مثقفوا السلطة"باه منت باه ما معروف أوجه من أكفاه" وضرورة التغير وحتمية التعديل ؟!
لا شك أننا وفي المجال السياسي والسلطوي محتاجون ومحتاجون جدا إلى التغبير في العقليات والثقافة وأنماط التفكير، والتجديد والتعديل لا في الدستور المنكوب بنظامنا، ولكن في الحاكم نفسه وطبقته السياسية ومنهجه في التدبير والحكم المهدد للسلم الاجتماعي وذلك بالتوظيف والاستخدام القبلي والفئوي والجهوي الممجوج في الحشد
والتحشيد السياسي لتبني القرارات الطفيلية المزاجية في السياسة والاقتصاد، وفي كل القضايا الكبرى المكونة والضامنة لوجود الدولة والحافظة لبقاء ووجود الأمة وأصول وقواعد التعايش السلمي لمكونات شعبها ؟
وأكثر ما يحتاج إلى التغيير بذات هي"باه منت باه ذيك أل ما معروف أجه من أكفاه" بطانة الحاكم التي أنبتها في مؤسسات الدولة والمجتمع نباتا سيئا قائما على الارتزاق والنفاق والدجل السياسي والشعوذة الدينية، وتعزيز منظومة الاستبداد، وهي التي تجسد في الحياة العملية الأسس النظرية والسياسية التي ظلت تشكل بطانة كل حاكم عسكري، أو حاشية لحاكمه والتي يمثلها أصدق تمثيل الكتيبة البرلمانية وما يسمى بمثقفي السلطة من ضحايا الحركات الإيديولوجية التي خادنت النظام العسكري في كل مراحله وأطواره ؟! .
لقد كانت مخرجات مضاجعة الحركات الأيدلوجية للنظام العسكري القبلي الفاسد هي بروز ذلك النمط السيئ والرديء من السياسيين والإداريين الفاشلين والمراد لهم طبيعة ونشأة وتنشئة أن يظلوا البطانة الوفية والمسوقة للنظام العسكري وسياساته المزاجية، ولا وظيفة ولا دور لها في الحياة إلا أن تكون تابعة للحاكم، الذي هو في محصلته محتاج دائما لوجود مثقف السلطة الذي يمثل أداة من أدوات الحكم كما يقول ابن خلدون، والأصل في مثقف السلطة في النظام الاستبدادي وفي كل التاريخ السياسي الإسلامي أنه مجرد كاتب للديوان لا يكتب ولا يقول إلا ما يوحي إليه سيده الحاكم من زخرف السياسة وتزوير التدبير في الشأن العام ؟.
فدور فقيه السلطان ومثقفي السلطة في النظام العسكري الاستبدادي الجاهل هو التبشير والتسويق لمفهوم المستبد العادل، كما يقول فقهاء السلطان المنشئين لفقه وقواعد أصول الاستبداد، التي أعطت للحاكم المستبد تبريرات وجوده، وركزت على وجوب طاعته باعتبارها طاعة لله، وبحيث يظهر في هذه الآداب أن المحكومين وجدوا لخدمة الحاكم وليس العكس، وانطلاقا من أنه يمكن أن يكون الحاكم مستبدا وعادلاً في الآن نفسه كما قدمه التاريخ السياسي المعتوه للأمة، ولهذا فإن دور فقيه ومثقف الحاكم المستبد هو تكريس الاستبداد من خلال إعطائه شرعية الاستمرار تحت مظلة الأمن والاستقرار والخوف من الفتنة، وهم في الحقيقة في الفتنة سقطوا، وموعد الحساب والجزاء الشعبي قادم في الديمقراطية لا محالة، وفتنة الظلم والجور والاستبداد وقتل الحريات ونشر الفتن وضياع الحقوق أشد وأنكي أثرا من تلك الفتن التي يفترضون هم ضرورة وجودها حين إسقاط الحاكم، وقد سقط قبله عدد من الحكام أسلافه فما بكن عليهم السماء والأرض ولا حدثت فتنة تدوم أولا تدوم كما يزعمون؟!.
