أثار الإعلان عن التشكيلة الجديدة لقيادة المنتدى نقاشات حادة وردود أفعال قوية، وكان السبب في ذلك هو ظهور اسم أحد وزراء التطبيع في عهد ولد الطايع على رأس لجنة العلاقات الخارجية في التشكيلة الجديدة.
إن هذا النقاش الدائر حاليا حول هذه التشكيلة الجديدة لقيادة المنتدى ليستدعي تقديم جملة من الملاحظات لعل من أبرزها:
(1)
إذا كانت هذه التشكيلة الجديدة قد ضمت رمزا من رموز التطبيع إلا أنها في الوقت نفسه قد ضمت عدة أسماء من رموز رافضي التطبيع، ويمكن أن أتحدث هنا عن رئيس التشكيلة السيد جميل منصور، وعن رئيس اللجنة السياسية السيد محمد ولد مولود، وعن رئيس لجنة الإعلام السيد صالح ولد حننا. ظهور مثل هذه الأسماء وغيرها ليؤكد بأننا أمام تشكيلة تضم أسماءً لا يمكن المزايدة عليها، لا في النضال بصفة عامة، ولا في مقاومة التطبيع بصفة خاصة.
(2)
على صعيد الاحتجاج الميداني فإنه لا يمكن أيضا المزايدة على المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، وذلك لأنه يمثل اليوم الكتلة السياسية الوحيدة التي تنزل إلى الميادين للتعبير عن رفضها للتعديلات الدستورية، ولم يؤازره في ذلك إلا حراك "محال تغيير الدستور" الذي نظم هو أيضا بعض الأنشطة الميدانية الرافضة للتعديلات الدستورية. هنا أتحدث فقط عن الأنشطة الميدانية ذات الطابع الاحتجاجي، أما بالنسب للأنشطة الأخرى الرافضة للتعديلات الدستورية، وغير الاحتجاجية، فقد كانت المشاركة فيها أوسع وأشمل، وقد شارك فيها من ينتمي للمعارضة ومن لا ينتمي إليها. وهنا يمكن أن نذكر القانونيين، والشعراء، والفنانين، ودون أن ننسى بطبيعة الحال الشيوخ الذين يرجع لهم الفضل في إيقاف المسار الدستوري للتعديلات الدستورية.
(3)
لا خلاف على أننا نمر اليوم بلحظة سياسية حاسمة، وفي مثل هذه اللحظات الحاسمة فإنه لا يقبل من أكبر تشكيلة معارضة في البلاد أن ترتكب مثل هذا الخطأ، أي أن تعين رمزا من رموز التطبيع الذي يرفضه كل الشعب الموريتاني في واجهة تشكيلتها القيادية.
صحيح أن الشخص المعني هو من أصحاب الكفاءات العالية في المجال، وصحيح أيضا أنه من أحسن السياسيين خلقا، ولكن الصحيح أيضا أنه قد ارتبط اسمه في الذاكرة الجمعية بملف التطبيع الذي يكاد الشعب الموريتاني أن يجمع على رفضه.
إن المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة هو في النهاية تشكيلة سياسية، ولذلك فإنه ملزم بأن يحترم مزاج مناضليه ومزاج الشعب الموريتاني، وأن لا يختار للواجهة من يرمز في الذاكرة الجمعية للتطبيع أو للفساد أو لأي ملف آخر من الملفات التي يجمع الشعب الموريتاني على رفضها.
(4)
كان على معالي وزير الخارجية أن لا يترشح لمثل هذا المنصب في مثل هذا الوقت الحساس، وكان عليه أن يرفض الترشيح إن تم ترشيحه من طرف قطب الشخصيات المستقلة. وكان عليه أن يعلم بأن العمل المعارض هو في النهاية تضحية، ولذلك فكان عليه أن يضحي بهذا المنصب الذي لا خلاف على أنه يستحقه أكثر من غيره، وذلك لأنه يعلم بأن توليه لهذا المنصب في مثل هذا الوقت سيسبب حرجا للتشكيلة السياسية التي ينتمي إليها. كان على وزير الخارجية أن يقبل بأن يناضل في مثل هذا الوقت الحساس في الصفوف الخلفية، وكان عليه أن يتنازل في مثل هذا الوقت عن المكانة التي يستحقها في واجهة المنتدى، وذلك على أساس أنه كان قد احتل الواجهة في فترة غير مضيئة من عهد ولد الطايع.
