يتفق المهتمون بالشأن السياسي على أن الخرجات الإعلامية لصناع القرار تهدف إلى توصيل رسائل إلى الجمهور المستهدف، تحمل في طياتها وجهة النظرالرسمية في القضايا التي تشغل الرأي العام الوطني والدولي في الوقت الراهن.
تابعت المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس الجمهورية، وقد لفتت انتباهي عدة رسائل بعث بها من خلال أجوبته على أسئلة محاوريه،
فقررت أن أدلى بدلوي في تحليلها.
أولا : رسائل موجهة إلى داخل الوطن
1- رسائل موجهة إلى الجيش
افتتح الرئيس المؤتمر الصحفي بتحية إجلال وتقدير للدور البارز الذي تقوم به القوات المسلحة ، خصوصا تلك المرابطة في الثغور و التى تساهم في حفظ الأمن و السلم في الدول الإفريقية، وهي براعة استهلال يمكن تفسيرها بتقدير الرئيس للدور الطلائعي الذي يقوم به الجيش.
أزال الرئيس لبسا هاما، عندما ذكر أن المؤسسة العسكرية كانت في الماضى يحكم من خلالها و لا تحكم أي أنها كانت دائما توجه حسب أجندات السياسيين تبعا لأديولوجياتهم ، لكنه أوضح أن ذلك الوضع تغير ابتداء من 2005 حيث عمل - منذ وصوله إلى مراكز أخذ القرار- على تغيير تلك العقلية من خلال تسليح الجيش ودعم جاهزيته والتركيز على قيامه بمهمته النبيلة، وهي حماية الديار و الذود عنها. ويمكن أن نقرأ من ذلك أن الرئيس ذكر قادة الجيوش بوضعيته في الأعصر السابقة عندما كانت الأنظمة تعمل على إضعاف ممنهج للجيش، بينما شهدت فترة حكمه قفزة نوعية له من حيث الجاهزية والردع.
قام الرئيس بتشخيص واضح وشامل لدوافع الحرب ضد الإرهاب، ويبدو من خلال تقديمه للأرقام و الأحداث و الإحداثيات والمفاوضات مع الهيآت الأممية، أنه على اطلاع تام بأدق تفاصيل العمليات العسكرية،نافيا ما ذكره البعض من أن موريتانيا تخوض حربا بالوكالة.و لعل الرئيس أراد في هذه الفقرة أن ينبه إلى أن الجيش يقوم بدوره الطبيعي وهو حماية البلاد ، مستدلا على ذلك بعدم تولى الضباط للمهام المدنية مثل الوزارات و إدارة المؤسسات العمومية و الولايات....
2- رسائل إلى المعارضة الناطحة
أكد الرجل أنه ماض قدما في سبيل المصادقة على التغييرات الدستورية ، وقد حسم الرئيس أمر الخيارات المتاحة أمام الحكومة بعد تصويت الشيوخ ضد التعديلات الدستورية، عندما صرح بشكل واضح أن لجنة الحوار بدأت تدرس سبل تنظيم استفتاء حول الدستور في أقرب الآجال، استنادا إلى رأي فقهي يقضى بتفعيل المادة 38 من الدستور، وقد استمد الرئيس هذه الفتوى من فقهاء دستوريين أكدوا أن تفعبلها لا يتنافى مع قيود المواد 99 ، 100،101 .
أكد الرئيس على وجود اختلاف في وجهات النظر بين الأغلبية والمعارضة في ما يتعلق بمنظومة القيم الأخلاقية التى يتشبث بها أبناء هذه الربوع ، وقد تجلى ذلك في ارتياح المعارضة لعدم وفاء الشيوخ بالتزاماتهم الأخلاقية اتجاه الأغلبية. على عكس النواب حينما صوت 121 نائبا لصالح التعديلات الدستورية.
