" مأتم" الشغيلة الوطنية..!! / حبيب الله ولد أحمد

altليس في الظروف المأساوية الصعبة للعمال الموريتانيين اليوم أي هامش حتى لتصنع الفرح والاحتفال_ ولو قسرا_ بالعيد الدولي للشغيلة، الذي يصادف الفاتح مايو من كل سنة.. وإذا كان من بيننا "نقابيون" بمقدورهم تمثيل دور الاحتفال بيوم يمثل بالنسبة للعمال عندنا في هذه الظروف الخاصة مأتما حقيقي.

، حيث لا تحيل صورتهم إلا إلى عهود الظلم و"السخرة" فإن غالبية النقابيين تدرك أنه لا معنى للاحتفال_ وطنيا_ بيوم أفرغته الحكومة الحالية من كل معانيه النضالية المقدسة، وحولته بصلفها وحماقاتها واستهتارها بحقوق الشغيلة الوطنية إلى مجرد يوم "لكرنفالات" احتفال وهمي، تسير فيه "قطعان" العمال المغلوبين على أمرهم في مسيرات بائسة، تتقدمها شعارات حكومية فارغة تتحدث كذبا وزورا عن تحسين ظروف العمال، والاهتمام بهم، وصيانة حقوقهم، وتستحثها من الخلف "قيادات نقابية" حولت المركزيات النقابية، ونقابات "الحقائب" إلى أوراق للعب والربح في المواسم الانتخابية والتجاذبات السياسية المحلية.
لقد كان قرار "النقابة المهنية للممرضين والقابلات في موريتانيا" وشركائها في "منسقية نقابات عمال قطاع الصحة" بمقاطعة المظاهر الاحتفالية بعيد العمال هذه السنة، وإعلانه يوما للحداد والحزن على واقع العمال، قرارا شجاعا وحكيما وصائبا، فكيف يمكن لعمال مطحونين مظلومين منسيين مستهدفين حتى في أبسط حقوقهم تصنع الفرح، والانحناء لحكومة لم ترع فيهم إلا ولا ذمة، وإعطاء الانطباع -عبر مسيرات بائسة تخفى من المعاناة والألم ما لا تستطيع كل مظاهر الاحتفال المكذوبة التغطية عليه وتجاوز حقائقه- بأن العمال الموريتانيين في وضعية حسنة، وأنهم يخلدون عيد الشغيلة هذه السنة أيضا (على غرار بقية عمال العالم) في أجواء طبيعية وهادئة.
إن الذين سيساهمون في مسرحية الوهم الكبرى في الفاتح مايو هذه السنة، إنما يتحدون مشاعر العمال، ويرقصون على عرقهم ودمائهم، ويدفعون كل ضحايا الفاتح مايو، من الذين صنعوه بدموعهم ودمائهم ومعاناتهم، إلى التململ في مراقدهم وقبورهم وأضرحتهم -عبر العالم- شعورا بالعقوق من أجيال تخلت عن العمال، ونسيت واقعهم، وحولتهم إلى " قطعان" تستباح كرامتها، وتتم المتاجرة بكل قضاياها العادلة.
كيف يتحول مأتم إلى عيد يراد للناس الشعور فيه بفرح وهمي؟!.
هل يستطيع نقابي موريتاني يحترم نفسه اليوم الاحتفال بيوم تمارس فيه على العمال كل أنواع التضييق ويسامون فيه الخسف و سوء العذاب، ويبتلون بنقص في الأنفس والأموال والثمرات؟!.
أليس بمقدور المحتفلين – نفاقا- التوقف قليلا عن" المكاء" و" التصدية" للتساؤل:
لماذا لا تستجيب الحكومة للمطالب العادلة والمشروعة لعمال قطاع الصحة المضربين منذ ثلاثة أسابيع، والذين لا يريدون أكثر من حقوق طبيعية، تكفلها لهم كل القوانين المتعارف عليها محليا ودوليا؟!.
أليسوا عمالا موريتانيين يستحقون على وطنهم احترام ما يقومون به من واجبات وإعطاءهم ما يقابل تلك الواجبات من حقوق؟! ألا يموتون في "الجبهات الأمامية" كالجنود المخلصين، دفاعا عن المجتمع وحماية للمواطنين من خطر الأمراض والأوبئة؟!.
ألم يقدموا شهداء رائعين من نخبة شباب البلاد في كل المناسبات التي تعرضت فيها البلاد لهجوم وبائي أو مرضي؟!.
ألا يموتون يوميا بالعدوى بأمراض ليس أكثرها فتكا "السيدا" و"الكبد" و"السل الرئوي"؟!.
ألا يطالبون - ومنذ بداية إضرابهم الحالي- بعلاوة خطر المهنة، التي هي حق طبيعي لهم، فكيف نتصور بلدا يمنح لبعض عماله علاوة يحرم منها البعض الآخر، أليس في هذا خروجا على قيم العدل والإنصاف والمساواة وحقوق الإنسان؟!.
لماذا لم يتدخل رئيس الجمهورية لحل الأزمة، بدلا من الاكتفاء بتصنع ابتسامة عريضة، وعبارات غامضة في مواجهة ممثلي العمال الصحيين، الذين استقبلوه أينما حل وارتحل بمطالبهم وشاراتهم الحمراء المعبرة عن وضعية الإضراب؟!.
