كم مرة سمعنا أن رئيسا من رؤساء العالم قطع زيارة، أو عطلة، أو فترة نقاهة، أو نشاطا بالغ الأهمية، وعاد إلى مكتبه لتسوية أزمة مفاجئة في بلده من قبيل كارثة طبيعية، أو عدوان أجنبي، أو أزمة داخلية ذات طابع سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي.
لكننا لم نسمع أبدا أن رئيس بلد من بلدان العالم انتظر الأزمات حتى تكاثرت عليه - كما "تكاثرت الظباء على خداش"- وأنذرت باحتقان سياسي واجتماعي واقتصادي خانق ولافت لكي يسافر إلى الخارج..حتى "النعامة" لا تواجه العواصف بالخروج من رمالها، بل تعترف بالعجز عن المواجهة -عمليا وميدانيا- فتدس رأسها في رمالها لا في رمال الآخرين.!
نفهم أن سيادة رئيس الجمهورية رجل شهم، أراد أن يثبت لمعمر القذافى أنه لا ينسى جميله أبدا عندما وقف إلى جانبه وثبته في الحكم برجاله وأفارقته وأمواله ذات انقلاب مشهود، ولذلك يتحرك اليوم للبحث للزعيم عن أحسن المخارج أو أسوئها من الأزمة الليبية المعقدة والمتفاقمة داخليا وخارجيا، ف"الخيل اللى ما اترد خيل ماه حرة" كما يقول الموريتانيون، والرجال لبعضهم وقت الشدة وليس وقت الرخاء..
و نفهم أن يبذل رئيس الجمهورية جهوده لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ساحل العاج المحترقة بين نيران رئيس منهزم انتخابيا يرفض التنحي، ورئيس منتصر انتخابيا يصر على انتزاع كرسيه بالقوة هذه المرة، ففي ذلك وفاء لتاريخ علاقات خالدة بين ساحل العاج وموريتانيا، فأبيدجان احتضنت الموريتانيين طويلا ورحبت بهم ودفعتهم ومنحتهم كل ما هو مختزن في أرضها ومائها وتاريخ شعبها من علاقة تاريخية حنون بين الرمزين الخالدين المختار ولد داداه وفليكس هو فوت بوانييه..لقد كانا رجلين رائعين بنيا في قلبيهما جسورا للحب والسلام والتعايش.
نفهم كل ذلك ونتفهمه، ولا اعتراض لنا على أن يكون لدينا رئيس وفي لمبادئ من أي نوع، لكن الذي لا نفهمه - ولن تتفهمه- هو أن ينسى رئيسنا مشاكلنا الصاعقة والاحتقان المتنامي في ساحتنا المحلية التي تضج بالغاضبين ومسببات الغضب وبالدامعين و"مسيلات الدموع" ثم يتحرك- بدلا من مواجهة تلك الأزمات وتطويقها محليا- لنبش ملفات خارجية لا تشكل أولوية من أي نوع للبلاد حاليا، فحتى لو أقنعنا الليبيين والإفواريين بالاحتكام للعقل والبصيرة فإن ذلك- يقينا- لن يكون في ميزان حسناتنا لا عربيا ولا إفريقيا ولا دوليا،ولن يكون أكثر من مضيعة للمال ومفسدة للوقت.
لقد كان على رئيس الجمهورية تدبر أمرنا وشأننا المحلي، ففي ساحة "ابلوكات" وإضراب الأطباء، ووضعية التعليم، و"الكزرة"، والماء والكهرباء، والغذاء والدواء، من المشاكل ما يكفى سيادة الرئيس إذا كان بالفعل من هواة حل المشاكل، وحتى لا يقال إن" حطاب الدشرة" عاد إلى حرفته المعروفة.. و"طوبى لرئيس شغلته مشاكله عن مشاكل الناس"!!
ألم يكن حريا بالرئيس أن تشغله مشاكله عن مشاكل الناس وأن يصلح "قدح" الموريتانيين بدلا من محاولة إصلاح "قدحان" الليبيين والايفواريين التي كسروها بما كسبت أيديهم من انعدام الحس الوطني وتغليب منطق القوة والصلف على منطق العقل والحق والديمقراطية؟!