ولقد ظل المثقفون والفقهاء في ظل النظام العسكري القبلي المستبد يمارسون الفقه السياسي، وحتى غير السياسي، بما يؤدي إلى تضييق الحرية وتعزيز الاستبداد، مستدعين فوق قراءاتهم الجائحة البائسة للفقه، ولتطعيم ذلك كله ودعمه ديكورات من قشور الفكر الغربي المستورد جاهدين أنفسهم في إظهار ما يزعمون أنه يوافقه ويقبله ويبرره من الدين، ولعمري بطبع هو دين المليك أي الحاكم المستبد، الأمر الذي عزز من قبضة الاستبداد، وقوى مظاهر الاستكانة للظلم وأعطاه بعدا دينيا؟! .
والصنفان المنتجان في ظل النظام العسكري القبلي المستبد المثقف والفقيه ظلا في الفكر السياسي عندنا يمثلان أخطر بطانة للحاكم، وإن كنوا ليسوا الوحيدين، فالبطانة الفاسدة للنظام العسكري القبلي الفاسد متشعبة في جميع الاتجاهات، منها المباشر كالندماء، والأقرباء، والقرناء من القارونات والهامانات والجيش، والمخابرات، وغير المباشرة كالإعلاميين، والكتاب، المرتزقة والذين هم في الحقيقة امتداد لما عرف بكتاب الدواوين، في تاريخ السلطان، وهم يقومون جميعا بخدمة السلطة وحكم المستبد، ولا يتصورون ولا يصلحون لغير ذلك، ومعبود هم الوحيد والأوحد هو الداخل للقصر الرئاسي بغض النظر عن شكله ولونه وطمعه فهم يعزفون ويدندنون لكل من جلس على ذلك الكرسي ؟!.
إن الوطنيين المصلحين في هذا الوطن وهم كأفراد ليسول قليلين إذا ما أرادوا الإصلاح والعمل للخروج بالوطن من الاستبداد والجهل والتخلف والظلم والغبن والحيف فإن ذلك متاح وممكن وقد يكون ميسورا بالعمل والجد والاجتهاد، كما برهنت على ذلك الشعوب الواعية الجادة، ولأنه ليس مكتوبا علينا ولا قدرا في حقنا أن نظل في حضيض التخلف السياسي والاقتصادي ولا ضحايا الظلم وفجور الفساد السياسي والإداري والمالي، وقد جاء الإسلام الذي ندين به وحال البشرية أسوأ حالا، ولكن الإسلام العظيم نهض بها وبوأ المسلمين مكانة أستاذية العالم في الأخلاق والمدنية والسياسة والعمران والنتاج العلمي، وفجر في الأمة الأمية عقولا وحركات فكرية دعت إلى العدل والحق والحرية وإن تعرضت بعض العقول في تاريخها السياسي للحجر والسحق لبعض الأفكار والجماعات في فترات الضعف والجمود في التاريخ السياسي للمسلمين ما بعد العهد النبوي ومراحل الخلافة الراشدة وفي أزمنة الملك العضوض، والملك العضوض هو التعبير النبوي عن حكم الفرد والاستبداد والظلم ؟ .
والبداية للإصلاح الفعلي والجاد تبدأ من إعادة النظر في كل التوجهات الفكرية السائدة على الصعيد النظري والعملي والاجتماعي وتحديدا فيما هو من جنس الثقافي والسياسي، حتى ولو كان حلا مفيدا في فترة من الفترات، ومعبرا عن مرحلة من المراحل، فذلك لا يعني بقاءه جاثما على عقولنا فارضا علينا إرادة الحكم المستبد باسم الدين، ولا الثقافة الاجتماعية التي أفرزتها ظروف معينة وأنتجتها عقول مسلمة وفقا لمعطيات في الزمان والمكان لا تتكرر بذاتها في الزمان والمكان ؟.
