يحار الغربيون، ومعهم كثير من ساسة أنظمة السبعينيات والثمانينيات في موريتانيا، في حزمة القرارات أو وترها ، التي يفاجئ بها الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، خصومه، ونظراءه في المشهد السياسي، الوطني ،والإقليمي، والدولي، والمفاجأة الأكبر أن هذا الرجل ، الذي يقسم هؤلاء علي رهانه الخاسر، لم يغلب في نتائج اقتراع أو حوار ،ولا في سباق هجن ، ولا في عدو الخنس الجوار الكنس.
لا يعرف كثيرون أن الرجل حمل حلم تغيير النظام، وهو شاب يافع وأسر بذلك إلي رفاق له، لم يحفظ بعضهم السر ، لكم قدر الله آت وأمره نفذ.
ولا يعرف البعض أن الرجل أدار لعبة شد الحبل مع جهاز أمني عتيد ، كسر أنياب كثير من الحركات الوطنية ، وقتل وشرد أزهارها اليافعة، وشذب عودها الطري، فلم يذعن كما أذعن أولائك، ولم يخدعه الخب
بتقاريره، وقواريره،واحتسائه،وقربه ، وقرابته.
ومثلما تلاعب بأوتاد هامان، لم تنطل عليه حيل أصحاب الأخدود (رؤوس شجرة الزقوم) ، بدماثة أخلاقهم ، وجلود الضأن الوارفة التي يلبسون ، وألسنة العسل التي بها يتحدثون، فلئن كان كل نظام مدني وعسكري في موريتانيا، وكل سفير دولة وازنة وكل حركة ذات بعد شعبي، قد انتهى بهم المطاف إلي دمية في يد الشيوعيين، يركبون عواطفها ، ويحلبون ضروعها حتى تجف ، ويلقونها مزادا،يبيعونها بدراهم معدودة، وهم فيها من أزهد الزاهدين.
لقد تبر الأحمد العزيز سعي هؤلاء، وحشرهم في أكثر من زاوية، وضيع عليهم أكثر من فرصة ، وأفشل كيدهم في أكثر من حلف ومنازلة.
شيء من التاريخ، إن تذكرنا8يونيو ، والهجمات الارهابية،و5 أغسطس، والبطاقة البيضاء، وحكومة ولد الواقف، وإقالة الجنرالات،و6/6، واتفاق دكار، ورحلة الرحيل، وشعار يسقط العسكر، والرحلة الاستشفائية لفخامة الرئيس، وحرق كتب الإمام مالك ، وخطاب من أتي بالجفاف، والتهجم علي قناة المحظرة وإذاعة القرءان الكريم بوصفهما بأنهما إذاعة للنخاسة ، وتمزيق المصحف، والمستهزئ بمقام النبوة الخاتمة ، والدعوة جهارا إلي علمانية الدولة ، والتماهي مع المطبعين، والهيلوكوستيين.
لم يدع هؤلاء مدخلا، ولا بابا من أبواب الفتن إلا وولجوه، وأذاعوه، ولكن الله سلم ولسعيهم بت وأبتر.
وكان من معالي الأمور أن سفينة موريتانيا نجت من طوفان ربيع المآتم والتدخلات الأجنبية (الربيع العربي)، وتم دحر الإرهاب وقطع الصلة مع عرابيه في عشرية فقدت فيها دول الجوار أرضها ، أو استقرارها، أو حكامتها السياسية ، وتنازلت عن سلطها التنفيذية والتشريعية لصالح بقاء رأسها في السلطة أو بعض السلطة.
وكان من منابت الخير إن تمزق جيش مسيلمة عندما هزمه خليل بن إسحاق يوم أحرق من أحرق مختصره،
وخرج الموريتانيون مرتين في مليونيتي نصرة لنبيهم صلي الله عليه وسلم ولإمام دار الهجرة وصلاة الأربعين.
تحركت دبلوماسية القرار المستقل ، فسلمها الأفارقة أزمتهم، ثم سلمها المجتمع الدولي مساعي السلم والأمن، وهجع إليها العرب مقدمين الولاء لخيارات رئيس لم شمل القارة السمراء، وحرر الساحل والصحراء من اكراهات الإرهابيين و تأبط المستعمرين.
لا غرو إن لاذت بموريتانيا دول الجوار، لحل مشكل شمال مالي، وأزمة غامبيا ، ومشكل الكركارات، وتقاطرت الدعوات علي بلادنا من فرنسا، والصين وبريطانيا العظمى، والأمم المتحدة، ففي حكمة الرئيس وبعد نظره ألق جاذب ، وفي صرامته وشجاعته مجال لبعد النظر يدركه اليوم العدو قبل الصديق ، والأجنبي قبل القريب.، وفي جهود حماة وطننا في بعثات السلم أعظم العبر والدروس.
حل الرئيس بفرنسا ضيفا محترما ومستقلا في قراره، وسيحل يوم 19 باذن الله وزير الخارجية الصيني بنواكشوط ضيفا عزيزا ومكرما ، وتستقبل لندن عاصمة الضباب وزير الخارجية الموريتاني بدعوة من نظيره في عاصمة امبراطورية تشبه الأستانة ، كانت لا تغيب عنها الشمس
شمس موريتانيا يراها الجميع ، ودبلوماسيتها الذكية تنجح في كافة المحافل والمسارات، وبعض أبناء جلدتنا لا يزالون يغردون خارج السرب، إما تغردة الكنود ، أو حسد الحسود.
لكن هذا الوطن... وطن الجميع، ودبلوماسية استقلال القرار هي لمصلحة الجميع....