تابعت باهتمام مقابلات في تلفزيون الموريتانية ضمت كوكبة من أطر وزارة البيئة، وناقشت تلك الحلقات بعض تدخلات الوزارة، حيث تناول الضيوف بالشرح والتفصيل الاستراتيجيات والبرامج والخطط المتبعة لتطوير بيئتنا والمحافظة عليها كما استفاضوا في استشراف المستقبل.
شكلت تلك الحلقات فرصة مناسبة للضيوف لعرض ما يحلو لهم، دون ان تكون الصحافة المحاورة قادرة على توجيه الحوار وكبح جماحه، وتوجيه اسئلة تبرز مواطن الخلل والقصور وترتيب الاولويات على الاقل، فتحولت الحلقات الي ما يشبه المعرض التسويقي المدفوع الثمن، فكل ضيف يعرض انجازات الوزارة الخارقة، فلم نسمع عن خطأ او قصور او عتاب، فالألوان كلها غائبة باستثناء اللون الابيض الناصع!
جرت العادة في المقابلات الشفهية ان يلجأ المُمتحن بعد فشل الطالب في الاجابة على أي سؤال، بان يدعوه الي اختيار سؤال والاجابة عليه، وهذا ما حدث بالضبط لكن الاجابات مع ذلك لم تكن موفقة أو مقنعة لجمهور المهتمين بالقطاع.
نقاط هامة غُيبت عن الحلقات
• لم تتطرق الحلقات إلى المصاعب التي تعترض محمية حوض آركين وتهديد اليونسكو بشطبها من سجل الإرث الطبيعي العالمي، خصوصا بعد فشل الوزارة في اجتماع اسطنبول الماضي وترحيل الفضية الي دورة 2018، لكن المشكلة تفاقمت الآن بعد ان تحولت مدينة الشامي الي مركز لأنشطة تصفية الذهب باستخدام الزئبق، وكل ذلك علي تخوم المحمية ويتعارض بوضوح مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة فهل يستطيع عاقل ان يدافع عن استخدام الزئبق على تخوم محمية دولية!؟.
• لم تتعرض الحلقات للتعدي على الحيوانات البرية وهي مشكلة مزمنة فهي تُقنص وتنشر صورها على وسائل التواصل الاجتماعي، كما تعتبر دورات الرماية التقليدية فرصة سانحة للإجهاز على عليها، ومع ذلك لم نسمع عن سجن أو معاتبة أي مُعتد على تلك الحيوانات، كما لم نشاهد أي نشاط تحسيسي أثناء تلك المواسم العبثية، وتكفي زيارة إحدى المناطق الرطبة لسماع دوي الرصاص ومشاهدة عمليات القنص في وضح النهار! .
• لم تتطرق الحلقات للحديث عن تعديات الشركات المعدنية على بيئتنا، واكتفت بذكر إلزام الشركات بجراء دراسات الاثر البيئي، والجميع يعرف من هم ملاك مكاتب الدراسات التي تُكلف بتلك الدراسات، لكن السؤال الأهم هو هل تملك الوزارة القدرة والارادة لتطبيق نتائج تلك الدراسات؟، وهل هنالك حصيلة او امثلة ملموسة لتدخل الوزارة؟، كما لم يتم ذكر المصادقة الطوعية لكينروس على بروتكول تسيير السيانيد والذي كنت قد اثرته في مقالات عديدة خصوصا ان الوزارة بدت وأنها غير معنية بذلك الموضوع.
• لم تتطرق الحلقات للخطط الموضوعة -ان وجدت اضلا-للتدخل في حالة تسرب نفطي في منطقة استكشاف واستغلال النفط في البيئة البحرية، علما ان المنطقة من أكثر البيئات البحرية تنوعا، خصوصا ان الوزارة عجزت في الماضي عن معرفة منشأ آخر بقعة تسربت في مياهنا واتسمت ردة فعلها بالارتباك.
• لم تتطرق الحلقات إلى ظروف إعطاء رخصة لاستغلال التربة السوداء جنوب نواكشوط في منطقة حساسة وغنية بالتنوع البيولوجي، وكيف يمكن لوزارة البيئة المصادقة على دراسة تقييم الأثر البيئي لذلك الاستغلال ؟؛
• لم تتطرق الحلقات لعمليات قطع الاشجار وتحويلها الي فحم بشكل فاضح، وكل ذلك بثغرات معروفة في القوانين، كما لم تتناول مصير الغابات المحمية والتي تم التعدي عليها بعد ان قطعت اشجارها.