(5)
بما أن معالي وزير الخارجية لم يقبل بأن يناضل في الصفوف الخلفية، وبما أن المنتدى قد أعلن عن التشكيلة التي يوجد بها اسم الوزير، وبما أن ذلك قد قوبل برفض واسع من طرف جماهير المنتدى، فإنه في هذه الحالة قد أصبح من اللازم، ومن الضروري والملح، أن يتم تصحيح هذا الخطأ.
إن الرفض الواسع الذي عبر عنه نشطاء المعارضة في مواقع التواصل الاجتماعي، والذي عبر عنه أيضا بعض قادة الأحزاب المشكلة للمنتدى، خاصة في حزبي تواصل وحاتم من خلال الاستقالة أو تجميد العضوية، إن هذا الرفض الواسع يجب أن يتم التعامل معه بجدية. إن من بين الأمور التي تنتقد بها المعارضة السلطة هو أن هذه الأخيرة لا تستجيب لاحتجاجات الشعب، وحتى لا يقع المنتدى في هذا الخطأ، فإن من الواجب عليه أن يستجيب الآن للمطالب التي يعبر عنها مناضلوه من خلال منشوراتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، أو من خلال أحاديثهم التي يتحدثون بها بشكل علني ومباشر في الأمكنة الخاصة و العامة.
(6)
هذا الجدل الذي أثاره تعيين أحد وزراء خارجية ولد الطايع على رأس لجنة الخارجية للمنتدى يطرح مسألة في غاية الأهمية تتعلق بظاهرة انخراط بعض كبار الموظفين في الأنظمة السابقة بصفوف المعارضة.
وفي اعتقادي بأنه علينا أن نميز بين نوعين من كبار الموظفين:
ـ وزير أو موظف كبير لم يرتبط اسمه بالفساد أو بالتطبيع أو بغير ذلك من الملفات المرفوضة شعبيا. هذه الطائفة من كبار الموظفين يجب أن يرحب بها في أي وقت، ويحق له أن تحتل الواجهة إذا ما رفعتها الكفاءة والمكانة السياسية إلى تلك الواجهة.
ـ وزير أو موظف كبير ارتبط اسمه بملفات مرفوضة شعبيا كالفساد أو التطبيع. هذا النوع من الموظفين يمكن أن يقبل في صفوف المعارضة، ولكن ليس من المقبول أبدا أن يدفع به إلى الواجهة الأمامية لأكبر تجمع معارض.
قد نقبل مستقبلا بأن ينخرط ـ وبعد أن يكون الرئيس الحالي قد خرج من المشهد السياسي ـ وزير الاقتصاد والمالية الحالي أو وزير العدل أو وزير النطق في صفوف المعارضة، ولكن أن يدفع بأحد من هؤلاء الثلاثة إلى واجهة المعارضة، فإن مثل ذلك سيحول الفعل المعارض إلى عمل عبثي لا طائل من ورائه. إن هؤلاء الثلاثة قد عرفوا في الذاكرة الجمعية بأنهم من دعاة المأمورية الثالثة ومن رموز العبث بالدستور، ولذلك فإن الدفع بهم إلى واجهة العمل المعارض ـ إذا ما تغيرت الأمور ـ سيكون من الأخطاء الجسيمة التي لا يمكن القبول بها.
ختاما
على المنتدى أن يصحح هذا الخطأ الذي وقع فيه في أسرع وقت ممكن، ولن يتم ذلك إلا باستبدال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بشخصية مستقلة أخرى. أما إذا كان معالي الوزير مصرا على البقاء رئيسا للجنة العلاقات الخارجية، أو إذا كان القطب السياسي الذي اقترحه على الشخصيات المستقلة مصرا على بقائه، فإن معالي الوزير في هذه الحالة عليه أن ينظم مؤتمرا صحفيا يعتذر فيه للشعب الموريتاني عن مشاركته في التطبيع.
تنبيه: إني أتحدث هنا بصفتي كاتبا أبتلي بالكتابة في الشأن العام، ولا أتحدث بصفتي في المنتدى. الأولى تفرض عليَّ أن أعبر عن رأيي الشخصي علنا، والثانية تفرض عليَّ أن أعبر عنه داخل دوائر مغلقة، وفي حالة وجود أي تناقض، وقليلا ما يوجد مثل هذا التناقض، فإني سأغلب صفة الكاتب على صفة الناشط في المنتدى.
حفظ الله موريتانيا..