منذ افشال مجلس الشيوخ تمرير التعديلات الدستورية عبر المؤتمر البرلمانى، و اعلان الرئيس محمد ولد عبد العزيز خلال خرجته الاعلامية الأخيرة نيته تنظيم استفتاء شعبي لتمريرها وتحميل المادة 38 اكثر من طاقتها حسب قانونيين، من ذلك الحين وردود الفعل تتوالى وتتباين من سياسين وقانونيين،
بين من يصف الخطوة بأنها قانونية الى من يصفها بأنها انقلاب دستورى، لكن أغرب تلك الردود وأكثرها مفاجأة للرأي العام جاء على شكل بيان صحفى صادر عن الرئيس السابق سيد محمد ولد الشيخ عبد الله.
فبعد ما يربو على ثمان سنوات من اعتزال الرئيس المقال الحياة السياسية وابتعاده عن الساحة الاعلامية، خرج فجأة عن صمته ليؤكد أن تلك العزلة لم تعد ممكنة بعد أن تعرضت البلاد لما يمكن أن يهدد سلمها الاجتماعى ومستقبلها الديمقراطى حسب البيان الصادر عن سيادته.
البيان المقتضب للرئيس السابق والذى كان واضحا شكلا وغامضا من حيث المضمون والرسائل والدلالات، بدأ بالتنديدا ثم توسطته دعوة وختم بالتهديد.
لاحظ الرئيس السابق أن ركوب المادة 38 من الدستور يشكل تهديدا للمستقبل الديمقراطى للبلد، فندد بالخطوة، دون أن يلاحظ سيادته أن المستقبل الديمقراطى للبلد مهدد منذ الانقلاب الذى أطاح به من الحكم، وتمكن بعدها العسكر بتفصيل ديمقراطيتهم ومستقبل البلد على مقاسهم، بعد أن وقع المعارضون على اتفاق داكار، ودخل سيادته فى غيبوبة سياسية واعلامية دفعت بمن تشبث به كرئيس شرعى إلى التخلى عنه مكرها !!
أما دعوته للرئيس بالعدول عن نواياه حيال التعديلات الدستورية فهي دعوة حتما لن تقابل بالقبول، فمن رفض الطاعة وهو محكوم لن يقبلها وهو الحاكم، !!
والعل الأكثر طرافة فى البيان هو تهديد الرئيس المقال لمن أقاله وتخيره إياه بين أن يعدل عن الاستفتاء أو أنه" (اي الرئيس السابق) وكل المواطنين الأحرار سيبذلون ما فى وسعهم من أجل افشال _ ما أسماه_ الانقلاب الدستورى "، وماذا عن الانقلاب العسكرى ياسيادة الرئيس أليس ؟ أين كان الموريتانيون الأحرار يوم الثالث من آغشت ؟!!
تخيرٌ يذكر بتخير الجنرال يومها للرئيس يومها، بين العدول عن قرار عزله، أو عزله .. طبعا مع فارق التهور العسكرى.
وأيًا يكن الدافع من وراء صحوة الرئيس السابق وأيا تكن دلالات هذا البيان، والتى يبقى أغلبها بحاجة ربما إلى الوقت ليتضح، فإن مجموعة مؤشرات بدأت تطفو على ساحة الحراك السياسي المشتعل:
أولا: أن الر ئيس يعيش أسوأ فتراته السياسية حتى بالمقارنة مع أيام " برسي الاستشفائية"، وأن ما يحدث قد يكون ارهاصات بداية النهاية.
ثانيا: أن صراع الأجنحة وسياسة فرق تسود التى انتهجها عزيز مع أغلبيته وحاشيته بدأت تنعكس عليه وبدأ يفقد السيطرة شيئا فشيئا على احدى هذه الجباهات على الأقل.
ثالثا: أن توقيت خروج الرئيس السابق عن صمته ونبرة بيانه التنديدى، ليس هو الحدث بحد ذاته وإنما فقط هو تمهيد لما سيأتى بعده، وستكون الأيام المقبلة كفيلة بكشف ما خفي.
رابعا: أن القوى المعارضة للرئيس بدأت تتحسس خيط الضعف وتصدع البيت الداخلى، وربما بدأت اللعب على هذا الوتر، في محاولة أخيرة لتشكيل تحالف من نوع آخر يجمع الأحزاب المعارضة مثل المنتدى والتكتل ورجال الأعمال مثل ولد بوعماتو وسياسيين معادين لعزيز مثل ولد الشافعى والرئيس السابق.
خامسا: والعلها الأهم أن الشعب الموريتانى أمام تحدى احباط لعبة سياسية جديدة بدأت خيوطها الأولى تتكشف، هذه اللعبة هو من سيدفع ثمنها لأنها ببساطة ستضعه بين سندان استخلاف النظام ومطرقة مسرحيات المعارضة.