نقاط تناولتها الحلقات بطريقة مجتزأة
• تطرقت الحلقات لإقامة بلادنا للأنشطة المخلدة لليوم الافريقي للبيئة ولونكاري ماتاي نسخة 2017 ،الذي نظمته موريتانيا بالتعاون مع الاتحاد الافريقي واستفاض المتدخلون في ابراز دور موريتانيا في حماية البيئة، الا هذا اليوم شكل مناسبة لعرض كل ما هبّ ودبّ، فشركات الالبان المحلية عرضت في جناحها تماما مثل ما فعلت في مهرجان المدن القديمة!، وما لم يذكره أحد بان المعرض تم بدعم من تازيازت واستغلته لتمرير رؤيتها ،هذا ما ذكرته في بيان لها بعد اختتام اعمال المعرض، فيوم البيئة الافريقية تحول بمال تازيازت ليوم يتبجح فيه الملوثون بما اقترفت ايديهم.
• تناولت الحلقات قانون تحريم اكياس البلاستيك ،وذكرت بان البلاد اصبحت محجا لبعثات الدول لاستلاهم التجربة الموريتانية، ولا شك ان هذا القرار شجاع وموفق ويحسب للوزارة، لكن من الواجب التذكير بان مشكلة البلاستيك كبيرة فالبلاستيك عالي الكثافة لا زال ينتشر بوفرة ويلوث بيئتنا دون ان تحرك الوزارة ساكنا، وعلى العموم فتحريم اكياس البلاستيك جاء استجابة لضغط المنمين المتنفذين وليس حبا في اعين البيئة، وانصح كوادر الوزارة بالعودة مع البعثات الزائرة لاستلهام تجاربهم في الميادين الأخرى.
• تنولت الحلقات انشطة السور الاخضر العظيم دون ان تتناول تجاربنا الماضية، فكم من غابة خضراء زرعت في اسوار نواكشوط لتتحول الي غابات اسمنت، وكم من مشتلة قروية انشئت وضمت ملايين الاشجار لكن اين تلك الاشجار!؟ ركزت الحلقة ايضا على المقاربة التشاركية في اختيار الانشطة لكنه تشارك الخب والمغفل، فالنسيج التعاوني رخو وضعيف ولا يملك قيم العمل التعاوني لذلك فاتباع تلك المقاربة لا يستقيم.
• لم تفصل الحلقات في مخاطر مصانع دقيق السمك على البيئة البحرية فعوادمها تصب في البحر دون معالجة، وروائحها تقض مضاجع الساكنة خصوصا بان وزارة الصيد تلقي باللائمة على وزارة البيئة فالرأي العام الوطني يريد ان يعرف كيف سمحت الوزارة بترخيص تلك المصانع؟
• تطرقت الحلقات بخجل للفوضى العارمة في مجال المبيدات دون ان تذكر حجم الاضرار الناجمة عن ذلك وغياب مركز حرق معتمد للتخلص الآمن من النفايات السامة incinérateur agréé والتي لا زالت متناثرة على عموم التراب الوطني.
يُستشف من خلال الحلقات بان دور الوزارة يماثل دورة خلية استشارية تهتم فقط بما هو ناعم soft فدورها يقتصر على إنجاز الدراسات والخطط والاستراتيجيات وتقديم القوانين للمصادقة وهي الاعضاء التي تنشط في جسم الوزارة، أما التنفيذ والمراقبة والمتابعة والتقييم فهي اعضاء اصابها الوهن والخمول وضمرت لقلة النشاط، وما فائدة خطط لا تنفذ وقوانين لا تطبق!
للأسف فشلت تلفزة الموريتانية في تسليط الضوء على قضايانا البيئية، واكتفت بترك ضيوفها يلمعون ما لا يلمع، وجاءت الحلقات باهتة وكأنها تُبث من كوكب آخر، كما عجز الضيوف للأسف عن تقديم صورة حقيقية لقطاعهم تبرز النجاحات وتدعمها وتوضح مكامن الخلل والقصور وتظهر النواقص التي تحول دون تحقيق الغايات، واظهروا قطاعهم بصورة من يتدثر برداء مستعار لحين انتهاء مناسبة عابرة.