للإصلاح كلمة تتعـلق بسطو عصابة على البنك في تفرغ زين / محمدو بن البار

كلمة الإصلاح هذه المرة تقول بادئ ذي بدأ إن الإجرام أصبح لكثرة البعد عن موانعه وهي التربية الحسنة والرعاية المؤمنة من جهة والبعد كذلك عن تحقيق موانعه من العتاد والعدد المهني من جهة أخرى ــ يمكن أن يقع في كل ساعة وتحت كل الظروف وبأبشع ما يتصوره الإنسان ـ وفي أقوى بلد عنده جميع الإمكانيات ـ 

إلا أن الإجرام وتـنفيذه ضد المراقبة الواعية وإحكام الأبواب الموصدة المانعة أصلا له بالحراس اليقظين المهنيين لا يتشابه مع الإجرام على الأماكن شبه المفتحة الأبواب 24 على 24 ساعة الخالية من المسؤولية المباشرة لأي راع سيحميها من اللصوص المجردين من السلاح ولا سيما اللصوص المحترفين المسلحين .
إن العالم الآن في كل دولة يعلم أن الإجرام أصبح مهنة أغلب هذا الإنسان الذي ينـقلب فجأة حيوانا عاقلا ولكنه مفترس ـ فأعدت الدول لهذا الحيوان هيئة مختصة في مكافحة هذا الحيوان المفترس وسماها الأمن الوطني العام وعندها اسم خاص يميزها عن اشتراك هذا الاسم مع غيرها وهو الشرطة .
وهذه الهيئة عملها وتوليها لهذه المهنة ليس جديدا على العالم ـ ولذا فقد تناولته الأقلام والأفكار بكثير من التحليل والغوص البعيد في كل أسلوب الإجرام ومكافحته في كل أنواع الإنسانية التي تجعـله مهنتها حتى أصبح وكأنهما مهنـتـين متـناقضـتين ومتصارعتين كل يبحث عن الآخر ولكل منهما أسلوبه وعمله في الموضوع وقد قام أكثر الدول بتطوير أمنها لمكافحة الجريمة حسب تطورها في العالم وخلقت لها آلياتها  الحديثة المتطورة.
وأود هنا أن نميز بـين الاصطلاحين الأمن والشرطة فكلمة الأمن أعم من الشرطة من ناحية الإطلاق لأنها تطلق على كل من يكلف بأمن شيء ولذا تدخـل الشرطة في هذا الاسم العام ، أما الشرطة فهي الهيئة المكلفة بالأمن ولكن ليس الأمن باللفظ الضيق وهو حفظ الأرواح والممتـلكات في الدولة والقدرة الدائمة على بسط الهدوء والسكينة على كل شبر من أرض الوطن ، بل الأمن المتعـلق بالشرطة يمتـد إلى مراقبة كل نشاط في الدولة يؤدي عدم انسيابه واستـقامته إلى زعزعة الحياة الهادئة والسكينة والطمأنينة في الدولة مثل: الأمن المتـقدم وهو حفظ الأرواح والممتـلكات إلى آخره والأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، ومعلوم أن هذه المسميات يدخل تحتها كثير من العناصر التي يتعـلق بها حياة المواطنين إلا أن الأمن الخاص المتعـلق بحفظ الأرواح وممتـلكات المواطنين تـتصرف الشرطة فيه مباشرة بضبطه والعمل فيه تحت إشراف رؤسائها المباشرين الإداريـين والقضائيـين كل فيما يخصه  وأما مراقبتها للأمن الآخر وموضوعاته والإخبار بها بدقة وتفصيل وسرعة تجعل جميع الأمور السياسية والاقتصادية والثـقافية الخ تحت سيطرة المسؤلين الأولين عنها وكل الدول تجعل رعاية هذه الهيئة هي العمود الفقري للسير المنظم للدولة دائما .
ولأجل هذه الصورة  المتكاملة في أذهان الشرطة تجعل أفراد هذه الهيئة وكل من انخرط فيها عنده من الوسائل التـقنية والمهنية واليقظة ما يجعله كأنه الصندوق الأسود المعد لمعرفة خفايا كل هذه الأشياء التي تهم الدولة أو بعبارة حديثة كل شرطي هو الهاتف الذكي المخزن فيه ما سكن وما تحرك بالليل والنهار في هذه الدولة  .
هذه الصورة بحجمها وكميتها هي الموجودة في الدول إلا أنها تـكبر وتصغر بحسب الدول وقدرتها الثـقافية والمادية .
ومن هنا نـأتي إلى دولتـنا نحن ( فيقال أن تـيـب تقول عن نفسها دائما أنها امرأة مثـل النساء) ولكن أنا سوف أناقش هذه المرة وعلى إثـر سطو هؤلاء اللصوص على البنك ، أناقش ( تيـبة عن فكرتها هذه عن نفسها وهي أنها كالنساء ) لأقول لها أنها كانت حقا مثـل النساء حتى 10 يوليو 1978 فمن ذلك التاريخ جاء الرجال إلى موريتانيا وفي فكرتهم أن لا وجود فوق هؤلاء الرجال الجدد ، فقمة عملهم في الدولة تكفي لسيرها سيرا منـتظما ولا مكان لعمل غيرهم في الدولة ، فأصبحت (تيب) تحاول معهم أن عملها وهيئتها كانت وستـظل منفصلة عن عملهم فهم رجال عندهم عملهم الذي لا تستغني عنه الدولة ولكن في ما وراء الحدود  .
إلا أن كلام (تيـب) هذا لم يؤمنوا به إيمانا يدخل في قلوبهم بل ظنوا أن أي عمل لا يدخل تحت إدارتهم يكون عملا مارقا لا يمكن قبوله وعندما أدلت (تيـب) بما عندها من الحجج الماثـلة للعيان بأن عملها كان منفصلا نهائيا عن عمل أولئك الرجال الجدد بأن أخرجت لهم من كل مفوضية مجلدا مليئا من الأوراق وكل ورقة فيها اسم وصورة المجرم ونوع إجرامه ومكان سكناه وكيف قبض عليه ومن هم زملاؤه ـ كما أظهرت لهم في ملفات أخرى أسماء المعاونين لها في شأن السياسة والشؤون الاجتماعية والاقتصادية والثـقافية الخ وكذلك التـقارير الإعلامية في كل شيء موجهة إلى السلطات الإدارية والمحاضر المصحوبة بمخطط كامل عن الجريمة وكيف وقعت إلى آخره وبعبارة شاملة تغطية كاملة ودائمة لأمن الدولة إلا أن (تـيـب) أدركت بعد تـقديم كل هذه الحجج والبيانات أن الخصم هو الحكم ، وبما أن هذا ليس ميدان عمل الحكم ، فظن الحكم أن ميدانه المتخصص فيه يكفي لكل ما كانت تعمل فيه (تـيـب) من حفظ الأرواح والممتـلكات والسيطرة ولو على الأوضاع السياسية والاقتصادية والثـقافية الخ ولا داعي لمشاركة أي هيئة أخرى إلا تحت إدارة أولئك الرجال الجدد .
وبما أن ( تـيـبة ) منزوعة السلاح الهجومي أو سلاحها هو كان مردودية ما كانت تقوم به داخل الدولة وهو المحافظة على الأمن بوسائلها المنهجية المتخصصة الضابطة لكل نشاط في الدولة لا يتماشى مع المصلحة العامة لضبطه في الحين والتـنبيه عليه في الوقت المناسب فقد عرفت قدرها في الدولة الجديدة ورضيت به واستسلمت له فأصبحت تـنـفذ حسب قدرتها المكتسبة من جديد تحت إدارة الرجال الجدد إلى أن جاء هؤلاء الرجال الجدد بالديمقراطية العسكرية سنة92 وعندئذ ولله الحمد استراحت (تيـبة الأمنية ) بل كل (تيـبة) في نظر هؤلاء الرجال سواء كانت إدارية أو تعليمية أو أو إلى آخر المهن  استراح كل فيما يخصه وأصبحت الدولة مشاعة بين كل من هب ودب ولاسيما بين المواليد الجدد من رحم الديمقراطية العسكرية : النواب ـ الشيوخ ـ العمد وأصبح الجميع كما يقال عن الحوت في البحر ساعة المطر كل سمكة تفتح فمها لكل قطرة تـنزل من السماء لتكون لها قوتا في حياتها حتى أصبح كل شيء بما فيهــــا ( تيـب الأمن ) وغيرها من تيـبات الدولة من غزية ، أولا الابتعاد عن مهنـته الأصلية التي كادت أن تكون عنده شيئا منسيا من شدة رياح عاصفة الديمقراطية العسكرية المكتسحة لكل شيء تـقريبا .
وعندما جاء هذا النظام أو أقول هذا الحكم الحالي وجد أمامه بل كان هو حاضرا ولكن بدون سلطة ، هذا الوضع العسكري الديمقراطي الذي لا يمكن إصلاحه في نظره من داخله وبدلا من أن يعود إلى الدساتير والقوانين التي صدرت من أول يوم استـقـلت فيه موريتانيا إلى سنة 1978 ليجد فيها الدولة منظمة أحسن تـنظيم لا فساد ، ولا محاباة ، ولا عنصرية: فالرئيس هو المسؤول الأول عن حياة المواطن وممتـلكاته وعن دوام استـتباب الأمن والسكينة في الدول وكل هيئة لها صلاحيتها تحت أمره ولكن ليست الدولة ملكا خاصا به .
فمثلا كل مسؤولية للرئيس داخل الدولة أعطاها القانون لوزير الداخلية ووزير الداخلية أعطاها القانون عنه للوالي ومن الوالي للحاكم ومن الحاكم للمفوض بدون سلب المسؤولية النهائية عن هذا التسلسل الرئاسي وهذا موجود مثله في جميع الهيئات التي تسير الدولة وموجود كذلك في كل دولة حضرية .
ولذا فإذا وقع خلل خطير في المسؤولية المباشرة مثـل ما وقع في البنك فعلى هذه السلسلة كلها دون الرئيس أن تستـقيـل أو تـقال وهذا في الدول الأخرى أما في موريتانيا فمن فعل لها شيئا من هذا ولو بالملاحظة عليها فقد ظلمها لعدم مسؤوليتها عنه الآن .
فهذا الحاكم  ظن أن حسن النية فقط والعزم والحزم الصارم وعدم الالتفات إلى الوراء  والروح العسكرية يمكن أن تسير الدولة أحسن تسيـيـر مع بقاء اسم الديمقراطية أو بمعنى آخر بقاء الديمقراطية التي لا تعنى إلا الانتخابات ورواتب المنـتـخبـين وحرية التعبـير ولو بما حرم منه في الدستور ، وهكذا فهذا وحده يكفي في الديمقراطية  وهو موجود .
