تعتبر حرية التعبير من أهم الركائز التي تنبني عليها مباديء الديمقراطية، وتصنف الدول إيجابا أو سلبا في مؤشرات التقدم الحضاري للدول، انطلاقا من احترامها لهذا الحق.
بيد أن ’’الحرية المطلقة في التعبير’’ مفسدة مطلقة، فكما يقال حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، لذا وجب التنبيه
إلى أن كثيرا من المهاترات والتراشق بالألفاظ وصل حد التنابز في الأيام الفارطة، ليس من حرية التعبير في شيء، وحروف وألسنة العقلاء مصونة عن مثل تلك الحروب اللفظية..والفعل ورد الفعل...فيمكن للمنتقد أن يظهر مكمن الخلل دون أن ينزل إلى ’’المستوى السوقي’’ في الألفاظ والتي لا يمكن تبريرها مهما كان مستوى الخطأ المرتكب وفداحته...
إنما حدث من رفض للتعديلات الدستورية من طرف الثلاثة والثلاثين شيخا، الذين خلفوا عن ’’ركب القبول’’، مغاضبين إلى ’’ركب الرفض’’، بصدق نية أو ب"حاجة في نفس يعقوب"، أمر طبيعي وظاهرة صحية في الديمقراطية إذ يجب على المرء أن لا يقبل إلا قناعته بعيدا عن الضغوطات لأن نتائجها ليست مضمونة في بعض الأحيان، وليست حادثة الشيوخ هذه عنا ببعيد، لكن في المقابل على الأحزاب السياسية أن تبتعد عن التلون في المواقف لأنه ما لم تكن هناك قيم تتحكم في آليات العمل السياسي لديها فإن كل عمل ترومه محكوم عليه بالفشل، فليست كل غاية تبرر وسيلتها، كما أن على الرئيس أن ينزل من برجه العاجي ويعلم أن السلطة لو دامت لغيره لما وصلت إليه، وأن من يضع ثقته في الجيش في إفريقيا كمن يتشبث بنسيج العنكبوت، للتخلص من ورطة بئر سحيق وقع فيه، ولنا في انقلابات الجيش وتقلباته وصراعاته على السلطة في العقود الماضية دليل ساطع لا يحتمل التكذيب...
لذا فإن عقلية الانقلاب، هو تفكير دأب عليه سلف القادة العسكريين للجيش، وحمل لواءه خلفهم..ولا يمكن أن يستبعد في أي حال من الأحوال، وإلا فمن كان يظن أن يتم الإطاحة بنظام العقيد، معاوية ولد الطائع الذي بلغ الصبية في حكمه من العمر عتيا...، وقد كان يحكم بتوزانات قبيلة "لوبياتية"، أشد قوة وصلابة، ولكنه عند تحرك الجيش ضده أصبح حكمه في خبر كان.
وعليه فإن الناصحة الأمين لرأس النظام، والمعارضة على حد السواء، لا يسعفه إلا أن يقول: "أيها العزيز مس الشعب والوطن الضر، من مهاترات وتهافت موالاتكم وصراع معارضتكم، اتركوا الذهاب إلى المادة"38" من الدستور وشأنها، واجنحوا إلى حوار شامل صادق، دون شرط أو قيد مع مختلف فرقاء الطيف السياسي، لتتوصلوا إلى رؤية مشتركة لبناء موريتانيا لكل الموريتانيين ولتجنبوا بذلك البلاد منزلقات خطيرة، أو على الأقل تتفقوا على طريقة لتقاسم "الكعكة" دون ضجيج".
أيها الفرقاء السياسيين رفقا بالفقراء من أبناء هذا الوطن-وهم الغالبية الساحقة- فهم لا يتحملون مزيدا من الصراعات لا يرغبون في استنجاد الخارج ولا تجييش الداخل(عسكرا أو مدنيين)، ولا يريدون تجربة "بوتينية" بطبعة موريتانية، إنهم بكل بساطة يريدون أن يعيشوا بسلام، همهم تحصيل خبز وماء...مع رغبة جامحة أن يحفظ الله هذه البلاد من كل المخاطر التي تتهددها.