سنة سيئة وخسيسة سياسية مخالفة لأوامر القرآن في نظامنا السياسي العسكري لقبلي أنه كل ما جاء نظام وانقلاب عسكري تفنن في لعن من قبله من الأنظمة والتي كان هو جزءا منها وهي السبب في وجوده في المكان الذي سمح له بالانقلاب، وصمم نظامه وإدارته وأنصاره على مهنة وامتهان الاستبداد الذي ظل يمارس من قبل الفرد و الجماعة على السواء وجعل ممارسة الاستبداد في السلطة والسياسة حق مشروع للحاكم مستوجب سداده على الرعية،
ومن طبيعة الحاكم المستبد في النظام العسكري أن يدير ظهره غالبا وعادة للمحكومين غير مكترث بمصالحهم ولا رعاية شؤونهم لأن مهمته وهمه في الحقيقة والممارسة هي البقاء في الحكم والاستمرار في السلطة، وهو يعتبر نفسه هبة إلهية فوق القانون بل هو القانون نفسه، فهو الذي يحاسب ولا يحاسب. ويتصرف في الحكم بشكل مطلق وهذا هو ما يؤدي به في الغالب إلى التعسف والتحكم في المصائر والأرزاق وممارسة الاستعباد في الوظائف والاحتكار للأرزاق والموارد الاقتصادية والاستبداد في السياسة والسيطرة التامة على المحكومين ؟.
ولقد كان الفكر الغربي منطقيا في تفسيره وبيانه لمعاني الاستبداد مبينا بأنه هو عدم تطبيق القانون والتقيد به، وذلك هو أظهر أنواع البلاء وسر الداء عندنا، والمعروف في الفكر السياسي أن للاستبداد السياسي معنيان: الأول يقابل الشورى في المجتمع المسلم، وبما تحمل تلك الكلمة من غموض، والثاني يقابل المشاركة في الحكم من العصبية الواحدة المتغلبة والحاكمة غالبا بالضحايا والفاشلين والمقهورين وكما هو حال نظامنا الحلي وحتى قبل مراوغته في الاحتماء وراء"تيبته" المادة 38؟!.
المادة 38 هي الضحية، والمادة الدستورية الفاضحة للنظام السياسي، والكاشفة عن حقيقة النظام وحقيقة تعديلاته ألا دستورية والتي لا يراد منها أصلا إلا شغل الناس عن فساد النظام وفشله في تحقيق ما وعد به الفقراء، ولا علاقة لها بحل المشاكل السياسية والحكامة وقضايا التنمية ومعالجة مخلفات الإرث الإنساني وقضايا الوحدة الوطنية وإصلاح التعليم والصحة والاقتصاد وتشغيل العاطلين عن العمل وتوفير الخدمات للمواطنين في أي بقعة من هذا الوطن المنكوب وخاصة قراه وتجمعاته المنسية ؟!،
لقد كانت المقاومة عند أسلافنا من المؤسسين الأول للدولة ما بعد الاستقلال وبمهارة عالية يواجهون ذلك الواقع الاجتماعي القائم في البلد وقبائله المتشتة وخصائصها المتحكمة، حيث التراتب القبلي القائم على العصبية، وحالة تجذر الظلم بين طبقات حتى في داخل القبيلة الواحدة، وهو الأمر الذي أدى فيما بعد إلى ظهور حالة من التمرد من قبل أفراد القبيلة المسحوقين المظلومين والمهمشين والباحثين عن العدالة المفقودة، والإنصاف المطلوب وكان السند لهم في ذلك التمرد هي دولة التي لم تتأسس بعد وتتناوشها العداوات من البعيد المستعمر والأطماع من القريب المجاور من الجنوب والشرق والشمال، ويهزها التشتت والثارات والفتن من الداخل!.
ولكن القادة المؤسسون للدولة قد شرعوا في نشر مفاهيم وثقافة جديدة فرضت على الجميع حالة من التفاعل الجدلي القائم بين مشروع الدولة وحالة وطبيعة الثقافة القبيلة المهيمنة والسائدة وقد كسبوا في تلك الجولات نقاطا كبيرة وهامة وفي ظل سعي حثيث ومحسوب الخطوات لنسف عنت وظلم النظام القبلي، وهو ما أدى في السياسة والإدارة إلى نمط من ترتيب الخطوات التأسيسية للدولة، وهي الخطوات المدنية المهددة لثقافة الأسياد والمظاهر تحكم الزعماء القبليين، وهي الخطوات والفلسفة السياسية المدنية لإعادة صياغة المجتمع وبناء الدولة، التي كانت أول ضحايا الانقلابات العسكرية وشرذمته المدنية ؟.
وفي أتون تلك المعارك الطاحنة بين الدولة وأعدائها القريبين ومصالح الزعامات القبلية والنظام القبلي برمته، تفاجأ الساسة والقادة بدخول الحركات الأيدلوجية والجماعات السياسية ذات الأيديولوجيات المنافية لقيم المجتمع وتوحده الوطني ومفاهيم الدولة المدنية الحديثة ولنمط النظام التقليدي والنظرة السائدة في المجتمع القائمة على القوة، فالقبيلة الأقوى هي التي تخضع سواها لهيمنتها وقرارها، وهي السياسة والأنماط التي ستظل المؤسسة العسكرية القادمة للحكم من فيافي الفشل والهزيمة وكتائبها الأيدلوجية المعسكرة تنتهجها وتتمسك بها في السياسة وإدارة شأن المجتمع ومؤسسات الدولة المنهكة بصراع الداخلي والبحث عن الاعتراف والوجود الخارجي ودعمه التنموي.
غير أن حالة التأثر الوطني أو لغالب الطبقته السياسية بالجوار الجنوبي والشمالي قد بلغت في أوجه عديدة حد التبعية والعمالة في كثير من الأحيان؛ حيث مثلت بعض الأحزاب والجماعات النافذة الأذرع العسكرية والمدنية للجارتين الجنوبية والشمالية، مما انعكس سلبا على طبيعة الحياة في البلد كله، وهو الأمر الذي دفع القائمين على السلطة إلى اعتماد قدر كبير من ممارسة السلطة والإقصاء ولاستبداد والنكوص عن الحريات وبسط روح وثقافة الديمقراطية في وجه تلك الحركات والأحزاب والجماعات وبدعوى الحفاظ على الوجود والبقاء والألفة والانسجام الوطني ؟.
وهو النكوص والتراجع الذي حصل في محيط دولي مضطرب وضاغط بـأفكاره وتياراته الأيدلوجية، وأقل ما يقال فيه أنه موجه من الخصوم والمنافسين في الجارتين الشمالية والجنوبية لرفض الاعتراف باستقلال البلد وسيادته، وهو تحد يدعمه ويسنده ذلك الواقع داخلي المضطرب والمتأزم الذي تهيمن عليه العقلية القبلية القائمة على سيطرة العصبية الأقوى !!.
ولقد حاول الرئيس المؤسس المختار ولد داداه وفي ظل ذلك الوضع المعقد خارجيا والمضطرب داخليا أن يكون في خطواته حكيما وبارعا في محاولة إحلال قيم الدين والمدنية مكان العصبية القبلية، منتهيا إلى أن الدين بحد ذاته، لم يكن يشكل تحديا للزعامة القبلية التقليدية والأيديولوجيات الجديدة الوافدة، بل هو في حد ذاته نسف للمكانة والسيادية والطموح لديهم، وهو ما يدفعهم لعداوته ومواجهة قيمه وأخلاقه وتطبيق أحكامه، وكانت تلك التيارات والجماعات في عداوتها للدين والقيم غاية في المكر والخبث واستغفال جهل الناس وخداعهم بالشعارات التي يرفعون والمواجهات التي يزعمون أنهم فوارسها؟ .
ولقد نجحت تلك الجبهات والحركات والتيارات والأحزاب في جولات كثيرة وصولات عديدة منها تهيئة البيئة والمناخ للانقلاب العسكري المشئوم على القيم والثقافة والدين ومشروع بناء الدولة وصياغة وحدتها الوطنية واستثمار الموارد الاقتصادية ونظام سياسة والعلاقة بين الدولة والمواطن، لتبدأ الحياة العامة تعرف نمطا جديدا من فلسفة النظام السياسي القائم على احتكار السلطات والانفراد بالرأي والتعسف في ممارسة السلطة وتنظيم الحياة، وهو النظام الذي نعيش ونشاهد جوانب من مظاهر فساده وآثاره السلبية في السياسة والاقتصاد والتعليم والصحة وحتى النسيج الثقافي والمجتمعي لكافة شرائح ومكونات الشعب المبتلى به وما فرض التعديلات ألا دستورية وبسم"تيبة المادة 38"، إلا تجل ومظهر من مظاهر فساده وفساد طبقته السياسية ومحاولة انقلابهم على الماضي كله بحلوه ومره لتعبيد طريق لصياغة ما يسمونه بمشروع جمهوريتهم الثالثة والتي هي في الحقيقة ما هي إلا تجسيد للجنس الثالث ؟!.
