إليك في أسرك من أجل الحرية / محمد عبد الله ولد لحبيب

altوحيدا أنشبت أظفارك في صدر الموت تتحدى حِمَم النار تمطر الرؤوس في عرين سبع مجروح. وحيدا غرزت رجليك في مُسْتَنْبَتِ الموت معلنا أن الحشر من تحت أخمصها. وحيدا أنت الواقف في وجه الردى محمرَّ العين يقظان كالحا يجرف ماء الحياة، يردي أشاوس الدنيا. يصب شعل اللهب.

وحيدا عرَّست بالحقيقة يوم تجافى الحماة تساقيَها سما ناقعا. وحيدا تشارك الثكالى أناتهن، والأرامل دموعهن، واليتامى أحزانهم، "منتصب القامة تمشي ملكا" في مُعَرَّس الموت رافع الرأس، رابط الجأش، باسم الشفة، في شوارع اللهب، وأزقة الجحيم، وبنايات الهدم.  وحيدا تصم آذان الموت الأصم، بنشيد الحقيقة أبلج ناصعا ينحدر من مبسمك مثل الجمان! وحيدا تصرخ في الموت فيُولِّي فَرَقا، وتستقدم الشجاعة إلى حيث أنت فتدبر لا تطاوعها نفسها على مسايرتك!. وحيدا سمع العالم صوتك الأشجى، أنْ هُنا أمة تقتل من أجل حريتها، يوم أخرست آلة القتل الملتحفة بالنار كل أصوات الحق، مفسحة الطريق لنعيق هيقٍ ترتعد فرائصه وهو في مرقده الحصين.  وحيدا واسيت شرفاء الزاوية بنفسك، وبذلت الدم إلى جانب دمائهم الزكية، متسلحا بنقاء الفكرة، وصفاء الفطرة، وعزة نفس لا تريد بقاءها!!.  وحيدا أنت الممسك اليوم بعِنان فرسك تحلق إلى الفزع تبغي الموت والقتل مظانه، فيتحاماك. لقد جبن الموت.  كان بإمكانك النجاء على متن طِمِرَّة، أو البقاء حيث أنت آمنا في سربك، غير أن مدافعة الردى بالمذلة لم يخلق لك.  وحيدا تسامرك الطمأنينة حيث نمت هادئا قرير العين بمصير سرت إليه تراوده عن نفسه، خوفا من أن يهلك آخر طاغية في الدنيا ولما تجد من ظلمه نصيبا. ويساورنا الأسى، لا جزعا من قادم لن تذوقه مرتين، وإنما حَزَنًا أن لا تُقرعَ قنا الظلمِ بقَنَا صوتِ حقٍّ أنت الخبير بتصريفها. نعم، حبيبي هدال، إنها إحدى فتَكَات أحمد الحسين، وقدَمَات علي ابن حَمْدانَ ضَنَّ بها الدهر إلا عليك. رميت نفسك، قبل أعوام بين مخالب ولد الطايع، وظلْت تقارع بقلم حديد حتى شهدتَ مواراته الثرى. وأغرت على ابن علي في عقر داره فنالك منه ظلم قاسمته أبناء القيروان.  ثم قادك شوق الحرية إلى منبرها فيممت شطر قناة الجزيرة غير طامع في نَشَبٍ تدرك أن الفقر هو إنفاق الساعات في جمعه، بل رغبة في تعزيز صوت الحرية، وإكساب الشعوب موطئ قدم جديدا. لم يخب ظن مدير الشبكة يوم خاطبك بأنك "أفضل صحفي في الشرق الأوسط، وطفقت تَظْهَرُ الأصلبَ عُودا والأقوى مَنْبِتًا حين يَعْجِمُ وضاح عيدانَ كِنانَتِه، فطابت جهنمك في رمال جليد القطب المتجمد، وحملتك رحالة المجد إلى جنوب الجنوب، بلبلا يغني للانعتاق أطلال مانديلا. يمدك خلق دمث نهلته معينا من نشأة في رحاب الذكر الزكي، ومصايف سحبت فيها أذيال الصبا مستميحا معتَّق العلم تتلقفه من أفواه الرجال.  يؤازره منطق رخيم بلغة القوم مصَصْتها دُرَرا في مرابعها، أيام هجرتك المبدعة إلى أرض العم سام. وحيدا أنت راوية المتنبي، وقيس ابن الملوح وامرئ القيس، وجرير والنابغة، وولد أبنو وولد محمدي، وصريع الغواني،، وحيدا أنت قارئ سيبويه والمبرد، والخليل، وخليل، وزكي مبارك، والمنفلوطي وطه حسين والعقاد، والغنوشي والترابي.. سياحتك في "الأضواء" وسلوتك في "الحماسة" وأنسك بـ"الظلال"، وتبتلك في "المطهرة"، وفي "الكفاف" مبتغاك. لله أبوك فتلك وأيم الله سر حظوتك أنى تحل، تهفوا إليك قلوب الأماجد وتأرز الحكمة إلى سامرك.. لا عدمناك. وشَوْا بك تزلفا، ودلوا عليك نفاقا، وأنبأوا عن وجودك كأنما يزفون خبر مخفي، مختف! سحقا لهم يشون بالشمس في رابعة النهار، ويسرون خبر القمر ليلة الأضحيان! لقد دلت عليك من قبل مكارم الأخلاق، ووشت بك الشجاعة، تنادي بك مكبرات صوت الدنيا، وصوتك العذب يخترق ظلام التعتيم. ثم ظنت يد الغدر أنها أمسكت بك، أنها أسكتت "صوت بلال" وأن أذان الحرية لن يصل المصلين، وأن تكسير المآذن يكفي لتعطيل شعيرة الصلاة، وهيهات.! فقريبا ينكشف دجاها عن صبح أبلج متنفسا عبير الحرية وينشقُّ الفجر وضاء يرتل على التاريخ نداءك الخالد من جنوب الجنوب. 

20. مارس 2011 - 15:37

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا