سقط القناع، قناع التعويل على الزمن للتغطية على ما كان متوقعا من مفاجآته، فبدا الصراع داخليا بامتياز، وأصبح تبادل الاتهام علنا وفي الخفاء، والتوجس خيفة من الموالي قبل المعارض اهم الملامح العامة لواقع ما يسمي تجوزا بالأغلبية الحاكمة. اتضح ذلك أكثر، بعد ان فجرت أغلبية الأغلبية في أعلى غرفة برلمانية
قنبلة من عيار حدث: 18 مارس 2017.
ثلاث وثلاثون شيخا خبروا فن السياسة وحذقوا التعاطي مع مختلف تمارينها المعقدة؛ لا يمكن أن تحمل بادرتهم الأخيرة على العفوية، ولا يستساغ بأدنى منطق تركها تمر بكل بساطة كأي حدث عابر، بل لابد إزاءها من قراءة جدية ومتمعنة في المشهد السياسي المأزوم منذ فترة، قراءة كتلك يجب ان تضع حدا لما عهدناه من تعاطي مع الأمور على نحو ضيق وساذج هو لخلط الأوراق ومحاكاة النعامة في تقنيتها الدفاعية العبثية أقرب بكثير منه إلى التعامل مع الحدث بأدنى ما يستحق من الاهتمام والتركيز.
إن التعامل مع الدهاء السياسي النادر لمجموعة برلمانية بهذا الحجم علي انه مجرد تصرفات شخصية غير أخلاقية بالجملة لكنها لا تهم في نهاية المطاف الا من صدرت عنهم, وفي نفس الوقت لا تفسد لعلاقتهم بحزبهم و أغلبيتهم قضية، تعامل نكد؛ يحمل من التناقض الصارخ ما يعرض أغبى الاغبياء عن الاستماع إليه احرى ان ينطلي على فهم عاقل لما جرى، لا و"ثلاث وثلاثون لا"؛ لا يمكن فهم الأمور في هذه الحدود من البساطة، الامر ابعد وأخطر من ذلك كله، ورجع صداه المستقبلي لن يكون بالأقل خطورة ليس على الأغلبية الحاكمة وحسب بل - اذا لم يتأتى الاستيعاب المناسب لدرس الشيوخ من طرف الجميع – على البلد برمته.
لقد كان بإمكان الرقم: "33" أن يدخل تاريخنا السياسي بسلام وأمان دون أن يخلف ارتجاجات غير محمودة العواقب لو ترك في إطاره الحقيقي كخطوة جريئة وتقدم ملحوظ في تمثل السلوك الديمقراطي لا أقل ولا أكثر، لكن أما وقد جوبه بالرقم: "38" كردة فعل تزيد الأغلبية المنقسمة انقساما، وتضع حدا لأي أمل في تلاقي الفرقاء السياسيين من مختلف المشارب والتوجهات فإن مزيدا من نقاط الاستفهام باتت تطرح نفسها بشأن المستقبل السياسي للبلاد وهي تسير- رغم ما تعانيه من تحديات جسام –في اتجاه غير مسبوق من تحكيم الأنا والتلاعب بالمشترك في سباحة واضحة ضد تيار متطلبات اللحظة وإملاءات الواقع .تلك السباحة التي لم تقف عند مجرد الإصرار على تفعيل المادة الدستورية المثيرة للجدل قانونيا وسياسيا بل تجاوزت إلى الاهتمام بمواضيع لا علاقة لها بالسياق تستهدف في مجملها الانتقام المباشر و غير المباشر من شيوخ الرفض، تصدرها التشهير بجهات معينة (حديث البقر المتهكم) والاحتقار لرموز حضارية بعينها (التعريض بسدنة الضاد و ملحقاتها ) إلى غير ذلك من مواضيع يكفينا ان نتصور ما قد ينفق في الأيام القادمة من خرجات إعلامية لمحو ما خلفته وتخلفه من استهجان شعبي لندرك كم هي ذات صلة وطيدة بأفة الفساد والعبث بمقدرات الدولة
إن ابسط ما يمكن ان نستوعبه من باكورة الرفض الأخيرة، هو ان سيل الدفع بالبلاد نحو المجهول قد وصل الزبي فعلا، و ان اللحظة الراهنة ماهي حقيقة الا لحظة انتشال لما تبقى من جسم الدولة و روحها من فوات و ضياع محققين، والدفع بعجلة الجهود المشتركة للبحث عن بوابة أمنة للخروج بالبلد من مزالق التشرذم الاجتماعي والتيه السياسي و الانهيار الاقتصادي، تلك البوابة الامنة لن تكون بغير التفاف الجميع خلف إرادة الشعب المعبر عنها من طرف مجلس الشيوخ، مسؤولية كهذه تنتظر مساهمة المواطن بمجرد كونه مواطن بغض النظر عن مركزه الاجتماعي و الوظيفي و موقعه السياسي، خاصة ان طوفان ترددات الثامن عشر من مارس –في حال خروجها عن السيطرة – لن يفرق –حين ينطلق- بين من هو بسابقة التضحية والولاء للوطن جدير باستغلال سفينة النجاة، ومن هو بعمله غير الصالح ضد الوطن والمواطنين فاقد لكل مبررات التأشير للعبور مع الناجين.
في كل الأحوال تظل المعطيات الراهنة بما تحمله من أسباب القلق وما تعنيه من مبررات الأمل طاقة سياسية وإعلامية مهمة لمرحلة جديدة من إعادة التأسيس يصعب التنبؤ بأهم معالمها قبل الحسم في معركة من صراع الأيام طرفاها يومان من عمر الدولة هما يوم: 18 مارس 2017 ويوم: 22 مارس 2017 ويبقى الخيار لنا بين ان نكون او لا نكون!!!
سلمت لنا موريتانيا