صرح الرئيس بعدم التعاطى مع دعوة المنتدى إلى تنظيم حوار جديد شامل. كما تهكم على ارتياحهم لنتيجة تصويت مجلس الشيوخ، حينما نبه إلى أن المكسب الوحيد من هذه الأزمة هو اعتراف المعارضة بمجلس الشيوخ المنتهية صلاحيته. كما نفى الرئيس ما ذكر حول اقتراحه حل المحكمة السامية خوفا من المتابعة القضائية، و ذكر أن العلة في حلها هو أنها خصم و حكم في نفس الوقت، وقد أكد أن مستعد لإقامة عشر محاكم إذا كانت ضرورية ، لأنه لا مشكلة لديه مع القانون.
أكد الرئيس أيضا على أن القوانين الموريتانية مستمدة من الشربعة الإسلامية و أن السبب في عدم رواج السياحة في بلدنا هو انضباط مجتمعنا اخلاقيا، وتشبثه بقيم الدين الإسلامي الحنيف. وهذا يتناغم مع توجهات الرئيس السابقة التي تخدم الإسلام كطباعة المصحف و إذاعة القرآن الكريم و مشروع بناء أكبر مسجد في انواكشوط.....
3- رسائل إلى الأغلبية الداعمة
أكد الرئيس عدم تصدع أغلبيته، و أن عدم تصويت الشيوخ على مشروع القرار - رغم كونه نشازا سياسيا – إلا أنه لا يفسد للود قضية، ويمكن أن يفهم في إطار اختلاف وجهات النظر حول الموضوع. كما أوضح أنه لن يحقق إرجاف اللوبيات السياسية التي كانت تتكهن بإقالته لبعض كبار معاونبه .
أشار الرئيس في عدة فقرات من حديثه، إلى أنه مستمر في حربه ضد الفساد مركزا على أنه لا وجود لأحد فوق القانون ، وقد أكد لأول مرة أن شركات مثل صوملك وميناء الصداقة كانت ميزانياتها في السابق عبئا على الخزينة، صارت بفعل التسيير الرشيد تدعمان الميزانية بملايين الأوقية سنويا.
ثانيا : الرسائل الخارجية:
تعددت الرسائل الخارجية في كلام الرئيس رغم شح الأسئلة التى طرحت حولها، حيث استطعنا أن نستقبل عدة إشارات دبلوماسية موجهة عن قصد إلى دول الجوار والشركاء في التنمية من ذلك مثلا:
تأكيده على جاهزية الجيش واهتمام الدولة بتسليحه ربما يحمل رسالة مزدوجة إلى الحركات الجهادية التى أعلنت مؤخرا انصهارها في تنظيم واحد من جهة، و من جهة أخرى إلى الجهات التى تقف وراء تأزيم الأوضاع حول الحدود.
أوضح الرئيس للشعب اهتمام المنظمات الأوروبية باحتضان الملحدين والدفاع عنهم، وقد بعث برسالة واضحة دعا من خلالها إلى تهميش المسيئين والملحدين وترك المجال للقضاء لمعاقبتهم.
صرح الرئيس بصراحة إلى أنه لا يستجيب للضغوط الخارجية ، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الذين يتنقلون بين السفارات من أجل وجود حل للمشاكل الوطنية في نظره مستعمرين فكريا.
وفي ختام هذه الملاحظات العابرة، فقد بدا الرئيس طيلة المؤتمر الصحفي هادئا مبتسما ،يداعب الصحفيين من حين لآخر، وهو ما يناقض ما راج مؤخرا حول انزعاجه من تصويت الشيوخ ضد مشروع التعديلات الدستورية ، ومن أمثلة ذلك تصريحه بأن من بين الصحفيين أولياء يستشرفون المستقبل و كقوله إنه ليس كالرئيس ابينوشى الذى استقال من الرئاسة وتولى قيادة الأركان ، وكمداعبته للصحفي أبى المعالى لما لاحظ ضبطه لأحداث وتواريخ الهجمات الإرهابية بقوله" لعلك كنت تنسق معهم" وكسؤاله للحاضرين عن ثمن علبة السجائر ، وطلبه من الصحفي بلعمش أن يحيل باقى شكاويه إلى مجلس الفتوى والمظالم ....