ألم يكن حريا بصاحب الفخامة أن يدرك أن شعبه أولى بالمعروف، وأن "البقرة" تهتم بنفسها وقت المخاطر حتى على حساب وليدها؟
إن البلاد تعيش وضعا كارثيا متأزما تبرهن تداعياته على مختلف مناحي الحياة الوطنية يوما بعد يوم على أن الرمال أصبحت تضيق برأس "النعامة" المتورم، وعلى أنه لم يعد لدى مصلح "القدحان" فرصة لإصلاح "قدحته"، مع أنه لن يفلح في إصلاح "قدحان" الآخرين، وأن "حطاب الدشرة" ما عاد له حطب يزيد أو ينقص، فلا حطب بعد نار توشك أن تحرق كل شيء..حتى "البقرة" ما عاد لديها وقت لتدارك نفسها أما وليدها فعليه السلام.!
لا يمكن القبول بأن يواصل الرئيس تجاهله لما نشهده يوميا من مآس تنذر بتصدع الكيان الموريتاني وذهاب ريحه، وتمزيق لحمته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية..ليس معقولا أن يغمض الرئيس عنا عينيه، ويتركنا لحكومة قاصرة عاجزة واطئة العمل والتفكير إداريا وسياسيا.
الرئيس يعرف أوضاع البلاد، فما لم يره أمام قصره الرمادي كل يوم جديد يراه في
تقارير خلصائه وندمائه من عسس وصحافة ومخبرين وكاميرات مراقبة أمنه..ألم ير الرئيس بأم عينيه عمال الصحة ذات يوم قائظ يتجمهرون أمامه بحثا عن علاوة خطر المهنة، أو بحثا عن أذن واعية، أو حتى بحثا عن كلمة من رئيس منتخب؟!
ألم ير سيادته تلك المرأة التي سارت عارية أمام حرسه الرئاسي وجموع المحتجين بعد أن ضاقت حتى ثيابها عن تحمل معاناتها فلم تجد بدا من الاحتجاج بتلك الطريقة اللاشعورية التي تحيل إلى الإنسان الأول وما كان يعانيه من جوع وبرد وعري وتهميش ومسكنة، وتعطى رسالة واضحة بأننا نعود إلى ذلك الوراء السحيق بحماقاتنا بصلفنا بظلمنا بأرضنا التي نجعل باطنها - بالظلم والتعسف والقمع والجهالة- أرحم بالمنسيين والضائعين من ظاهرها..!
ألم ير سيادته عشرات المتسولين وذوى الاحتياجات الخاصة وهم يتجمعون وقد قذف بهم الظلم إلى بوابة القصر..وحملة الشهادات وعمال محو الأمية وسكان "الفلوجة" و"غزة" وعرفات وطلاب الجامعة والمعهد والعمال العقدويون و أهالي "الطينطان" و"تيكند" و"فصاله" و"مكطع لحجار"؟؟
لابد أن الرئيس يعرف معاناة كل هؤلاء، ولا بد أنه يعرف أنه يتحمل المسؤولية عنهم غدا بين يدي الله، ويعرف أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه كان يبكى- وهو من هو صحبة للنبي وعدلا وشجاعة وصدقا ونبلا وإيمانا- قائلا: "ويل أم عمر..والله لو عثرت بغلة بأرض العراق لسئل عنها عمر لماذا لم تمهد لها الطريق".
لقد عثرت عشرات البغال والحمير والدواب وفاضت آلاف الأنفس البريئة موتا بالعطش والمرض وبعد الشقة وصعوبة الطريق فمن سيسأل عنها يا سيادة الرئيس؟!
نحن يا سيدي أولى بالمعروف وما في المدينة أحوج منا ..نريد الماء والدواء والخبز
والكهرباء والعدل والحرية..نريد حليبا للأطفال وخبزا للفقراء، نريد رجلا رئيسا
شجاعا يتحمل المسؤولية، ويحمل الكل ويعين على نوائب الدهر.
نحن يا سيدي أولى بالمعروف من القذافى واغباغبو..نحن أهلك الأقربون وربعك..نحن أبناء وطنك نحن الذين بنا تكون أو لا تكون ..نحن الذين بنا يعمر هذا الوطن وبدوننا يندثر..نحن الذين ترأست علينا- بالتراضي أو بالإكراه لا يهم- فأنت اليوم رئيسنا..
فمن يرحم الموريتانيين إذا كان رئيسهم ينسى معاناتهم ويغمض عنها عينيه وينشغل عنها بما وراء الحدود؟!
سيدي متى نسمع في وسائل الإعلام أنك قمت بتجميد نشاطاتك الخارجية، وعدت إلى مكتبك مجتمعا بفريقك الأمني والسياسي المصغر لإنقاذ بلدك من زلزال اقتصادي واجتماعي وسياسي بدأت بوادره، ومادت الأرض من تحتنا اليوم على وقع الهزات الارتدادية التي سبقته هذه المرة عكسا لكل الزلازل من أول زلزال على الأرض وحتى زلزال اليابان.!!