سيدي الرئيس ألا يستحق مَمِّينْ مجرد محاكمة؟ / محمد عبد الله ولد لحبيب

altاسمي تربه بنت الداده، تعرفون هذا الاسم سيدي الرئيس، ربما لا. هذه أول مرة أكتب فيها إلى رئيس دولة، أي إلى مثيل لكم عزيزي محمد ولد عبد العزيز. أنا من مواليد عقد الستينيات من القرن الماضي، بوسط ولاية الترارزه. هاجرت إلى العاصمة منتصف السبعينيات، كنت زهرة يوم ذاك. إحدى زهرات ثلاث بين غصنين. كان مَمِّين أنضَرَ الخمسة.

عارضت معظم الأنظمة بدافع من سامر اليسار، لم أخض النضالات لكني كنت عارفة بخفايا ما يدور. كان نَجِيُّهُمْ لا يكتمونني سرا. مارست مهنة السكرتيريا بعد أن استوى بي العمر، وعرفت من صروف الدهر ما كنت به جاهلة. لم يستهوني ألق المدينة وظلت أصالة البدوية التي حُنِّكتُها في ربوع لبّيرَاتْ مستبدة بأماني.  لم أحلم بزعامة الناس، ولا ببيع الأحلام، فعل كثيرين، لستم منهم سيدي الرئيس. طبعا. إنكم لا تبيعون ولا تشترون، تلك حرفة التجار وأنتم رئيس، هو كذلك، كذلك عرفتكم أخيرا وعرفكم الناس. *** كان لي ولد هو في الأصل أخ، أو أخ هو بمنزلة الولد، لا فرق. سُماه في الأصل محمد الأمين، لكني كي لا أنسى طفولته، كي أتذكر أنه ولد، طفل، لأن لا أنسى براءة الطفولة تطرز حمرة خديه، لأجعله دائما صغيري الذي أحنو عليه، لأُسكِنه أحضاني كلما لقيته، لأنشق عطره الطفولي، لكل هذا اختزلت اسمه الثنائي الجميل، في أربعة أحرف، إلى اليوم سيدي الرئيس وهو ابن الأربعين، مده الله عُمُرًا حرا، أناديه "مَمِّينْ" رنين هذا الاسم يسكنني، أسمعه نجوى من الغيب، نداء جميلا، لأول مرة، كلما تنسمت عبقا من طلعته. ما حَلُم صغيري قط بزعامة العشيرة، ولا كان له في نادي ذوي البطون الملأى موطئ قدم، لم يكتنفه مأوى جواسيس القبائل، ولا اتسع بلاط سلطان لأحلامه، حلمي كان طيرا يرفرف كلما اشتقت إليه يغشاني قادما من بلاد الأنوار، مشغولا بأشيائه، بزواره ، يلهو بريئا، يناغي أحلام وطن معذب. *** سأذكركم ببعض الأشياء، سيدي الرئيس، قد لا نكون انمحت نهائيا من ذاكرتكم، لكنكم بحاجة إلى تنبيه في زحمة المشاغل، مَمِّين هو من فارق فيكم رفاقه، من تناسى من أجلكم نضاله الحقوقي وواساكم بثمرته وأنتم في حال مسغبة إليه... هو من ظاهركم في سره غير مداهن وأخلص في العمل معكم في جهره... ممين من قلائل وقفوا إلى جنبكم ساعة العسرة، واساكم بالأهل والجهد، قد لا يكون أقربهم منكم، ولا أكثرهم منافحة بلسانه في محافل التصفيق، لكنه من دون شك من أقلهم سرعة إلى الخيانة، وأصدقهم ودًّا.. سجنتموه بحجة الفساد، فهلا بدأتم بمن هو أكثر منه تمثيلا لتلك التهمة، إنكم تتحججون سيدي الرئيس!.  *** دعْكَ من خبره سيدي، فأنت به أدرى، وهاك بقية قصتي: أنا اليوم سيدي ألتحف سماء السجن المدني أرابط هناك علَّ حُلْمي يصحبني يوما، آليت أن لا أرغب بنفسي عن موطن سُجِنَتْ فيه أحلامي عَدْوًا بغير حق.. تذكرت مرة، وهذا مهم جدا سيدي الرئيس، أني الآن في مكان مرت به نساء الإسلاميين لم يبق لهن أثر، ثم مرت نساء الفرسان لم يتركن خبرا، ثم رابطت هنا نساء السلفيين ما عاد لهن ذكر... أنا أعد نفسي من نساء الحكومة، ألا ترون سيدي أن من المناسب أن يصل الأمر نساء الرئاسة، مرة... لو دام هذا المكان لغيري ما كنت فيه اليوم، وهو بعيد، بعيد، من أن يدوم لي، مثل كل الأمكنة التي نستوطنها، أظنكم تفهمون!!. *** ما زلت، هنا، غارقة في الهيام بصغيري الذي شيبته سجونكم..  توقعت أن يغادر الوزارة يوما... لكني لم أتوقع أن يكون بأمركم إلى سجن لا محاكمة معه. إلى السجن؟ ألا يستحق مَمِّينْ مجرد محاكمة يا عزيز، مجرد محاكمة؟. 

17. أكتوبر 2011 - 10:55

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا