مع تقديري لسنة الحوار بين الأغلبية الحاكمة والمعارضة ، وأثر ذلك على البلاد و العباد، إلا أني قد تعلمت مؤخرا حكمة وحنكة من متابعتي للمشهد السياسي و الإعلامي :
أن لا أفجر خصومتي مع أي مسلم ، مهما استل علي من ألسنة حداد وسيوف كلمات يملك زمامها ويبرع في رميها بدقة،
أو مهما استفتح بالتخاصم الشرس ابتداء، أو مهما جند من أتباعه لاحقا - عمدا أو تأييدا- من يعاونه على همزي ولمزي والتشنيع علي و التنقيص مني، تصريحا أو تعريضا ، فلا أفرج في الخصومة مهما كان من ذلك...لِمَا ؟؟؟ لأن بعد هدوء الرعود وخمود البروق ، و انطفاء جذوة الغضب، وسكون الأمواج المتعاركة ، وأوب السفن إلى مرافئ النفس اللوامة، تلفح المرء رياح الندم الهادئة، فتعصف به أشد من صرصر عاصفة معركة التقاتل آنفا...! فتأمل وأدرك...!
كما أن التصدر لكل شاردة وواردة في أمور العامة والحوادث والنوازل لغرض عدم تفويت الإدلاء فيها بالرأي لهو قرينة ترقى إلى الدليل الدامغ على خلل في فقه المتصدر ذلك...وقُل إن شئت :خرق في ورعه...! وتفصيل ذلك في أن المنافحة ضد كل كليمة – أو حتى كلمة إ – وكل مخطوطة قلم، وكل خاطرة سارحة في الفضاء ، تخالف رأيي بقسوة ، أو تؤيد رأي مخالفي في رأيهم، أقول: أن المنافحة الدائمة عن تلك أو تيك ، لهو برهان على ضعف التوكل على السميع البصير ونقص الثقة في قدرته وعدله وبطشه وفصله عز وجل بين الناس بالحق- ولو بعد حين – وقليل هَمِ بالآخرة كثيرُ هَمِ بالنفس وشأنها والدنيا وحظوظها .. فاحترس تحترز...!
كما علينا أن نتعوذ بالله صباحا مساء من الآية { ويذيق بعضكم بأس بعض } ..فتلك القاصمة للظهر والقلب..
كما أن ذوي الحياء الأنقى والحجة الأقوى ،يترفع سن قلمهم عن التلاسن والتطاعن و التفاحش في القول مع أي مسلم مهما صغر شأنه أو عظم جُرمه... والترفع أوثق في حق إخوانهم في الله لا ريب.
كما أن في صيغة " ما بال أقوام " الراقية ، ممدوحة عن " الردح " المهتك و " التلقيح " المبتذل، و فحش القول الصفيق .. وأن التناصح أجدى من التناطح، و التسامح أربح من التواقح...! إي وربي..
كما أن أهل الحق يهدرون كثيرا من تضامن الآخرين مع حجية طرحهم، بالتشاتم الصريح والتلاعن الفظ والتعايب الغليظ والتخاصم فًعلامَ...؟ ولِمَ ..؟؟!
أني وفي هذه الأيام ما رأيت أضر على الوطن ولا أشأم من التنابز والتنابذ في المعارك الكلامية، يتنابلُ كل من الطائفتين أيهم أشد فتكا وأكثر جمعا وأشر إفسادا لذات البين...! يا إخوتي، يا أحزابنا، يا شيوخنا، يا نوابنا يا .... و يا.... : أليس منكم رجل رشيد..! ؟ أما تعلمون أن تلك الحالقة..! كما أخبرنا كريم الخلق صلى الله عليه وسلم « ...تحلق الدين كما يحلق الموسى الشعر »...! فإنا لله..! ونعوذ به ونلوذ من شر أنفسنا.
كما أن اطمئناني فقط إلى حكمة العلي القدير الحكيم، في عدم إجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يجعل بأس المؤمنين بينهم، هو ما يسكن أنيني على ما صارت إليه سياستنا في الخصومة ..كنت دوما أتحسر وأحدث نفسي " لِمَ يا رحمن تركت بأس الأمة بينها ولم تعافها ؟ "
يجب أن نفهم معنى هذا الحديث – حكومة وشعبا - فنتمرس على الصبر والحكمة والحلم والتمسك بالحياء وعفة اللسان وهجر الانتصار للذات والزهد في حظوظ الدنيا و الترفع بالقلب عن مستنقعات الثأر والانتقام، فالوطن ينادي ولا وقت لمعارك في غير محلها، وصدق القائل " المصلحون لا وقت لديهم للملاسنات ".
إن اللحظات الصعبة التي تمر بها موريتانيا يجب أن تنأى بكل واحد منا عن ولوج بحر الخصومات وتبادل الشتائم الذي لا ساحل له ونَشُد على عضُد بعضنا البعض من أجل إيصال هذا الوطن إلى بر الأمان.
شكـــر الله سعيــكم