والواضح البين أن واقعنا المعاصر ظل محكوما بقوت تأثير الجدل الحاصل عندنا بين مفهوم الدين وثقافة القبيلة، وفي ظل صراع الهيمنة لضباط المؤسسة العسكرية التي قال عنها الرئيس محمد ولد عبد العزيز في مؤتمره الصحفي الأخير، وهو يفشي أسرارها في عملية غريبة ونادرة في مفهوم الأمن وثقافة الدولة ومبدأ الاحتفاظ بأسرار المؤسسة العسكرية، أنها لم تكن موجودة قبله لا مؤسسة ولا ضباطا ولا عتادا، تماما كما، هو حال الدولة عنده فلا مؤسسات والقيم ولا تاريخ ولا رجال سياسة، وأن أي نوع من اعتبار وجود دولة أو مؤسسات أو سياسة أو سياسيين هو نوع من الوهم والعمالة للخارج والدعوة للفتنة، والفتنة نائمة" لعن الله من أيقظها"واللعنة في الاصطلاح الشرعي هي الطرد من رحمة الله، وقلد طبق النظام السياسي للرئيس محمد ولد عبد العزيز مفهوم الطرد من رحمة الدولة ومؤسساتها وخدماتها في حق كل من يعارضه ويرفض سياسته باعتباره عميلا وخائنا وداعي لفتنة لا تبقي ولا تذر، مؤسسا لأقواله تلك بأقوال وفتاوي بؤس الفقه عند فقهاء السلطان وقراءة فقه الهزيمة والبداوة التي تقوم على نظرية تقديس الإمام بلا قداسة شرعية ولا سياسية كأهم أصل من الأصول التي بنيت عليها نظرية الخلافة السنية في تاريخ المسلمين بعد وصول الأمويين للحكم، ونظرية الإمامة كمفهوم من مفاهيم الدين مصطلحا لا مضمونا ودلالة لأن ذلك هو مجموع ما استورد من ثقافة فارس والروم وميراث العصبية القبلية البدوية ؟! .
واقع الدولة اليوم والحياة السياسية فيها ومحاولات تعديلاتها ألا دستورية يذكرنا بتلك اللحظة الحرجة التي انتقل فيها الحكم الإسلامي من مرحلة الخلافة إلى الملكية بما تحمل من ولاية العهد وعندنا قد تكون"مدفيدفية"، والتبرير لها، وما رافقها من تنظير لبطانة الرئيس واستدعاء بؤس فقه السلطان معاونية لضرورة ذلك ؟!.
وفقهاء الدولة عندنا وحاشيتها من السياسيين والكتاب يستعيرون وفي عملية سطو مشرعن بالعاطفة السياسية والأيدلوجية وربما العقدية الملتقية مع أصول الشيعة، ثقافة الإمامية التي أعطت الإمام حق القداسة، على أساس أن الإمامة تمثل الركن الخامس عند الشيعة، وبالتالي رشقها بالقداسة التي أصبحت بمكانة النبوة، وفي بعض الأحيان أعلى درجة وأسمى منزلة ؟.
الرئيس محمد و لد عبد العزيز منذ انقلابه على ولي نعمته وهو يسعى إلى تعزيز ركائزه واستمرارية بقائه، ولهذا منح حرية الفساد والكذب والنفاق لحاشيته وأنصاره وهو الأمر الذي أظهر حالة من الرفض لدى المعارضين لحكمه وبعض الموالين لنظامه مما أدى إلى ظهور معارضات من محيطه ومجلس شيوخه، وإن كان قدر كبير من تلك المعارضات قام بالأساس نتيجة الصراع على السلطة من حث النفوذ والاستفادة ؟.
وفي الساحة الشعبية الوقفة بين السلطة والمعارضة قدر كبير من الناس ينقسم في مواقفه وآرائه ما بين مفاهيم القدرية، والجبرية، والطاعة، حيث مثلت الجبرية مبدأ الولاء للحكم المستبد على أساس أنه من الله ليس للبشر دور فيه. وفي المقابل، كانت القدرية التي رفضت مبدأ الجبر انطلاقا من أن الإنسان مسؤول عن أفعاله ؟!.
وهذان الموقفان يحددان شكل الخضوع والطاعة للحكم القائم، أو رفض الانصياع له، لأنه يمثل التفافا على الدين الذي حمل أكثر مما يحتمل !!.
ثم جاء السند العظيم والمزلزل لمفاهيم الحرية والديمقراطية من شيوخ وفقهاء ما يسمى بالوسطية والاعتدال لشرعنة وتأصيل فقه الاستبداد، وذلك بالمحافظة على الوضع القائم درءا "للفتنة" وبقاء الحامي للدين، فزوال الحكم يعني ضياع الدين، وتساندهم في ذلك طبقة من السياسيين تزعم أن بقاء الرئيس في السلطة هو الأولى لاستكمال انجاز المشاريع الكبرى والورش المقامة في البلد، ليلتقي ذلك كله مع قناعة وتفكير الرئيس الذي يقول دائما في تعديلاته ألا دستورية وفي غيرها:{ ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد}، وحذروا من أولئك العملاء المخربين المعارضين الذين{ إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون}.