وإذا كان عمال الصحة لا يمثلون شيئا في هذا البلد، ويمكن التفكير حتى في تسريحهم، أو سجنهم، أو استبدالهم بآخرين، فما ذنب المواطنين الموريتانيين الذين تتحمل الدولة وحدها مسؤولية حرمانهم من الخدمات الصحية بتجاهلها لمطالب العمال وإضرابهم الذي شل كافة مظاهر النشاط الطبي والصحي على عموم التراب الوطني وحقق نجاحا تجاوز التسعين بالمائة بشهادة الجميع؟!.
وهل تعتقد الحكومة أن عمال الصحة بلا إحساس، ويكفى إرسال أمين عام هنا أو مدير مركزي هناك إليهم لإقناعهم بتعليق الإضراب ترغيبا أو ترهيبا؟ ألا يدخل ذلك التصرف الهمجي في إطار خرق القانون وممارسة الضغوط على العمال لثنيهم عن إضراب مستوف لكل المساطر القانونية والإدارية المحلية، يرونه وسيلة لنيل حقوق طبيعية وليس هدفا لابتزاز هذا أو إيذاء ذلك؟!.
لماذا تتجاهل الحكومة النقابات المهنية، خاصة نقابات عمال الصحة؟.. وهل الانتماء لمركزيات مسيسة تدار غالبا من مقرات أحزاب سياسية نافذة أو مغمورة هو ما تشترطه الحكومة للتفاوض مع العمال، الذين تهمش نقاباتهم المهنية، لمجرد أنها ترفض بشكل قاطع وحاسم ونهائي تسييس العمل النقابي، أو تحويله إلى دكان سقط للمزايدات السياسية (لقد كان في الإضراب الحالي لعمال الصحة البرهان الواضح على ذلك وشكلت المسيرة الحاشدة وغير المسبوقة التي نظموها عشية الدخول في الإضراب من المركز الوطني لأمراض القلب وحتى قصر الرئاسة موحدين خلف مطالب واحدة وسترة طبية جامعة رسالة واضحة للجميع بان عهد تمزيق لحمة العمال قد ولى وأن حقوقهم ونضالا تهم هي القاسم المشترك بينهم وأنهم قد ودعوا إلى الأبد أزمنة التقسيمات السياسية والاجتماعية والعرقية ليسيروا يدا بيد ومنكبا بمنكب دفاعا عن قضاياهم العادلة)؟! وحتى في التعامل مع المركزيات النقابية، لماذا تقوم الدولة باستمالة هذه المركزية، وسحب البساط من تحت مركزية أخرى، ولمصلحة من يتم تمزيق وحدة العمال، والزج بهم في صراعات فرعية، لا تخدم قضية، ولا تعيد حقوقا، ولا تحمى أي مبدأ؟!.
إن سكوت رئيس الجمهورية وحكومته بل والرأي العام الوطني عن إضراب عمال الصحة، وعدم التحرك لإنصاف العمال والمرضى معا، والرصاص الذي "نطق" - مرة أخرى - ضد عمال "الجورنالية" في ازويرات، والاستخفاف بمشاعر العمال عبر دعوة أقلية منهم لتكون ديكورا في حوار وهمي مع الحكومة، والاعتصامات اليومية لعمال مختلف مؤسسات الدولة ووزاراتها أمام الرئاسة للمطالبة بالإنصاف، واستمرار إهانة العمالة الوطنية، وإغراق السوق المحلي بالعمالة الأجنبية، وإقطاعيات المؤسسات الدولية الجشعة، التي اعتادت مص دماء الشعوب وطبقاتها العاملة، والثراء على حساب المصالح العليا للدول التي تحتضنها(فقد الموريتانيون مؤخرا شبابا من نخبة المهندسين والفنيين، ماتوا في ظروف غامضة، وهم يعملون ميدانيا لحساب مؤسسات دولية، ترفض الكشف عن طبيعة المواد والمستحضرات التي تغرق بها مجالات تدخلاتها، وتتحرك - في أنشطتها المدمرة لحياة الإنسان ومحيطه - بعيدا عن أعين الرقباء في ولايتي تيرس الزمور وإينشيرى، كما يعانى عشرات العمال والمواطنين الذين تربطهم علاقة عمل أو جوار مع تلك المؤسسات من أمراض غامضة، كالسرطانات، والشلل المفاجئ وفقدان البصر أو السمع أو الذاكرة أو القدرة الجنسية، وغير ذلك من المعاناة التي لم تستوقف رئيسا ولا وزيرا، ولا ناشطا حقوقيا، ولا سياسيا معارضا أو موافقا، ولا عالم دين، ولا حتى ناشطا نقابيا "مركزيا")، والاكتفاء من الحوار الضروري مع العمال بمسرحيات استعراضية انتخابية فارغة شكلا ومضمونا، يحتضنها "ضجيج القصور"، بدل مكانها الطبيعي وهو"صمت القبور"، المخيم على المشهد العمالي الوطني كله، هذه كلها أمور حولت الفاتح مايو هذه السنة، إلى "مأتم وطني" حقيقي، لن يخلده، ولن يتصنع الاحتفاء به محليا إلا منافق "نقابي" معلوم النفاق!!.

30. أبريل 2011 - 14:12

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا