في لحظة مفصلية.. تلك اللحظة التي عبرنا من خلالها بتخفيض عتبة السن القانونية للترشح لرئاسة الجمهورية، ووُصفت بأنها جامعة ومعبرة عن وحدة الموريتانيين وإرادتهم الشبابية،على عادتها، تشهد التعديلات الدستورية في موريتانيا مخاضاً من رحم الشعـب. الفصل المتغير هنا فقط يكمن
في الخلل التقديري لمجلس الشيوخ الذي حرم مخرجات الحوار الوطني الشامل من "التكلفة الحديةMarginal Cost ".
ولأن من الإنصاف للفكر السياسي عدم إهمال الجمعية الوطنية الموريتانية وأغلبيتها الساحقة التي صادقت على تعديلات الدستور، ومن خلال معادلة رياضية بسيطة نجد بأن الجمعية الوطنية تفوق مجلس الشيوخ في المقاعد البرلمانية بما يزيد على الضعف، اعتمد الأخ رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز على روح الدستور باعتباره الضامن لحسن سير المؤسسات، واتخذ القرار الدستوري المناسب باستخدام المادة 38 لإجراء الاستفتاء وترسيخ الخيار الديمقراطي والحفاظ على إنجازات بلادنا التي حققتها في هذا المجال.
يسلط هذا المقال الضوء على الساسة الراديكاليين وإرهاصات الصحافة الصفراء في موريتانيا بغية الوقوف عند الموجة الاعتراضية التي تبدت من خلال اعتراض مجلس الشيوخ على التعديلات الدستورية، موصول بكتابات صحفية تفترش للمؤسسة العسكرية حيات وعقارب.
الانطلاقة: 33 شيخاً يقودهم بروتوس!
لم يكن من المتوقع أن يصوّت مجلس الشيوخ الموريتاني برفض التعديلات الدستورية، فالمعارضة لا تتوفر في المجلس سوى على 10 مقاعد برلمانية من أصل 56 مقعداً، بمعدل 18.8 في المئة، بينما تتمتع أحزاب الموالاة بأغلبية مريحة تناهز 81.2 في المئة من مقاعد الشيوخ، وعلى وقع تصويت 33 شيخاً ضد التعديلات الدستورية التي أجازتها الجمعية الوطنية جاء الطعن في ظهر الديمقراطية، وأكثر ما يثير الدهشة بعد ذلك هو حماسة الشيوخ المعترضين لتعطيل المشاريع القانونية المقدمة إليهم من طرف بعض أعضاء الحكومة.
إلا أن المادة 38 من الدستور الضاغطة، أدخلت الخوف إلى قلوب الساسة الراديكاليين فانكفؤوا إلى الداخل وعضّوا على أيديهم فتقلصت ساحة الاعتراض والتحم الشرخ.
الماكينة السوداء للدعاية الراديكالية: "الصحافة الصفراء"
قد لا يستدعي بالضرورة علم الميثولوجيا خرافات غايتها تأليب أبناء شعبنا على ذاته بقدر ما تنشط الصحافة الصفراء في بلادنا على حياكة صور دعاية سوداء ضد الجيش الوطني كمؤسسة، وضد الغيورين على الوطن.
ولعل آخر هذه الكتابات ما تم تداوله من إساءة للشخصية العسكرية وروحها الوطنية عبر التعرض للمقدم شيخنا ولد القطب، ولكن لا أحد يستطيع أن يرسم صورة سوداء لمن افتدى بلاده بدمائه، ويعلم الجميع مدى وفائه لقيادته وإيمانه بقدسية الرسالة الوطنية، لذلك وجب التنويه بأن تحسين العلم الوطني بخطوط حمراء تردع المتطاولين على الثوابت والمقدسات وتعيد إلى الأذهان المكتسبات التي سالت في سبيلها أودية من الدماء، قد يتعارض بالدرجة الأولى فقط مع الماكينة السوداء للدعاية الراديكالية.
في النهاية لعل القيمة المضافة الأهم للديمقراطية في أبهى صورها تتمثل بأنها بحاجة إلى الطموح من أجل العلم والتعلم والبحث عن الصواب بشيء من الاحتشام يوازي بين الطموحات الشخصية والطموحات الحزبية، ويقدم المصلحة الوطنية ويحفظ الثوابت والمقدسات ويكسر احتكار الزعامات للفعل الانتخابي ومساره، على مستويات الترشح.
وفي حين نحن بحاجة لتقديم أولوية الاستقرار والأمن على الحسابات الحزبية، فإن الجميع مطالب بفعل وطني يتطلب جرأة وشجاعة وواقعية يتجسد في التصويت بنعم للتعديلات الدستورية المنبثقة عن مخرجات الحوار الوطني الشامل،التي ستوفر مظلة سياسية واجتماعية ضرورية، وستفتح طاقة من الأمل لمستقبل موريتانيا على المستوى الاقتصادي، والمكاسب التي لم تكن لولا دماء المقاومين وتضحيات الشرفاء.