مراجعة الدستور في فرنسا وموريتانيا / د.يعقوب آلويمين

مراجعة الدستور في فرنسا وموريتانيا والفرق بين النظام الرئاسي والنظام الرئاسوي: ملاحظات مختصرة
عند مقارنة المادة 38 من الدستور الموريتاني مع المادة 11 من الدستور الفرنسي، اللتين تتحدثان عن إمكانية قيام رئيس الجمهورية باستفتاء الشعب، نجد أنهما تعكسان أحد مظاهر الاختلاف بين النظام الرئاسي (الفرنسي) 

والنظام الرئاسوي الموغل في توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية، والذي تكرسه بعض لدساتير منها الدستور الموريتاني. فعلى عكس المادة 38 من دستورنا التي تقول في جملة واحدة أنه "لرئيس الجمهورية أن يستشير الشعب عن طريق الاستفتاء في كل قضية ذات أهمية وطنية" دون قيد أو شرط ودون ارتباط بدورة برلمانية، حددت المادة 11 من الدستور الفرنسي بدقة المجالات التي يحق لرئيس الجمهورية استفتاء الشعب بشأنها، وهي مشاريع القوانين المتعلقة بتنظيم السلطات العامة، والإصلاحات المتعلقة بالسياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للأمة، والمصالح العمومية، أو تلك التي تهدف إلى السماح بالمصادقة على معاهدة، دون إخلال بالدستور؛ ستكون لها انعكاسات على سير المؤسسات؛ واشترطت أن يكون المشروع باقتراح من طرف الحكومة وخلال فترة الدورات البرلمانية أو بمقترح مشترك من الجمعيتين مجتمعتين. (Aricle 11: Le Président de la République, sur proposition du Gouvernement pendant la durée des sessions ou sur proposition conjointe des deux Assemblées, publiées au Journal Officiel, peut soumettre au référendum tout projet de loi portant sur l'organisation des pouvoirs publics, sur des réformes relatives à la politique économique, sociale ou environnementale de la nation et aux services publics qui y concourent, ou tendant à autoriser la ratification d'un traité qui, sans être contraire à la Constitution, aurait des incidences sur le fonctionnement des institutions.)
ويتضح هذا التوجه بجلاء في المادة 99 من دستورنا عند مقارنتها بالمادة 89 من الدستور الفرنسي، حيث نجد أن هذه الأخيرة تنص صراحة على ضرورة مرور كل مبادرة بتعديل الدستور عبر البرلمان، سواء كانت مشروع مراجعة (مقدم من الحكومة) أو مقترح مراجعة (مقدم من البرلمانيين، ويجب أن تصوت عليه غرفتا البرلمان (Le projet ou la proposition de révision doit être examiné dans les conditions de délai fixées au troisième alinéa de l'article 42 et voté par les deux assemblées en termes identiques)؛ ومن المعلوم لدى القانونيين أن مقرح القانون (Proposition) يكون مقدما من طرف البرلمانيين، بينما مشروع القانون (Projet) تتقدم به الحكومة؛ لذلك نجد أن الدستور الفرنسي نص صراحة على نوعين من المبادرة بتعديل الدستور، عن طريق المقترح المقدم من البرلمان وعن طريق المشروع المقدم من الحكومة؛ وعلى عكس هذه التفاصيل تحدثت المادة 99 فقط عن مشروع المراجعة دون إشارة إلى مقترح المراجعة، ولئن كان هناك سوء استعمال للمصطلحات، حيث إن مشروع القانون يطلق في القانون الدستوري على المبادرة المقدمة من طرف الحكومة، غير أن عبارة "مشروع مراجعة" وردت في الفقرة 2 من المادة 99 مربوطة بالبرلمانيين (لا يناقش أي مشروع مراجعة مقدم من طرف البرلمانيين ...)، وكان الأصح أن تكون الصياغة هي "لا يناقش مقترح مراجعة مقدم من البرلمانيين". وعدم ذكر مشروع مراجعة مقدم من الرئيس هنا يدعم القول بأن المبادرة التي يشترط لها مصادقة ثلثي الغرف البرلمانية هي تلك التي يتقدم بها البرلمانيون فقط.
ومما لا شك فيه أن مجمل هذه المسائل لم تكن غائبة عن أذهان واضعي وثيقتنا الدستورية، وبالتالي فلا تفسير لورود المادة 38 عامة وبدون قيد أو شرط، وعدم النص في المادة 99 على ضرورة مصادقة البرلمان أولا على مشروع مراجعة الدستور المقدم من طرف رئيس الجمهورية، سوى إطلاق العنان لهذا الأخير في تعديل الدستور عن طريق الاستفتاء متى شاء، تكريسا لنظام رئاسوي موغل في توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية على كافة السلطات الأخرى، بل وعلى حساب حكومته أيضا.
الفرق إذن بين مضمون المادة 11 والمادة 89 من الدستور الفرنسي من جهة والمادة 38 والمادة 99 من الدستور الموريتاني من جهة ثانية، هو بحجم الفرق بين النظام الرئاسي والنظام الرئاسوي؛ لذا فقياس مآلات مشروع مراجعة الدستور الفرنسي سنة 1962 في فرنسا مع مآلات مشروع مراجعة الدستور الموريتاني سنة 2017 هو قياس مع فرق شاسع.

10. أبريل 2017 - 18:59

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا