توجت معارضتنا الباسلة مسيرتها النضالية بركوب موج الثورات العربية ذات العواقب الوخيمة على الشعوب و استقرار الدول و التي ليس يخفى على أحد ما فعلته بأغلب الدول العربية التي مزقتها أيما ممزق.
ففي العام 2011 خرجت مجموعات شبابية مستقلة رأت أنه من حقها أن تطالب بحقوقها التي يكفلها لها القانون و بمكانتها التي هي حقها الثابت على اعتبار أن الحكم للأغلبية.
لكن ما فتئت تلك المجموعات الشبابية تخرج و تطالب ثم تخرج و تطالب، حتى بادر نواب المعارضة بالتلميح لشبابهم المسيس بالاندساس في حركة الشباب ذات الطابع الاجتماعي البحت، و بدأت تشتم في الحراك رائحة السياسة.
كان أول تحرك حينئذ للنائب السابق المصطفى ولد بدر الدين الذي قالها في البرلمان بصوت عال : أطالب شباب المعارضة بتأطير الحراك مخافة أن ينحرف عن مساره الصحيح، فكأنما نزل الوحي على سيادة النائب بأن المسار الصحيح للحراك هو أن يوجه لصالح معارضة خجولة و جبانة، لم تستطع أن تساهم خلال هذا الحراك سوى برفع شعارات من قبيل اسقاط النظام و اسقاط الحكومة، و اسقاط ولد عبد العزيز، تلك الشعارات الوهمية التي قضت على أحلام الشباب في تكريس حقهم الطبيعي في ممارسة السياسة و الدخول من الباب الواسع و ابتعادهم عن الغلو و ما يؤدي إليه من عمل و ابتعادهم أيضا عن الراديكالية التي خربت على جيل ولد بدر الدين و ولد داداه و غيرهما من السياسيين، خربت عليهم مسارهم و جعلتهم يبقون على هامش المساهمة الحقيقية في بناء و تعمير البلد.
إن دعوة ولد بدر الدين كانت كالقشة التي قصمت ظهر البعير، و بدأ بعدها أصحاب الحراك ينسحبون شيئا فشيئا حتى افرغوه من محتواه لأنهم لم يكونوا ثائرين فقط على ولد عبد العزيز بل كانوا ثائرين على أجيال نالوا حظا عثرا من صراعاتهم التي استمرت أكثر من أربعة عقود من عمر هذا البلد الفتي المغلوب على أمره، ولقد لمحت إلى ذلك خلال مقابلة تلفزيونية ضمن تقرير أعدته شبكة الجزيرة حول حراك 25 فبراير من العام 2011 .
ركبت المعارضة حينئذ الموجة و قفزت إلى الشارع و لما انسحب المتحمسون من أصحاب المطالب الاجتماعية من الساحة، حاول الكهول أن يعمروا شوارع انواكشوط بمسيراتهم و مظاهراتهم، لا بل إنهم حاولوا أن يعتصموا في ساحة ابن عباس، لكن سرعان ما تفرقوا عند سماعهم دوي أول هراوة من هراوات الشرطة، و لم يتوقفوا إلا عند وراقة ابلوكات ليصطفوا كل يريد أن يكتب بيان شجب و تنديد و استنكار، ثم ذهبوا و ناموا.
بيد أن النظام استطاع احتواء الشباب المستقل و تمكن من إعادة الثقة اليه من خلال حزمة من الإجراءات التي كانت كفيلة بالحد من خطر الثورات العربية على الوطن.
لم تستطع المعارضة أن تقنع الشارع بالاعتصام و لا تستطيع أن تقنعه بالعصيان المدني، لكنها تستطيع أن تواصل مواجهتها مع الأضواء ما بين البيانات و المقابلات و البرامج و الندوات و الصالونات مؤخرا، لتنهي في خاتمة زمنها و آخر أيامها فصلا من فصول الفشل السياسي الذريع و تقف عاجزة عن الدخول في حوار تريد له ضمانات من قبيل حقائب وزارية و مناصب دبلوماسية و أخرى سياسية على مستوى الدولة، و بعض المال الذي قد يساعد في الدخول في انتخابات ليس من السهل تجاهلها بعد الدخول في الحوار.
