تقع مدينة أزويرات عاصمة تيرس زمور في الشمال الموريتاني, وقد ارتبطت بثروة موريتانيا المنجمية من الحديد، وكانت في بداية عهدها يهيمن عليها الفرنسيون الذين يديرون عمليات استخراج الحديد من جبال تيرس الزمور عن طريق شركة (ميفرما)، لكنها وبعد التأميم أصبحت أهم المدن الموريتانية...
ورغم أن أغلب سكان المدينة يعملون في القطاع ألمنجمي بالشركة الوطنية للصناعة والمناجم (اسنيم) فإن الكثير من الأسر تعيش على التجارة الحدودية والتجارة المحلية المتصلة.
إن الدراسات التي قامت بها الدولة مؤخرا لصالح هذه المدينة والمعروفة اصطلاحا (بالطاولات المستديرة لتنمية ولاية تيرس زمور) كانت استعجاليه ودون المستوي وفرصة للمنتفعين من مثل هذه النشاطات...مما ينم عن جهل تام بالمدينة وأهميتها,,
من الضروري جدا في ظل زيادة أسعار خام الحديد الآن أن تتبنى شركة "اسنيم" هدف مضاعفة إنتاجها، بعد أن فاتتها الفرصة في إنجاز ذلك خلال سنوات الطفرة الحديدية 2008/2014 ويبدوا أن الوقت قد ضاق على الشركة حيث أن عمالقة الإنتاج ستقوم بإغراق السوق ابتداء من 2018 .ضف الى ذالك أن الشركات الصينية التي كانت متوقفة ستستأنف الانتاج من جديد بعد التحسن الآني في أسعار الحديد حسب اهل الاختصاص..
في هذا الصدد أعلنت الشركة في الآونة الأخيرة عزمها على تنفيذ مشروعين هما:
- مشروع تجريف الميناء الذي يهدف إلى تقليص معتبر لتكاليف شحن المعادن من خلال
استقبال سقفا أكبر حجما..
- مشروع عصرنة مصنع القلب1 لتأمين استمرارية استغلال هذه المنشأة الهامة وتحسين كلفة إنتاجها.
فهل تكفي هذه المخططات الاستثمارية، لمواجهة التحديات؟! أم أن الشركة ستظل مكتوفة الأيدي حتى تأتيها الأزمة القادمة؟ ولماذا لا يكون هناك تدخل الأبناء المدينة في مثل هذه الحالات؟
أثناء زيارتي للمدينة في الأسابيع الماضية لا حظت نقص شديد في الصيانة لمنشآت الشركة سنيم Snim ومرافقها المختلفة وربما يعود سبب الحوادث التي وقعت في الآونة الأخيرة الى أن أكثرية السيارات والمعدات الثقيلة اطاراتها قديمة ولم تستبدل منذ مدة!!
فمن المسؤول عن هذا الاهمال؟ ولماذا لم يتم تداركه؟ أم اننا في هذه الحالة ننتظر كالعادة حتى تقع الكارثة!!
والجدير بالذكر أن هذه المدينة أنجبت عقولا متخصصة في جميع المجلات المعرفية: علوم تقنيات آداب وفنون دراسات إسلامية ,,,الخ
موزعين على وزارات وإدارات الدولة المختلفة وفي الخارج شأنها في ذالك شأن المدن الصناعية التي يأتي إليها العمال عادة من جميع أنحاء الوطن مما يشكل لأبنائهم قاعدة أساسها العمل وغاياتها التنافس والإبداع الخلاق...
اثناء تجولي في المدينة كعادتي صدمني التغيير الجذري الذي طرأ عليها في زمن قياسي والمشكلة أن هذا التغيير قد يكون الى الأسوأ خاصة أن الأهالي في أزويرات مفتوحيين على الجميع بدون تحفظ وهذا مكمن الخطر فلم تعد تسمع في ربوع موريتانيا الا الاستجمام في تيرس والتنقيب عن الذهب... وسلوكيات اهل الاستجمام ومافيا الذهب!!
وعادة في مثل هذه الحالات تنتعش الولاية وتعطييها الدولة أهمية قصوى وتنشأ فيها مرافق نوعية وتنميها اقتصاديا على الأقل بمساهمتها في ميزانية الدولة وماتوفره من العملة الصعبة للبلد حيث تساهم ب23 بالمائة من الناتج الإجمالي و50 بالمائة من العملات الصعبة ..
لكن لم يحدث شيء من هذا فمازالت المدينة تعاني عزلة خانقة بفعل افتقارها إلى طريق مسلفل يربطها بشبكة الطرق داخل البلاد والعاصمة أنواكشوط وتسيب في مرافقها المختلفة والفقر المدقع الذي تعاني منه الساكنة أي: الحرمان من الاحتياجات الإنسانية الأساسية، بما في ذلك الغذاء ومياه الشرب المأمونة ومرافق الصرف الصحي والصحة والتعليم ..
وهذا ما جعل الجزائر والصحراء الغربية توظفان هذه الثغرات بزيادة التبادل التجاري في المواد الأساسية والمحروقات حتى وصلت هذه الأسعار إلى دون النصف لما عليه في العاصمة نواكشوط وبات المواطن العادي يفضل هذه الدول على دولته الأم.. فهل يملأ الأبناء هذا الفراغ بوضع الدولة أمام مسؤولياتها؟ وهل ستبقي الدولة على إهمالها للمدينة؟!
لقد بدأت الدولة في الآونة الأخيرة على استحياء بإنجاز الطريق مسلفل أزويرات أنواكشوط ورغم مرور سنوات على تنفيذ هذا الطريق إلا أنه لم يكتمل بعد لأن الشركات المشرفة غير متخصصة واستعجالية!
وفي هذا الموضوع كنت قد كتبت مقالا بعد زيارة ميدانية لعين المكان منذ سنوات بعنوان : طريق أزويرات أطار..أسمع جعجعة ولا أرى طحينا!!
http://www.aqlame.com/article17609.html
كان علي أن أسافر من جديد عبر هذا الطريق لأعيش وأروي الأحداث كما أشاهدها فلسان الحال أفضل من لسان القال...
صحيح أنه حدث تحسن في انشاء هذا الطريق لكن مازالت منه حولي 80 كيلومتر غير مكتمل بعد! وسبب التأخر يعود الى قضايا شكلية تارة نقص المياه وتارة أمورا أخرى!!
فهل يرضي أبناء المدية هذا التهميش؟ ولماذا هذه القطيعة مع مدينتهم وأهلهم؟ في حين يتوافد عليها الآخرون من كل مكان !!
وحرية الفرد في المجتمع على قدر عمله، فإذا أخذ من عمل الآخرين مما يعطيهم من عمله، فقد من حريته بقدر ما يزيد لهم عنده، وأكثر الأفراد من يرون آثار عملهم فيما بين أيديهم من حاجات...
وأقسى ما يواجه الحر من عقبات أن يجد نفسه غريقا في عطاء الآخرين، وليس له ما يعطيهم، لشعوره بأن ذلك على حساب حريته.
ولا أرى أن أبناء عروس الشمال يرضون بأن يتحولوا الى شحاذ ينتظرون من يمد لهم يد العون.. وأن يتركوا مدينتهم فريسة لكل من هب ودب!.