قرأت مؤخرا من اخبار ما تشهده الساحة من نشاطات و دعوات لإحياء العهد الشمشوي، خاصة جانبه الثقافي و الأخلاقي
تذكرت في هذا الإطار بعض المراسلات بين محمد بن محمد البخاري و محمذن بن محمد فال بن احمد العاقل (القاضي اميَيْ)
ذلك أن محمد بن محمد البخاري بعد رفضه أوامر المستعمر المتكررة بإرسال الأبناء الى المدرسة (وهو أمر طُلب من أغلب رؤوس القبائل)،
كان يواجه ضغطا من الفرنسيين و محاولات لمضاعفة ضرائب الحيوان(العشور) على أحياء اليعقوبيين وطلبات الإبل لإيصال بعثات المستعمر(كَوَيَ) فقرر إيفاد مبعوث برسالة إلى اميَيْ ليكون له سندا في هذه القضية.
انتدب لهذه المهمة العالم و الشاعر الذي لا يبارى، فتى الأعمام و شاعرهم، محمد بن الصوفي فسافر في وفد، من مضارب الحي عند تورارين في الشمال إلى المذرذرة، فجاء إلى اميَيْ وأنشد نونيته المشهورة التي مطلعها
أمنزلًا سكنه بالأمس قد بانوا على التصافي ذووه الغر جيران
فبدأ بمقدمة طللية تظهر فيها بئة الشاعر أيام الشتاء في شمال البلاد ثم يخلص إلى وصف الحي الذي جاء منه
ومنهم حول تورارين مرتبعٌ قطانه بألذ العيش قطان
من كل خود يود الظبيُ مقلتها و الخمرُ ريقتها و القامةَ البانُ
يصطانها في خباها كل ذي كرم من واصم العرض مرعِيٌ و مُصطان
أئمة غُرِست في الدين نبعتُهم فما أهانوا أخا دِين و لا هانوا
أعراضهم كالمرايا لا تشابهها بيض الثياب سقاها الماء اشنان
ثم يخلص من ذلك مخاطبا أهل العاقل، أعلامَ تشمشة وأعلام القطر كله
ما إن يُسَليك عن تلك البلاد سوى مأوى الذين هُمُ للناس تيجان
أعني بذا العاقليين الذين حوَوْا ما من محامد لا يحصيه ديوان
واذكر فتاهم و قاضيهم و مفتيهم من هو قلبٌ وهذا الخلقُ أبدان
يقصد بالبيت الأخير القاضي اميَيْ الذي كان فريد زمانه في العلم و النباهة و الأدب، ثم يبدأ الحديث عن المهمة التي جاء الوفد من اجلها
يافرعَ عاقلِ أهلِ الظلمِ عن فَنَدٍ وفي العبارات تحسين وتبيانُ
هذي فُتُوُّ بني يعقوب راكبةٌ إليك يا خير من أمتْهُ ركبان
هَيْنُونَ لَيْنُونَ أطوادٌ حلومهم وافون ما نقضوا عهدا ولا خانوا
مُسْتنصرين أتيناكم لتنصرَنا وإنما ينصر الأعيان أعيانُ
إلى آخر القصيدة.
ثم إن اميَيْ أحسن استقبالهم ،وألغى عنهم الحاكم الفرنسي كل تلك المضايقات.
ويذكرون من نباهة اميَيْ، أنه جاءت إقامة صلاة العصر أثناء إلقاء القصيدة فقام الجميع إليها ولما رجعوا كان يذكر أين توقف الشاعر فقال (إيهْ....هَيْنُونَ لَيْنُونَ..)
وفي موقف آخر، جاء محمد عالي ولد عدود إلى القاضي اميَيْ ومعه كتابة من محمد بن محمد البخاري في مسألة كانت محل بحث، فقال له اميَيْ ( إن هذه ليست شهادة و إنما هو حكم نهائي)
رحم الله الجميع