تكشف الأحداث المتلاحقة في الشام عن عمى كبير في عيون طبيب العيون وعجز مستغرب على شاب كان يظن به أن يكون أكثر "إدراكا وفهما ووعيا" من بقية قادة الدول العربية المتهاوية عروشهم بفعل التكلس والإفلاس السياسي ، ووعي الشباب العربي ، وعودة الروح إلى الشعوب بعد نوم طويل.
يصر دكتور العيون على اعتماد رؤية البنادق والدبابات في التعامل مع أحرار الشام وحرائرها ، وهو يتمنى لو نجح في تجربة الأسد السابق في إبادة سكان المدن السورية بدم بارد، وبعيدا عن الأعين والأقلام، لكن العالم في العام 2011 ، ونظام الأسد الجريح في حكم المنتهي سياسيا وفكريا واستيراتجيا.
فالأسد انتهى سياسيا لأنه يعتمد على حزب البعث "الذي يمثل الأمة" ونظام الحزب الواحد يستحق أن يوضع في أقرب "متحف" كنظام سيء الصيت والقول والعمل ، وكفترة من تاريخ الأمم سرعان ما تجاوزتها الأحداث في أغلب دول العالم ، وإن كانت لعبة الممانعة وتضخيم الخطر الخارجي أطالت عمره في الشام ، لكن هروب بن علي ووجه عمرو سليمان الشاحب وهو يقرأ قرار "الرئيس محمد حسني مبارك التنحي عن منصب رئيس الجمهورية" بلسان متلعثم لاحن ، واهتزاز عروش القذافي وصالح .. تقول إن الأسد الجريح قد يسبقهما للحاق بعصبة الإجرام هناك في مزبلة التاريخ.
والأسد انتهى فكريا لأنه آخر الأنظمة القومية في المنطقة العربية ، وبغض النظر عن الموقف من هذا "الفكر الطيني" فقد تقاطع في المنطقة العربية مع القمع وتصفية الخصوم واستنزاف الخيرات ، واحتكر تمثيل الدولة في أفراده ، فهو الوصي والممثل والحاكم ومصدر التشريع... كما أن تعامله مع الأقليات غير المنتمية لقوميته كان فضيحة الفضائح ، فمن يمكن أن يتصور "منع" بعض سكان سوريا ــ من الأكراد ــ من الحصول على جنسية دولتهم ، بحجة أنهم غير عرب.
وقد كشفت الثورات الناجحة أن الأنظمة القمعية تطيل عمرها من خلال تمزيق وحدة البلاد ، وتصوير أن بقاء كل قومية رهين بمضايقة بقية القوميات وسلب حقوقهم وربما تصفيتهم جسديا ، ظهر ذلك بشكل جلي في مصر ، وله نماذج عديدة في دول عربية أخرى.
والأسد انتهى استراتيجيا ، لأنه لم يعد لديه ما يقدمه ، فقد أفلس نظامه القابع على رؤوس السوريين منذ أكثر من نصف قرن ، هل يتصور أن يكون تعليق النظام على مطالبات الشعب بحريه حديث طويل ممل ، في مهرجان برلماني مرتب بإحاكم يتحدث عن تنفيذ وعود العام 2005 ، يتحدث عن رفع حالة الطوارئ ، وعن تقسيط حريات الناس ، عن منح الجنسية لمن ينلها من سكان سوريا ، ثم يدخل بعد ذلك في لعبة الأنظمة ما قبل السقوط من اتهام المتظاهرين بالعمالة للخارج ، ثم الانتماء لتنظيم القاعدة ، ثم الاستخدام المفرط للقوة والقوة فقط ، وإطلاق يد كلاب الأجهزة الأمنية المسعورة ، -وللأسد ونظامه تجربة مع الكلاب طويلة-.
أيها الأسد الجريح لمعلوماتك فقط نحن في العام 2011 ، وقد اكتشفت الشعوب طريقة ترويض الأسود ، كما أتقنت التعامل مع الثعالب الخداعة ، وقد أجبرت رئيس أقوى نظام بوليسي عربي على الهرب جهارا نهارا ، كما أجبرت ثعلب مصر على إعلان إفلاسه المادي بعد الأخلاقي قبل أن يساق ويجرجر هو وشلته اللصوصية إلى سجن طرة ، فهل ستستفيد من هذه المعلومات ؟ وترى الأحداث بعين صحيحة ، وتترك للأحرار الشام وحرائرها طريقهم سالكا نحو الحرية ، أم أنك ستتصلب داخل "عرينك المهدد" حتى تصل أيدي حرائر درعا وبانياس وحمس واللاذقية ودمشق وغيرها من قرى الشام المناضل والحبيب أليك ؟
حكم عقلك وارحل قلم يبق الكثير من الوقت... أجزم بذلك...