و ظلت الحال على ما هي عليه، حتى مل النظام من المعارضة و تعب منها و عرف أنها انما تريد المستحيل و تحاول كسب الوقت لا لشيء سوى لتعجيزه و العمل على ارباكه.
لكن النظام لم يستمر في تلك اللعبة، بل قرر الدخول في حوار بمن حضر، و تم الحوار و أصدرت مخرجاته و تقدمت الحكومة بها على شكل قانون دستوري للشيوخ، فما لبث أن رفض الشيوخ القانون المقترح و ضربوا بعرض الحائط كل الأعراف و الضوابط السياسية للانتماء الى الكتل و الأحزاب السياسية، فأساءوا لأنفسهم قبل أن يسيئوا للنظام.
ركبت المعارضة الموجة و جعلت من الشيوخ المنتهية ولايتهم بالأمس، أبطال اليوم حتى وصل الحال بأعل ولد محمد فال الرئيس الأسبق إلى أن يطالب بكتابة أسمائهم بحروف من ذهب على مدخل مجلس الشيوخ، رغم أن الأمر لا يستغرب على رئيس الجمهورية و قد يفعلها، إلا أنه ليس من العدل و لا من الانصاف و احترام الشعب أن ينتقد سياسي مؤسسة بحجم مجلس الشيوخ ثم يعود ليعلن اعجابه بها رغم عدم اعترافه بوجودها.
و على كل فالسذاجة السياسية و التناقض هما سمات المنتدى و من على شاكلته من السياسيين و ذلك من خلال ركوبهم موجة التصويت على التعديلات، إلا أنهم استطاعوا أن يكسبوا نقطة تحسب لهم، من خلال ما ظهرت عليه الأغلبية و خاصة ممثلو الحزب على مستوى بعض الاتحاديات في الداخل من ضعف في الأداء و عدم قدرة على تلبية حاجيات السكان و توصيل مشاكلهم متناسين بذلك خطاب رئيس الحزب السيد سيدي محمد ولد محم يوم تنصيبه حين طالب بوقف البيروقراطية و أمر المسؤولين بالحزب بفتح أبوابهم للمواطنين، ما نتج عنه شرخ كبير بين القمة و القاعدة و أثر تأثيرا سلبيا على موقع الحزب رغم أنه ما يزال يحتل الصدارة من حيث الشعبية.
إن المعارضين الراديكاليين وقعوا في فخ التعديلات الدستورية و زادوا عند القفز حين أرسلوا مراسلات لخبراء دوليين لتقديم استشارتهم في أحقية رئيس الجمهورية في الذهاب للاستفتاء طبقا للمادة 38 من الدستور و التي تكفل له حق استفتاء الشعب.
لا يخفى على أحد ما تحاول المعارضة القيام به من خلال اقحامها لشخصيات سامية و محترمة و مقدرة للإدلاء بآراء سياسية في ثوب الاختصاص، إلا أن المعارضة الراديكالية أخطأت حين دعت جميل منصور لرئاسة المنتدى غافلة عن التاريخ الذي أثبت دائما لأحزاب المعارضة أن كل ما يشترك فيه جميل منصور معها يفشل فشلا ذريعا. و لا أدل على ذلك من فشل المنسقية و هروب تواصل للأمام مشاركا في انتخابات كان قد قطع العهد مع رفاق دربه على أنه سيقاطعها، ثم عاد مرة أخرى ليفكك المنسقية رغبة منه في الدخول في الكتل بعدما أن جنى ما جناه و اصطاده الاتحاد مرتين أو ثلاث ابان انتخابات 2013، و يمكن لمن يريد الاطلاع على نتيجة تلك العملية، أن يقرأ المقال الذي كتبته آنذاك بعنوان "تواصل صيد الاتحاد الثمين".