وثانيا تكسير جدر الو لاءات الوهمية للنظام القبلي، ومنع استخداماته واستدعائه، والتحرر من مبدأ الخوف الذي زرعه فقهاء السلطان وكتاب النخاسة والارتزاق من تداعيات أو هام القراءات البائسة لفقه فقهاء السلطان في الطاعة العمياء لسلطان النظام العسكري القبلي ظالم والفساد والمستبد، فالحاكم عندنا هو الذي يزرع ويمارس أسباب الخوف باسم الحفاظ على النظام، ورجل الدين يمارس تسويق الخوف باسم الحفاظ على الدين وخدمة النظام وتجنيب المجتمع تداعيات فتن ما بعد إسقاط الحاكم ونظامه، والمثقف يمارس التضليل وتزوير ليقنع المجتمع بالخنوع باسم محاربة التخلف، والسعي لبناء النهضة التي أسس لها الحاكم الظالم المستبد الهبة الإلهية التي لم تلد ولن تلد نساؤنا له مثيلا لها، ولا مطمع لوجود بديل له ولا نظير من بين رجالنا؟!.
وتلك الجوقة العسكرية وأطرافها المساندة هي التي تتحمل كامل المسؤولية عن ما أصاب القيم من ضياع والوطن من فساد، والمواطن من ظلم وغبن وحيف وإقصاء وتهميش، والمسئول عن بقاء واستمرار نظام الاستبداد، فهم المنظرون والفاعلون والناشرون في المجتمع لثقافة الانكسار والهزيمة والخنوع للظلم والاستبداد، وجعلوا تلك الثقافة هي السائدة والمهيمنة في ثنايا البناء الاجتماعي عندنا على مستويات الحاكم والمحكوم على حد سواء، وسدنتها وحراسها هم أخدان الحكم من فقهاء السلطان، وكتاب ومثقفي الارتزاق والعيش من سحت رشاوي النظام من حقوق الفقراء البائسين المسحوقين في الأرياف والقرى وحتى المدن؟!
وعصابة اللصوص المتسلطة والمتحالفة على الغواية والظلم والاستبداد ونهب الخيرات وإفساد كل المنظومات والنظم هي التي تمثل بالمقابل دور الخدم الأذلاء في بلادنا للهيمنة والسيطرة الغربية على قيمنا وثقافتنا ونهب خيراتنا ومواردنا، وبالمقابل يقدم لهم أسيادهم في الغرب رشاوى كحراس لهم منها دعم الاستبداد والظلم والقهر والتضليل والنهب الذي يمارسونه في حق المواطنين، والتحالف الظالم المقيت في تحالفه يأتي ويتناغم مع أسياده في الوقت الذي يقدمون فيه للحكام المستبد، كل التسهيلات والخدمات بكل يسر وسهولة تماما وكما يقدمون هم بدورهم كل الخدمات للاستعمار وعلى ذلك تم التفاهم والاتفاق أو الإملاء ؟!
لا شك أن ساحتنا السياسية اليوم تشهد أبرز تجلي وتجسيد لحقيقة الصفقة المرة البائسة التي تظهر فيها صفة وعينة كل من القائد العسكري المتأله الذي له وحده أن يري الرعية ما يرى، والقائد الفكري المخبول المنكسر المنافق، وحاجة الأول للثاني وافتقار الثاني للأول، والسياسة التي يسير عليها القائد العسكري مع قادة الفكر والرأي، وهي العلاقة التي قد يعكر صفوها في بعض الأحيان كدر بخل وشح وندرة العطاء من الحاكم وربما بعض الوعي عند المعارض الفاضح لسياسات السلطة، فتتقلب تلك العلاقات ما بين شد الخوف وجذب الطمع، وعندما ما يتم التمكن من الرقاب، فإنه من طبيعة القادة العسكريين أنهم عند ما يتمكنون لا يضيرهم في نظرهم كثرة المعارضين ولا انكشاف الحقيقة كما هو حال نظامنا اليوم في تدبيره للسياسة واحتمائه ب"تيبه أم أنعيلات: الماده 38، وفرض قراءة بائسة جائحة لها"، ومن هنا وهناك تبدأ المرحلة الثانية، وهي التي تمثل عنفوان النهب والاحتكار والظلم والاستبداد والسحق للمواطن المعارض والمناصر على حد سواء وإن إن اختلفت الطرق والسبل مع كل فريق.
