشجار الهجليج ( تيشط ) فقد أصبحت ثمارها مصدرا لزيت عال القيمة الغذائية والعلاجية حصل مؤخرا على اعتماد وباشر مستثمرون محليون استغلال مقدرات بلانا من هذه الثمار.
4 ـ سيخلص هذا النوع من التسييج كاهل الدولة من نفقات باهظة ظلت مستنزفة في هذا المجال، والاستغناء عن السياج الحديدي باستبداله بالسياج الأخضر المستديم والأكثر خدمة للبيئة والإنسان.
فما علينا سوى تجريب هذا النوع من التسييج خاصة في المناطق الرطبة ومناطق التساقطات المطرية المعتبرة أو تلك التي تتوفر فيها مصادر للمياه مستديمة وكافية، ولتبدأ تلك التجربة على التعاونيات الزراعية النسوية ذات المساحات الصغيرة، ليتم تعميمها بعد ذلك على المساحات الأكبر. فلنجرب إذن فكل ما هو حولنا اليوم بدأ بفكرة وتجربة فتوسع وتعميم..