كان رهان أنصار جامي بالداخل و حلفائه في الخارج على الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت الخميس الماضي كبيرا باعتبارها قد تحقق عودة سياسية قوية لحزب جامي للمشهد السياسي و للجمعية الوطنية(البرلمان) مما قد يعيق أداء السلطة التنفيذية التي أطاحت بجامي الذي حكم غامبيا لفترة زادت على عقدين من الزمن.
إن فشل التحالف الذي أوصل بارو للسلطة في ترشيح قوائم موحدة في الانتخابات التشريعية الأخيرة أقلق الكثير من الغامبيين على مستقبل الشراكة السياسية بين التحالف الحاكم من جهة، كما عزز المخاوف في أن تسهم تلك الخطوة في تقوية حزب جامي.
لكن النتائج الهزيلة التي حصل عليها الحزب الوطني لإعادة التوجيه و البناء(حزب جامي) 5 مقاعد من أصل 58 (جري التنافس على 53 مقعد و يتم تعيين 5 الباقية من طرف رئيس الجمهورية )في هذه الانتخابات و الفوز الكبير الذي حققته أحزاب الأغلبية بدد مخاوف عودة رموز الدولة العميقة لنظام جامي لواجهة التأثير السياسي من خلال بوابة البرلمان، بعد أن خاض أنصار جامي حملة قوية لتأمين عودة مؤثرة في البرلمان ، الذي كان الحزب يسيطر عليه بأغلبية ساحقة.
صحيح أن الحزب الوطني لإعادة البناء و التوجيه يعتبر أكبر خاسر في هذه الانتخابات، لكن أكبر رسالة لنتائج هذه الانتخابات تكمن في طمأنة الغامبيين على مسار ديمقراطي جديد خال من نفوذ و تأثير رجالات الدولة العميقة في الحياة السياسية. تفسيرات التراجع السياسي لحزب جامي طبيعية -و إن بدت غريبة- فالحزب ارتبط بشخص جامي و لم يكن الحزب يتركز على قناعات فكرية راسخة و لا على برامج وطنية جادة، كما لم يكن لديه حرص على المصالح العليا للبلد، و إنما كان حزبا للدعاية السياسية و الحشد الانتخابي و الشعبي و الاستعراضي، و كان الناس ينتمون إليه إما بدافع الخوف أو بدافع الطمع.
الرابح الأكبر من هذه الانتخابات هي قوي التغيير التي أطاحت بجامي و بدرجة أولي الحزب الديمقراطي الموحد الذي كان ينتمي إليه الرئيس الحالي آداما بارو، و يترأسه وزير الخارجية الحالي حسينو داربو. فالنتيجة التي حصل عليها الحزب (31 مقعد من أصل 53) تخول الحزب أغلبية مريحة بالبرلمان، و هو أمر في غاية الأهمية. فالحزب الحاكم و التحالف الموالي له بحاجة إلي أغلبية بالبرلمان تسمح بتمرير الإصلاحات السياسية و الحقوقية و الاقتصادية التي تعتزم الحكومة الحالية القيام بها من أجل تضميد جراح مرحلة جامي خاصة على المستوي الحقوقي، وذلك بعد إعلان الرئيس عن تشكيل لجنة للحقيقة و المصالحة تعني بالكشف الانتهاكات التي حصلت في ظل جامي و تسعي لتعويض ضحايا تلك الانتهاكات و يُصادق عليها البرلمان الغامبي.
هذه النتائج لاشك أن لها تأثير آخر على طبيعة الجهاز التشريعي بالبلاد، فالجمعية الوطنية التي ظلت شبه محتكرة من طرف الحزب الوطني لإعادة التوجيه و البناء، تشهد لأول مرة في تاريخ البلاد تنوعا سياسيا كبيرا سينعكس حتما على أدائها و استقلاليتها بعد أن كانت جهازا أقرب ما يكون منبرا لتمجيد الرئيس و غرفة تسجيل. كما أن وجود أغلبية جديدة متشبعة بخطاب المعارضة ( نظرا لماضي أحزابها المعارض) سيرفع مستوي خطاب النواب بالتركيز على هموم المواطنين و تطلعاتهم.