فالحاكم لا يريد أحداً أن يعارضه، ولا يناقشه وقد قضى في نظامه على خصومه تنكيلا وإغراء وإغواء، و حتى أن يراجعه في أمر من الأمور مهما كان، كما هو حاصل مع مجلس الشيوخ الذي يصارعه في معركة البقاء، وهو الذي لا يرضى من أعوانه ومواطنيه إلا أن يكونوا آلة مسخرة مطيعين لأوامره؛ كيفما كانت مذعنين لإرادته ولو انحرفت عن كل المقاييس والاعتبارات والسبيل، يريد منهم أن يجيدوا فن التهليل والتكبير والتبرير والتهويل، ومن لم يكن كذلك فإخلاصه وولاؤه فيه دخن بل خيانة وعمالة، وذلك هو ميزان ومعيار الإخلاص والولاء ؟!.
والحاكم المستبد من طبيعته وخصوصيات وعيه أنه لا يرتاح ولا يطرب إلا لمثل ذلك النوع من الولاء؛ ولو كان يعلم في قرار نفسه أن أغلبه ما هو إلا ولاء نفاق وتزلف وطمع، وهو يقول لهم ما قد قيل من قبل للحجاج ابن يوسف، فهذا الحجاج بن يوسف الذي كان يعد أحد دعائم وأركان دولة بني أمية في عهد عبد الملك بن مروان، لما أساء الأدب في مجلسه بإظهار شخصيته وإبراز بعض إنجازاته للدولة والتمكين لها، وزاد في ذلك على جرعة الوقاحة المسموح بها، في حضرة الأمير خاطبه عبد الملك بقوله: إن في بعض الولاء نفاق، وفي بعض الجرأة وقاحة، ولا يشفع ولاؤك لوقاحتك، وهذا ما يقوله السيد الرئيس اليوم بلسان الحال وربما المقال لأنصاره ومجلس شيوخه ورجال أعمال دولته وحتى من المقربين له نسبا وسياسة!! .
وأما قادة الفكر والرأي والفقهاء والكتاب فقد كانوا وفي ظل النظام العسكري القبلي، فيهم بعض الاستثناء، فإنك لامحا له واجد من بينهم الرجل الفقيه الأبي، والكاتب الألمعي، وإن كان نادرا مقياس الإخلاص فيه عند السلطان وهي القدرة على مصارحته ومناصحته، ومحاولة إرشاده، ومكاشفاته، وهو ينطلق من كون ثقافاته القبلية ووعيه الوطني قد ربياه على عدم الاستكانة للظلم دائما، وعدم الخنوع للمخلوق الفاني في كل الأحوال مهما علا شأنه، وعظم سلطانه، واجتمع المال والوظيفة في يده، وإن كنا قطعا لا نجد من بينهم من حاول أن يكون مثل سعيد بن جبير، وأحمد بن حنبل، والعز بن عبد السلام، وابن تيمية، والمنذر بن سعيد البلوطي، والقائمة من العلماء والمفكرين من ذلك الطراز لا حصر لها في تاريخ علماء الأمة مع السلاطين؟!.
والذي كان ولا يزال يدفع العلماء في التاريخ الإسلامي لسلوك ذلك المنهج هو الفهم الدقيق لتلك لآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تدعوا لرفض الظلم ومقاومة الباطل والانحياز للمظلوم؛ والخوف من معاونة أو مساندة أو الجدال عن الخائنين الظالمين، وهي المبادئ التي يفرض القرآن أن تكون معالم منهج العمل في حياة المسلم دِيانة وصدقاً وحباً للخير للناس، مع يقين كل واحد منهم بنتيجة عمله وثمرة سعيه في الدنيا والآخرة، وهاهو التاريخ يعيد نفسه على شاكلة البطش الحجاجي، فالمقلب ناظره في هذا العالم الإسلامي من أقرب زاوية فيه إلى أبعد ركن قصي يجد أن هناك ظلم يمارس وعلماء والدعاة ومفكرون وكتاب ينافحون، ويواجهون الحرمان والطرد من الوظائف والخدمات، وسجون بنية لتخويفهم وإسكاتهم ؟!
ومن سنن الله الجارية في السياسة والسياسيين، أن ما يكدر صفو القادة السياسيين، ويزعجهم، ويقلقهم أن يوجد بين ظهرانيهم علماء لهم إحساس مرهف، وتفكير مستنير، يكشف أسلوب المستبدين في الخداع، قادرين على كشف الحقائق للأمة؛ لتعرفه، فتحدد موقفها من ذلك ؟! .