وبما أنه ظهر أن هذا الحاكم أكبر القذي في عينيه من تركة الحكم قـبله هو ما تسميه الدول عندها بالأمن الوطني أو الشرطة فقد كانت ضربته الأولى له مركزة على الكيان الأصلي لهذه الهيئة  فكانت ضربته له هاشمية ولكن بدل هذه الضربة الهاشمية في نظر من قام بها لو فكـر بأن عمل هيئة الأمن الوطني هي عبارة عن تحقيق كل ما أسنده الدستور وجميع القوانين المباشرة إلى رئيس الجمهورية ومن بعده إلى أعوانه فينسب إليه خيرها وشرها ونجاحها وفشلها إلا أنه  كان في قـلبه من الماضي أنه لا يمكن إصلاحها من الداخل فلو قام باستدعاء خبراء ولو من دول الجوار ووضعوا له خطة شاملة لأحسن ما يكون عليه الأمن من عتاد وعدد وخبرة إلى آخره وأمر هو بتعيـين من ينشأ هذه المؤسسة على ذلك التخطيط لكنا الآن مستـنكرين جدا لوقوع الهجمة على البنك جهارا نهارا ، ولكن السيد الرئيس الحاكم الآن عمد إلى هذه الهيئة التي يظهر أن مسيريها الأوائل هم قذى في عينه ورانا على قلبه فصدرت منه تـلك الضربة التي أصابت أول ما أصابت العمود الفقري للأمن الوطني وهو مراقبة الأمن عن طريق تحرك المجرمين وأصحاب السوابق إلى آخره ، وأنجب مكان هذا العمود الفقري أو المرآة الكاشفة عادة للمجرمين قوما حديثو الأسنان حديثو المهنة وعين عليهم ضابطا من الحرس ، ومن قرأ النظام الأساسي للحرس والنظام الأساسي للشرطة ( إذا لم يمسك نفسه عن الضحك ) فسوف يسقط تعجبا ما هي  العلاقة بين رجال المرور الحضريين والمهن العسكرية القتالية ؟ حتى ولو كان عند هيئة الحرس جانب من العمل المدني فهو بعيد كل البعد عن قضية المرور الحضري ، ولم تنته التصفية عند ضرب ذلك العمود الفقري بل لتداخل عمل كل من الدرك والشرطة أمام الولاة والقضاة ظن هذا الحاكم البعيد نظام مهنته من هذه الميادين أن هيئات الأمن صورة طبق الأصل بعضها البعض ، فقسم الأمن العمومي الحضري بين الدرك والحرس والشرطة إلا أنه اختص الشرطة بأن سلط عليهم الحالقـتين ( التقاعد الدنيوي والتقاعد الأخروي ) فحصدتا ما حصدت بدون أي تعويض كما أن إشارات الرتب على مناكب الشرطة بجميع رتبها ظنت أن مناكب الشرطة ثلاجة لنفس الإشارات لا تبديل فيها ولا تغيير لأن هذا الحاكم حقن الهيئة بحقنة العقم فلا زيادة في العدد بل النقصان فقط .
فظن كل مدير جاء للهيئة أنه جاء لتصفيتها ولولا أن الله من على هذه الهيئة الآن بهذا القائد الجديد الذي رزقه الله أنه من طبيعته أن لا يعمل إلا بإخلاص في كل مهمة أسندت إليه لكان في مكان الأمن العمومي الآن في موريتانيا حفرة يسقط فيها ضحايا الإجرام بكل أنواعه ومن كل حدب وصوب ، فبعد مجيء هذا القائد نفخ في هيئة الشرطة من روح طبيعته العملية وبدأ ينفخ وينفخ فيها إلا أن المعالم الأصلية للهيئة من عتاد وخبرة مهنية أصبحت بعيدة المنال فحقنهم أولا بمصال الإنجاب داخليا وخارجيا والنتيجة العامة الأخرى للشرطة في الطريق إن شاء الله .
فلو كان السيد / الرئيس بعد مجيئه للسلطة أعطى لكل قوس باريها الذي لا غنى لها عنه بعد شحذها وتجديدها لتفرغ هو وغالبيته للمعركة السياسية مع المعارضة ومقارعة الشيوخ وعلاج المادة38 حتى تكون صالحة لتعديل الدستور دون الالتفات كل يوم إلى جريمة بشعة تحدث هنا وهناك والشعب لا يعرف من هو المسؤول الآن عن الأمن هل هو وزارة الإسكان المليئة بخدمة هيئة الدرك والحرس ؟ أو الأمن متعلق بتجمع أمن الطرق الذي أنشئ للمرور فقط .
أما الوالي والحاكم والشرطة فمهنتهم تـنـتظرها آخر سنة 2019 إذا لم تأت صورة طبق الأصل أخرى أو محلل مدني .
وإلى ذلك التاريخ وما بعده فنسأل الله لموريتانيا السلامة والعافية ونـقول للجميع (( ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يات بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير ))            
  

12. أبريل 2017 - 8:31

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا