كان رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز على موعد مع التاريخ في صبيحة الثالث من مايو 2016 بمدينة النعمة، أمام أكبر حشد جماهري تشهده المناطق الشرقية منذ الاستقلال، حيث اتخذ قرارا تاريخيا بالعزم على إلغاء الغرفة الثانية للبرلمان ممثلة في مجلس الشيوخ باعتبارها زائدة - وهو ما يعني
توحيد البرلمان في غرفة واحدة منتخبة مباشرة من طرف الشعب-
واستبدالها بمجالس جهوية محلية منبثقة عن المواطنين وقريبة منهم.
وهو ما يعكس فهم الرئيس العميق لمتطلبات التنمية الشاملة والآليات التي يمكن أن تحقق بها، كما يعكس النصح الأمين لحكومته وأعوانه.
فالمجالس الجهوية تعد إطارا ملائما لبلورة الاستراتيجيات التنموية الاقتصادية والاجتماعية، وتعبئة الموارد البشرية والطبيعية والطاقات المحلية ، وفضاءا لابد منه لتنسيق جهود التنمية. فإقرار الجهوية واعتمادها كوحدة لامركزية إدارية بموريتانيا يعتبر خطوة جريئة تستحق الإشادة والوقوف إلى جانبها والدفاع عنها، لما ستشكله هذه الوحدات من تحول في العلاقة بين المواطن وأجهزة الدولة . إذ أن هذا القرار يدخل في صميم الإصلاح الإداري المنشود ومحاربة الفساد حيث أصبحت الجهوية أداة للإقلاع السيوسيو اقتصادي وقاطرة للتنمية بصفة عامة، فالسياسات الاقتصادية المعاصرة أصبحت تعتمد على التنظيم الجهوي باعتباره الإطار الأصلح لوضع كل الاستراتيجيات التنموية وكذا كل تخطيط اقتصادي طموح.
إن سياسة اللامركزية الجهوية الإدارية، أصبحت إحدى أهم الأسس التي تتميز بها الأنظمة المعاصرة بل إنها أضحت مكونا رئيسيا لهذه الأنظمة، إلا أن درجة الأخذ بهذا النظام تختلف من دولة لأخرى، تبعا لخصوصيات كل بلد لأن الظواهر السياسية تمتاز بالخصوصية، ولاشك أن السمو والرقي بالديمقراطية المحلية وباللامركزية الإدارية نحو مستويات أعلى من البلديات سيساعد لا محالة الدولة الموريتانية على مواجهة طوفان العولمة، وما يحمله من مفاجآت تجلى أبرزها في الثورات والانفجارات الشعبية التي هزت عالمنا العربي وباتت حديث الساعة من جهة، والمحافظة على الهوية والأصالة والوحدة الوطنية والترابية والاجتماعية للبلد، وكذا المساعدة على ضمان الاستقرار السياسي على المستوي الداخلي، والنهوض بالتنمية المحلية من جهة أخرى .
ذلك أن توسيع اللامركزية الإدارية من خلال النظام الجهوي باعتبار الولاية جماعة ترابية لامركزية، وعدم الاقتصار على المستوى القاعدي الوحيد للامركزية المتمثل في البلديات سيخلق إطارا وفضاء جامعا للتحاور والتشاور وتنسيق لجهود السكان المحليين، مما سيمكنهم من المشاركة في التنمية الجهوية الشاملة وبالتالي بناء مناطقهم (جهاتهم) والمشاركة في القرارات السياسية على الصعيد المحلي والوطني.
إن الجهوية ستكون بمثابة حقل لبروز نخبة جديدة على المستوى الجهوي بالولاية، تكون نزعتها الدفاع عن الولاية التي تنتمي إليها بالطبع، وهذا، ما سيجعل من الولاية (الجهة) كدرجة أعلى من البلدية في النظام اللامركزي الإداري الموريتاني حدث مدني وسياسي، من شأنه أن يوسع مجال الممارسة الديمقراطية على صعيد أوسع من البلديات، أي على مستوي التقسيم الترابي بالبلاد ويعزز دور اللامركزية الإدارية في تحقيق التنمية المحلية.....
إن الممارسة الديمقراطية من خلال الجهوية الإدارية ستسهم في تدبير التنوع المجتمعي بصورة بناءة وسليمة، وستعزز من اعتماد العدالة بأبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية، كما ستشكل مدخلا كفيلا بتدبير المشاكل والاختلافات، وضمانة للتعايش السلمي بين المجتمع، والمحافظة على تماسكه المبني على وحدة الدين والمذهب، كما ستسهم في التقليل من الفوارق الاقتصادية والشعور بالغبن بين الولايات. فالمشاركة الفاعلة متى توافرت شروطها سينمو الشعور بالثقة والأمل لدى المواطن ويترسخ نوع من التواصل البناء بين الجماهير وصانعي القرار، وتكون بمثابة أرضية ناجعة لتحقيق تنمية كفيلة بتحسين أوضاع المواطنين، وكما ستعطي معنى للمؤسسات والقنوات السياسية والحزبية وتسمح بنوع من الاستقرار داخل المجتمع .
وهوما يتطلب تخويل الجهات (الولايات) صلاحيات وازنة في إطار مؤسسات ديمقراطية ومنتخبة بصورة مباشرة، والعمل على توفير الإمكانيات البشرية والتقنية والمالية اللازمة لبلورة تدبير ميداني فاعل وناجع.