بعد اسقاط مجلس الشيوخ الأجلاء الانقلاب على الدستور، يأتي التأكيد من الرئيس الشرعي الذي أقيل بانقلاب ردة فعل 2008، وبدعم للأسف الشديد من المعارضة السياسية، وكأن التاريخ يعيد نفسه.
تتذكرون كتيبة النواب التي مهدت لانقلاب 2008 والتي لم يتهمها أحد بالخيانة وأصبح منها قادة وزعماء ومرشدون وطنيون.
تتذكرون أن هذه الكتيبة ما كان لها أن تحقق أي شيء وهي لم تحققه أبدا لولى الانقلاب العسكري. تتذكرون كذلك وقتها كيف خرج الرئيس المدني المنتخب المظلوم الذي لم يمض من ولايته سوى 16 شهرا، بخطابه الوطني المتسامح: " لا تثرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين" الآية، ويضيف: وثقوا أنني سأخرج كما دخلت سليم القلب لا أضمر حقدا لأي موريتاني وأتمنى للجميع كل الخير. وتتذكرون أن جرم الرئيس المقال الوحيد كان هو تطبيق الدستور، استخدامه لصلاحياته كرئيس للدولة، لم ينوي تعديل الدستور أو تغيير رموز البلد ولا شيء من هذا ولا ذلك.
هذه مقدمات، وإليكم الفارق:
حصل انقلاب 2008 واحتل المجلس العسكري السلطة وبقي فيها حتى بعد انتخاب ممثله في غفلة من المعارضة السياسية يرفضها العقل. وبهذه الطريقة المشوهة للديمقراطية والسخيفة أصبح ممثل الانقلابيين رئيس مدني منتخب في العام (2009)، وجدد انتخابه العام (2014) للمرة الثانية، وقام بتعديل الدستور 2012، وأكد على تعديله في العام الجاري 2017 في مؤتمره الصحفي الأخير بعبارته العنيفة التي رد بها على أحد الصحافة قائلا بأن هذه المسألة "لا رجعة فيها".
الخلاصة التي يمكن لأي شخص أن يخرج بها من المؤتمر المذكور هي أن موريتانيا لم يعد لها دستور واحد هو دستور 1991 المعدل 2006 و 2012، والذي هو دستور جامد ينص على طريقة تعديله بنفسه ولا يحتاج إلى اجتهادات فقهاء القصر في القانون الدستوري. بل إن هناك دستور ثان جديد هو المادة 38 يحق لرئيس الجمهورية بموجبها أن يلغي ما يشاء من مقتضيات الدستور القديم وربما يلغيه جملة وتفصيلا انشاء، وطبعا هذا من صلاحياته التي يخولها الدستور الجديد.
الفارق الكبير بين من يمتلك القوة، ومن لا يمتلكها هذه حقيقة معاندة. فالأكيد أن من يمتلك القوة يمكنه التصرف بمنطقها واللجوء إليها متى وجدت الضرورة، وكما تشير أغلب الدراسات، وخصوصا في بعض الدول التي يكون ولاء العسكر فيها للحاكم أكثر من الشعب ويكون الحاكم هو الدولة.
التشابه الذي يجعلني أقول إن التاريخ يعيد نفسه. هو انتصار الشيوخ لإرادة الشعب، وتأكيد ذلك من الرئيس الشرعي المقال، وهو حدث تكرر مع كتيبة النواب وانقلابيي 2008 ضد رئيس مدني منتخب، وقد يتكرر هذه المرة بانقلاب مدني ضد رئيس عسكري مدني منتخب و"كما تدين تدان".