خطأ المنتدى تجلى في الكارثة التي حلت بمكانته بعدما ان أقدم على اختيار شخصيات معروفة بدورها الطلائعي في عهد ولد الطائع و بالتحديد 1999 حين ساهمت بشكل منقطع النظير في التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي للمفارقة طرده ولد عبد العزيز في وضح النهار.
و رغم تبريرات بعض وزراء ولد الطائع كالوزير ولد بلال، الذي حاول أن يدافع عن أركان نظام حكم ولد الطائع، محملا الأخير المسؤولية الكاملة عن التطبيع مع إسرائيل و ضاربا بعرض الحائط تلك الضوابط التي يعرفها جيدا، و التي تمنع رئيس الجمهورية عرفيا و قانونيا و أخلاقية و عقليا، من فرض توجه بهذا الحجم على معاونين و مقربيه، خاصة اذا ما علما أن إسرائيل تتكلف من ميزانيتها الكثير المال لكل من يعطيها فرصة التطبيع مع الدول العربية ما يكسبها قوة سياسية في المجتمع الدولي و يعطيها الفرصة لتكسب مزيدا من الوقت و فرصا كافية لمواصل اذلال الفلسطينيين و قتلهم و تشريدهم.
لم يكن ولد بلال منصفا لولد الطائع الذي خدمه، و هنا لا بد أن نتذكر بيجل ولد همين، و نتساءل عن سبب صمته إزاء إهانة صديقه العزيز معاوية من قبل وزير من وزراءه.
لقد أخطأ ولد بلال و جانبه الصواب أيضا و لم يكن مقنعا في مقاله الأخير و لا في خرجته الإعلامية الأخيرة و لم يتمكن من تبرير ما اقدم عليه المنتدى في ظل حكم جميل منصور الذي عادة لا تتعدى مهمته في الكتل السياسية التفكيك و زرع الشك و الشبهات حول المشروع الذي يشارك فيه، احرى أن يديره بنفسه.
لقد سهل أحزاب المنتدى على جميل منصور مهمته في تفكيك المنتدى و احزابه سبيلا الى فتح المجال امام تواصل الجريح بعد استقالة ولد الحاج، التي عرجت عليها في مقال سابق أسميته "تواصل ينهار لكن من المنتصر".
ان الشرخ بين ولد الحاج و جميل منصور جلي في خرجات الأخير المتتالية و التي لم ينسى خلالها التشهير بولد الحاج كأنما يريد أن يبعده أكثر فأكثر عن مشهد الحزب، خاصة أن ندم ولد الحاج على تسرعه في تقديم استقالته و محاولته تصحيح مسار الاستقالة من استقالة نهائية إلى استقالة وظيفية لم نسمع بها في اعراف الإدارة، و لم يسبق أن توجت على ارض الواقع خاصة اذا ما علمنا ان ولد الحاج الشيخ كان يشغل اكبر منصب في الحزب، فحين يستقيل المرء من مثل هذا الموقع لا يمكن أن يعود ادراجه أبدا.
و لا ننسى هنا أنه لاستقالته من خارج البلد دلالات كبيرة يمكن أن يبنى عليها ما يحمله قادم الأيام لتواصل، بتسهيل المنتدى على جميل منصور مهمته و اعانه على اتاحة الفرصة لتواصل لكي يلملم جراحه و أتاح أيضا لنفسه الفرصة للتخلص من عدو داخلي يعزز جناح محمد المخطار الشنقيطي الذي يناصب العداء سياسيا لجميل ولد منصور و يرتكز في مقارعته على رموز داخل الحزب يبدوا أن أقواهم و أهمهم ولد الحاج الشيخ و قد تكون المفاجئة القادمة قريبا تواصل النسخة الثانية